أزمة البيئة في عالمنا العربي هي انعكاس لأزمة سياسية واجتماعية واقتصادية. وما قلناه في دراسة عن لبنان أن مشاكله البيئية هي في الواقع امتداد لمشاكل السياسة والنظام، أكده الدكتور محمود عبدالرحيم، المدير الاقليمي لبرنامج الأممالمتحدة للبيئة، في وصفه لوضع البيئة العربي عموماً. ففي حوار مع "البيئة والتنمية" لمناسبة انتهاء ولايته في الأممالمتحدة، عزا عبدالرحيم سبب العجز عن القيام بعمل بيئي جدي على مستوى المؤسسات الاقليمية الى الشلل الذي تعانيه جامعة الدول العربية، والأزمات السياسية والأمنية في المنطقة. لقد اصطدمت محاولات القيام بعمل عربي بيئي مشترك بتفكك مؤسسات الجامعة العربية وضعفها، نتيجة للتشتت في القرار العربي. ونعترف أن مقارنتنا في مقال سابق، في عنوان "مؤسسات البيئة العربية في غيبوبة"، بين مؤسسة البيئة التابعة للاتحاد الأوروبي ومجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة، لم تكن عادلة. فالعمل البيئي الأوروبي لم يأتِ من فراغ، بل استند إلى مؤسسات سياسية فاعلة. وسبقته إقامة أنظمة على مستوى أوروبا لتطوير سياسات تعاون اجتماعية واقتصادية ترتقي بمستوى مجتمعاتها وتحقق مصالحها المشتركة، ووضعها في التطبيق العملي. ونضيف إلى أزمة البيئة العربية: ضعف هامش الحرية والمشاركة وعدم احترام حق المواطنين في الاطلاع. ففي حالات كثيرة ما زالت المؤسسات الرسمية تحجب المعلومات عن المواطنين، وتوهمهم بواسطة أجهزة الاعلام الرسمية أن الدنيا بألف خير، فيما التغيير نحو الأفضل يبدأ من معرفة الحقائق. وأجرت "البيئة والتنمية"، منذ 1999، سلسلة استطلاعات للرأي العام في دول عربية مختلفة حول الأوضاع البيئية، جاءت نتائجها معبّرة. فاللافت أن النسبة الكبرى للذين يعتبرون وضع البيئة سيئاً، على المستوى العام وفي قضايا محددة مثل تلوث الهواء والمياه والهدر في ادارة الموارد، تتركز في بعض البلدان، بخاصة لبنان. وتجيب أكثرية في بلدان أخرى أن وضع البيئة جيّد ولا مشاكل تُذكر. فهل هذا يعني، بالفعل، أن وضع البيئة في لبنان والأردن ومصر، مثلاً، أسوأ منه في بلدان أخرى، لمجرد أن المشاركين المحليين في الاستطلاع يعتقدون هكذا؟ الجواب هو، غالباً، لا. ففي بعض البلدان العربية حيث هناك هامش أكبر للحرية، وحيث تتوافر للمواطنين قدرة أكبر على الاطلاع، وتعمل جمعيات أهلية فاعلة وصحافة تتمتع ببعض الاستقلالية، تكثر الاحتجاجات. وهذا لا يعني أن المشاكل البيئية لتلك الدول أكبر من غيرها، بل أن مواطنيها على اطلاع أكبر على المشاكل، التي غالباً ما تكون محجوبة عن غيرهم. وكلما جاءتنا نتيجة استطلاع تقول فيه غالبية المشاركين في دولة معينة ان الوضع البيئي ممتاز، نتخوف من أن يكون المخفي أعظم. لا يكفي أن نعدد مئات القوانين والتشريعات، على أهميتها، إذ الأهم أن نعرف كيف يتم تطبيقها وماذا أثرت في تحسين وضع البيئة. كما لا يكفي أن نتغنى بلائحة طويلة عريضة من تواقيع بلداننا على معاهدات واتفاقات دولية، فيما نعرف أن معظمها يتم نسيانه بعد توقيعه. وحبذا لو تحولت بيانات الانجازات من تعداد البرامج والمشاريع إلى تقديم تقارير علمية، تدعمها أرقام الدراسات، عن الوضع عند بدء المشروع وبعد الانتهاء من تنفيذه، فيتسنى للمواطن المقارنة. إن حل مشاكلنا البيئية يبدأ باعطاء المواطنين حق الاطلاع على المعلومات، كاملة وبلا عمليات انتقائية وتجميلية. ذلك أن علاج المرض يبدأ بوضع الاصبع على الجرح. * رئيس تحرير مجلة "البيئة والتنمية".