تتطبّع العلاقة بين قناة"الحرّة"والمشاهد العربي بعد شكوك واتهامات مسبقة، وذلك بفضل اهتمام القناة المتزايد باللقاءات والبرامج الثقافية والفنية والتغطيات الاعلامية لممارسات ونشاطات المجتمع المدني والمرأة في عموم العالم العربي من المشرق الى المغرب. ولا ننسى في هذا المقام، اللقاءات التي يجريها الأديب جوزيف عيساوي في برنامجه"قريب جداً"مع كبار المفكرين والشعراء والكتاب والفنانين العرب، وهي تشكّل فرصة نادرة لجذب المشاهدين العرب الى عالم هؤلاء الكبار، والتعرّف اليهم عن قرب وعن كثب... اضافة الى البرنامج السينمائي الأسبوعي"سينماغازين"الذي تقدمه عائشة الدوري، ويتناول أحدث أخبار السينما في العالم. قبل أيام، كان للمشاهد العربي موعد على قناة"الحرة"بعد منتصف الليل - بتوقيت بغداد - مع نجوم وصنّاع الفيلم المصري"عمارة يعقوبيان": عادل إمام، يسرا، محمد عادل إمام، المخرج مروان وحيد حامد، والمنتج عماد الدين أديب من شركة غود نيوز للانتاج السينمائي ... وذلك بمناسبة حضورهم عرض الفيلم في مهرجان"ترايبيكا". والحقيقة، ان اللقاء بحد ذاته يشكّل سبقاً اعلامياً للقناة، ويعطيها مصداقية أكبر في اهتمامها بالجوانب الثقافية والفنية في الحياة العربية الراهنة.. لكنه لم يخل من المشكلات، خصوصاً مشكلات"سينوغرافية"أو مشهدية... بدءاً من طريقة الجلوس في صفين متقابلين، والديكور الباهت لموقع التصوير - مما يوحي بالعجالة -، الى سيادة طابع الانضباط والصرامة، مما حدا بعادل إمام الى كسره بافتعال بعض النكات. ولا ندري ان كان مقدما البرنامج زياد جرادي وعائشة الدوري على اطلاع فعلي او حقيقي على العمل الأدبي الأصلي وبانورامية تناوله لمجمل الأوضاع الراهنة في المجتمع المصري، اذ انصبّ تركيزهما في تناول العمل السينمائي بالدرجة الأولى، على جرأته في طرح موضوعين مهمين هما المثلية الجنسية والتطرّف الديني الإرهابي... وكيف يمكن قبولهما او استقبالهما سينمائياً داخل المجتمعات العربية، على المستويات الرقابية. ان الرواية أكبر من هاتين الظاهرتين بالتأكيد، وتكشف عن عمق الفساد السياسي واحتكار السلطة في المجتمع، كما تؤشر الى الانحدار التدريجي للمستوى الثقافي والتربوي - وبالتالي الأخلاقي والقيمي - لعموم المجتمع عبر مسيرته خلال نصف قرن او يزيد. وهذا ما جعلها مقروءة ومقبولة في معظم بلداننا العربية، التي ضيّعت على نفسها فرصة التنمية الحقيقية، وعادت الى الوراء. علماً ان الرواية تبدو كأنها مكتوبة للسينما او بلغة تقريرية او صحافية مباشرة، ما أدى الى كره الكثير من الأدباءالتقليديين لها، ولاسيما بين الباحثين عن التفجيرات النصّية واللغة الاستعارية والحبكة والغموض والتداخلات السردية ... الخ. ما يدفع الى سوق السطور السابقة، هو إلحاح مقدمي البرنامج على نقطة أساسية وحيدة في هذا العمل السينمائي:"مكافحة الإرهاب"باعتبارها"المشكلة الأكبر والوحيدة"في مصر او في عالمنا العربي. وقد تكون هذه المشكلة هي الأكبر في بلد مثل العراق في الوقت الراهن، لكن في مصر هناك مشكلات اخرى كثيرة ومتداخلة... هي التي تؤدي الى نمو الإرهاب. ان توفر الحاضنة للإرهاب أخطر بكثير من الإرهاب نفسه. الإرهاب يقفز او يطفو على السطح مباشرة... لكنه لا يأتي من فراغ او من وحي الساعة، وهذا ما تبينه الرواية بصدق وحيادية. ان زجّ مثل هذا العمل السينمائي الكبير في شكل مباشر في السياسات الدولية او في أجندة خفية، قد يكون له تأثير سلبي في تقييم العمل واستقباله جماهيرياً في العالم العربي. لذلك، على معدي ومقدمي برامج"الحرة"الثقافية والفنية ان يكونوا أكثر ذكاء أو حكمة في تناول بعض المواضيع. ان فيلماً كبيراً مثل"عمارة يعقوبيان"، تمثيلاً واخراجاً وانتاجاً... يساء اليه - أكثر مما يخدمه - عندما تتسلط عليه الأضواء فقط باعتباره عملاً ضد الإرهاب.