إطلاق نار ... تراشق بالحجارة... تكسير زجاج سيارات... إصابات، دماء. المشاهد ليست في فيلم بوليسي بل منقولة عن مشاجرة"طالبية"على خلفية عشائرية وقعت في حرم جامعي اردني أخيراً. "صارت الجامعة ساحة مشاجرات دموية مستنسخة عن تلك التي تقع في الحواري والأزقة بين ذوي السوابق الجرمية"، تقول تانيا. تانيا الطالبة في السنة الثانية في كلية العلوم في جامعة خاصة شهدت عراكاً بين طالبين من عشيرتين مختلفتين أدى إلى جرح طلبة ورجال أمن. كانت تانيا شاهدة عيان في ساحة"المعركة"، قالت:"قبل نحو أسبوع اشتبك طالبان من الجامعة بالأيدي، وتدخل شبان وفضوا الاشتباك سريعاً، لكن النفوس بقيت تحمل الضغينة". وأضافت:"بعد أسبوع من الواقعة وفي الحادية عشرة ظهراً علت أصوات شبان بالصراخ وتبادل الشتائم ثم ما لبثوا أن تعاركوا"، والمفاجأة كانت بحسب تانيا"استخدام السلاح وتبادل إطلاق الرصاص لأكثر من ساعة ما تطلب استدعاء رجال الأمن". هذه معلومات أكدها الناطق الرسمي باسم الأمن العام بشير الدعجة الذي أشار إلى أن الشرطة ألقت القبض على 30 طالباً من المتشاجرين من العشيرتين، إذ تبين وجود أربعة طلاب من جامعات أخرى مشتركين في المشاجرة، على رغم نفيه المطلق إطلاق عيارات نارية. وعلى رغم أن التعصب القبلي واحد من الدوافع الكامنة وراء ظاهرة العنف في الجامعات غير أنه الأبرز وفق أستاذ العلوم التربوية الدكتور كمال حوامدة الذي أشار إلى"أن الاسباب المحركة للعنف بين الطلاب هي الكبت والتركيز على الجوانب الأكاديمية وإهمال الجوانب الأخرى في بناء الشخصية، وعدم التكيف والانسجام مع الحياة الجامعية والشعور بعدم المساواة في تطبيق قوانين الجامعة مع القناعة بعدم صلاحيتها ووجود وقت فراغ طويل وبعض المضايقات من الأساتذة للطلبة واستفزازهم". ويبدو أن إصرار الجامعات على التعيين في المجالس الطالبية، وفرض"الصوت الواحد"غذى النوازع القبلية التي جَرّت معها أمراضاً كثيرة، ليس أقلها أن الجامعات تحولت إلى بيئات متشددة أسوأ نتائجها المعارك الطالبية داخل الأسوار. ورأى خالد أن تحزب طلبة وتشكيلهم مجموعات مناطقية وعشائرية في الجامعات مقدمة لطرح زعيمها ممثلاً في المجلس الطلابي مستقبلاً. واعتبر الطالب خالد أن ما يحدث في الحرم الجامعي امتداد طبيعي لما يحدث خارجه لا سيما في الانتخابات النيابية للوصول الى البرلمان وهو ما تعتبره عائلات فخراً وقيمة مضافة. في السياق نفسه، قال رئيس جامعة مؤتة الدكتور سليمان عربيات إن ظاهرة العنف التي تسللت إلى الجامعات باتت تشكل تهديداً للبيئة الجامعية وعامل اضطراب في الحرم الجامعي". موضحاً أنها"نتاج موروث اجتماعي وتراكم ثقافي اصطدمت مع التوجهات الحضاريه". وقال الكاتب والمحلل جمال الطاهات إن ذهنيات حكومية رأت في الجامعات خطراً فلجأت إلى تصفيتها بتدابير أمنية وبقوانين عرفية. وتابع الطاهات:"الأزمة أننا نعرف الداء والدواء، ولكن الحكومات تريد ادعاء العلاج لا الشفاء التام، وهي تعرف إن إضعاف الجسم الطالبي المُسيّس أدى إلى معظم ما يحدث الآن، وفاقمَ معضلاتٍ أخرى". وطالب الطاهات حكومة التنمية السياسية بأن تتصدى لميراث سابقاتها في الجامعات، وتعالج كل الأخطاء، قبل أن تترك هذه المؤسسات مستقلة تماماً، وتغلق نهائياً ملف التدخل فيها. ويبرز كذلك الشجار بسبب الفتيات في الجامعات، فيحدث أن تنفصل إحداهن عن صديقها فيصب جام غضبه على أول شاب تتحدث إليه، أو أن تأخذ الشاب الحمية إذا ما سمع عن علاقة تربط قريبة له بزميلها فيتعارك معه. ولا يكاد يمر شهر إلا وتعقد فيه ندوات ومؤتمرات تناقش ظاهرة العنف في الجامعات ليخرج المشاركون فيها بسلسلة توصيات لتعزيز الثقافة الاجتماعية الجامعية النابذة للعنف وتدريب الطلبة على حل الخلافات بأساليب صحية، لكنها تراوح مكانها والدليل تنامي الظاهرة. ورأى فريق من المشاركين أن الحل في تشديد العقوبات المتعلقة بالمخالفات داخل الحرم الجامعي بما يتناسب مع الظواهر السلبية المستجدة في الجامعات، فيما وجد فريق ثان أن الحل يكمن بالتركيز على الندوات وورش العمل والمحاضرات الإرشادية والتوجيهية. واللافت أن مشاركين في تلك الندوات المنادية باللاعنف كانوا يوصون بضرورة تدريب عناصر الأمن الجامعي وتأهيلهم بما يتناسب ومتطلبات دورهم مع احترام حقوق الإنسان وصون الحريات، واستخدام التقنيات الحديثة المتعلقة بالدخول للجامعة والحركة البشرية داخلها في اقرار ضمني باستمرار الظاهرة. واعتبر وزير التربية والتعليم العالي الدكتور خالد طوقان من جهته إن"ظاهرة العنف في الجامعات الأردنية دخيلة على المجتمع الأردني وفيها خروج على الأنظمة والقوانين والقيم الدينية والاجتماعية"، كما اعتبرها"مؤشراً الى وجود خلل في الرعاية والتربية". وقال خلال رعايته ندوة"نحو مجتمع جامعي آمن"إن"العنف سلوك غير قويم يجب اجتثاثه من الجامعات لتحقيق بيئة جامعية تلائم احتياجات المجتمع وتحقق توقعاته لتكون بيئة جامعية جاذبة غير طاردة معززة لدور الطلبة الايجابي داخل حرم الجامعة وإيجاد شخصيته المدركة والمتزنة والمتفوقة أكاديمياً واجتماعياً". وفي إطار تحجيم الظاهرة، أشار طوقان إلى أهمية إيجاد أرضية صلبة لتغليب لغة الحوار وتعزيز ثقافتهپومحاربة الغلو والتطرف بأساليب وقائية وقادرة على بث الشعور بالانتماء وروح التعاون والمحبة بين الجسم الطالبي وقادرة على إعداد الشباب لتحمل مسؤولية التنمية الشاملة وصقل تفكيرهم لمعرفة حقوقهم وواجباتهم المدنية ويحسنوا مواطنيتهم.