ليس غريباً أن يضع الجمهور مسؤولية تدهور الوضع البيئي على مؤسسات حماية البيئة، فيعتبرها مقصّرة في عملها. لكن ما يدعو إلى الدهشة حقاً أن يعتبر الناس عدم الالتزام بالتشريعات البيئية السبب الرئيس للتدهور، يتبعه تقصير هيئات البيئة الرسمية، ويليهما مباشرة ضعف برامج التوعية البيئية. الأسباب الثلاثة سبقت في الأولوية مسائل أخرى مثل عدم تخصيص موازنات كافية للبرامج البيئية، وشح استثمارات القطاع الخاص في مجال البيئة، وضعف فعالية الجمعيات الأهلية. هذه هي بعض النتائج الاحصائية الأولية المثيرة لاستطلاع الرأي العام البيئي، الذي نظمته مجلة "'البيئة والتنمية'" في 81 بلداً عربياً، ويجري حالياً العمل على تحليل أرقامه. هذا لا يعني إعفاء مؤسسات حماية البيئة من مسؤولية التقصير. فقد حمّلها 44 في المئة من المشاركين في الاستطلاع مسؤولية رئيسة في التدهور. وفي حين اعتبر نصف المشاركين أن عدم التزام التشريعات والقوانين البيئية هو السبب الأول للتدهور البيئي، وجد 42 في المئة منهم فقط أن السبب يعود إلى التشريعات والقوانين نفسها. الجمهور يعتبر، إذاً، أن احترام القوانين الموجودة أكثر إلحاحاً من العمل على وضع قوانين جديدة. وهذه رسالة واضحة إلى المسؤولين بأن الناس ضاقوا ذرعاً بالاستسهال في تطبيق القوانين وفرض العقوبات على المخالفات البيئية. ومن الواضح أنهم يرون فجوة واسعة بين النظريات على الورق وتنفيذها على أرض الواقع. إنهم يريدون تطبيق الموجود قبل البحث عن اضافة جديد، لا يثقون بأنه سيطبق. هل نفهم أن التشريعات البيئية القائمة كافية وافية، ولا تحتاج الى أية اضافة؟ لا، بالطبع. فالقوانين البيئية في معظم الدول العربية ما زالت مجزّأة، ولا تشدد بصورة واضحة في ضرورة تطبيق مبادئ الادارة السليمة في استخدام الموارد. إضافة إلى أن التحديات البيئية المتطورة باستمرار تتطلب قوانين متجددة لمواكبتها. لكن افتقار مؤسسات البيئة عامة الى العناصر البشرية الفاعلة والموارد المادية الكافية لتحقيق الأهداف المنشودة يعرقل تنفيذ السياسات البيئية ويضعف القدرة على تطبيق قوانين البيئة. على مؤسسات البيئة، لكي تستعيد ثقة الناس بها، أن تنفذ ما وعدت به وتفرض القوانين التي وضعتها. ولن يأخذ الجمهور أية قوانين جديدة على محمل الجدّ ما لم يتأكد أن المؤسسات المسؤولة جادة في تطبيقها. ماذا يعني، مثلاً، أن تُصدر إحدى وزارات البيئة قانوناً يحدد مستويات الضجيج المسموحة، ولا تقوم خلال عشر سنوات بأي قياس لمعرفة مدى الالتزام بمتطلبات هذا القانون؟ هذا اذا كانت تملك القدرة على اجراء هذه القياسات أصلاً. هذا يقودنا إلى السبب الثالث الذي اختاره 44 في المئة من الجمهور كعنصر رئيس في تدهور البيئة: ضعف برامج التوعية البيئية. وفي اعتقادنا أن ضعف الوعي البيئي قد يكون السبب الأول للتدهور. فالحاجة ملحّة إلى فهم أفضل لمشاكل البيئة وعلاقتها بالتنمية، ليس بين الناس العاديين فقط، بل بين قادة السياسة والاقتصاد أيضاً. والوعي البيئي السياسي ضروري لادخال الاعتبارات البيئية جزءاً متكاملاً في عملية التنمية، لا مجرد تدابير متفرقة لرفع العتب. إن تعميم برامج التربية البيئية في المدارس، كما عبر وسائل الاعلام ومن خلال العمل الأهلي، يؤدي ليس فقط إلى تعديل ايجابي في السلوك الشخصي للأفراد، بل أيضاً إلى الدفع في اتجاه سياسات بيئية سليمة وفرض تطبيقها. الآن، ما هي المشاكل البيئية الرئيسة في رأي الجمهور العربي، وهل على الحكومات أن تفعل أكثر من أجل البيئة، وهل يعتقد الناس أن وضع البيئة في بلدانهم يسير إلى تحسن أو تراجع؟ كلها أسئلة يجيب عنها الاستطلاع البيئي للرأي العام، الذي تعلن نتائجه الشهر المقبل في مؤتمر "'الرأي العام والبيئة'". فلننتظر الأجوبة، التي قد تحمل مفاجآت لا تقلّ إثارة عن رأي الجمهور في مسببات التدهور البيئي. * رئيس تحرير "البيئة والتنمية"