قبل فترة في برلين، أمس من نيويورك، وبعد أيام في"كان". نور الشريف منهمك هذه الأيام في التجوال بين المدن، في رفقة الفيلم الأخير الذي لعب فيه دور البطولة"عمارة يعقوبيان"الذي يقدم في عروض خاصة في هذه المدن وغيرها قبل ان ينطلق في عروضه التجارية. وبين جولة وأخرى يكرّم نور الشريف، أو بالأحرى يكّرم فنان السينما فيه. وآخر تكريم له كان في الكويت حيث أقام نادي الكويت للسينما تحت رعاية بدر الرفاعي الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب حفل تكريم للفنان نور الشريف لمناسبة انتهائه من ورشة إعداد الممثل التي أقيمت قبل أيام. وألقى منيف الحربي رئيس نادي الكويت للسينما كلمة اوضح فيها ان هذه الاحتفالية"ما هي إلا شيء بسيط امام عطاءات نور الشريف التي امتدت لأربعة عقود أسس من خلالها شخصية سينمائية لها ملامح خاصة وواضحة، الى جانب ما قدمه في المسرح من أعمال فنية متميزة"، مشيراً الى ان كل ما قدمه الشريف من إبداعات ما هو إلا مراجعة لتاريخ المجتمع العربي وحياته سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. بعدها ألقى طالب الرفاعي مدير إدارة الثقافة في المجلس الوطني كلمة نيابة عن الأمين العام قال فيها ان تكريم نور الشريف ما هو إلا تكريم للسينما العربية لكونه ليس محسوباً على الفن في مصر فقط، بل هو محسوب على هم المواطن والثقافة العربية لقربه من القراءة والاطلاع، مضيفاً انه ايضاً محسوب على المبدعين في التشكيل وكل فروع الفن، ومن يقترب منه يجده قريباً من الناس لتكريسه جزءاً كبيراً من حياته لمعاناة الإنسان العربي. وبعدها قدم الفنان محمد المنصور الفنان نور الشريف ليلقي كلمته واصفاً إياه بصديق الدرب وصاحب الكلمة الأكثر تأثيراً من اربعة عقود مضت. وفي كلمته أوضح الشريف ان العمر يقاس باللحظات السعيدة التي اعتبر فيها لحظات وجوده في الكويت من اهمها في حياته، شاكراً كل من شاركوا في الورشة على جدهم وقبولهم كنجوم للخضوع للتعلم والتدريب، وقد تخلل الحفل تقديم لوحة تذكارية للفنان نور الشريف من الفنان ناجي الحاي، وتقديم درع تكريمي من نادي الكويت للسينما وتقديم نسخة من كتاب"نور الشريف الفنان الإنسان"من تأليف الناقد السينمائي عماد النويري مدير النادي، كما تم عرض فيلم تسجيلي تحت عنوان"ليلة نور"من إخراج فيصل الدويسان، الى جانب توزيع الشهادات للمشاركين في الورشة، وتقديم درع تكريمي لمي نور الشريف. وقد أدار برنامج الاحتفال عماد النويري الذي أصدر كتاباً في الكويت عن نادي الكويت للسينما بعنوان"نور الشريف الإنسان الفنان"في 132 صفحة من القطع المتوسط. ويعد الكتاب الإصدار الثالث للكاتب بعد مجموعته القصصية"الرأس والجدار"عام 1993، وكتاب"سينمائيات"عام 2004. جاء في المقدمة:"حينما يكرم نادي الكويت للسينما الفنان القدير نور الشريف من خلال هذا الإصدار إنما يكرم كل فنان عربي جاد أخلص لفنه والتزم هموم عصره واستطاع ان يكون قدوة ونموذجاً يحتذى به على مستوى الوطن العربي". ضم الكتاب بين أوراقه"صور من مخزون الذاكرة"وهي ذكريات تجمع الكاتب بالفنان نور الشريف منذ التقيا للمرة الأولى في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عام 1977 وحتى عام 2001 في مهرجان السينما العربية في باريس، مروراً بمهرجان مانيلا السينمائي الدولي عام 1983، ومهرجان بغداد المسرحي عام 1985. وتضمن الكتاب مجموعة من المقالات السينمائية التي كتبها الكاتب عن بعض افلام نور الشريف في جريدة القبس الكويتية مثل فيلم"بيت القاضي"وپ"كتيبة إعدام"وپ"أيام الغضب"وپ"ليلة ساخنة". وعن ملامح البطل في سينما نور الشريف تناول الكاتب في دراسة مفصلة الأفلام التي قدمها نور الشريف خلال رحلته السينمائية وتناولت الدراسة بالعرض والتحليل مجموعة من افلام الشريف اعتبرت علامات في تاريخ السينما المصرية والسينما العربية في شكل عام مثل:"العار"وپ"حدوتة مصرية"وپ"سواق الأوتوبيس"وپ"زمن حاتم زهران"وپ"المصير". وجاء في الدراسة:"ان اية مراجعة فنية لسينما نور الشريف وأي مرور على ملامح البطل الذي قدمه في افلامه التي تقارب الپ170 فيلماً، إنما هي مراجعة ايضاً للتاريخ الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للمجتمع المصري خلال اربعة عقود، وهي في جزء كبير منها مراجعة ايضاً للتاريخ السياسي والاجتماعي للحياة العربية في شكل عام". تضمن الكتاب ايضاً فيلموغرافيا كاملة عن اعمال نور الشريف وثبت بأهم الجوائز والتكريمات خلال حياته الفنية. ضجة وكان نور الشريف شارك في مهرجان برلين مع فيلم"عمارة يعقوبيان"وهو عبّر في مناسبات عدة عن رأيه في الفيلم وفي الأسباب التي جعلته ينال كل هذه الضجة قبل عرضه وبعده. وكان جواب نور الشريف ان سبب الضجة"هو النص في البداية، أي الرواية التي كتبها الطبيب المصري علاء الأسواني وأثارت اهتماماً كبيراً جداً بعد نشرها. ويعود ذلك الى أمرين: الجرأة في معالجة شخصيات محددة في المجتمع المصري وفي العالم العربي لم يعمل احد من المبدعين على الاقتراب منها بعمق كأنها تابوهات خوفاً من رد عكسي يسبب مشكلة للكاتب مثل الصحافي الشاذ جنسياً، وهي شخصية لم تُطرح مسبقاً أبداً، ربما أشير إليها في مقالات او انتقادات لكن ليس في عمل ادبي يتناولها بهذا البعد الإنساني لا الكاريكاتوري، بخاصة ان شخصية الشاذ في الأفلام المصرية القديمة كانت تعكس كپ"صبي العلمة"صبي الراقصات بلا دراسة لأسباب شذوذه في السلوك. ثانياً انه رصد النماذج الأخرى في طبقات الواقع المصري مثل ابن البواب الذي يمثله محمد عادل إمام في أول تجربة ودور رئيس له، إضافة الى رصد نفوذ شخصيات موجودة في البلد سواء في الحزب او من رجال الأعمال. والعمل الأدبي هذا اثار ضجة الى درجة ان القراء بدأوا يتساءلون من يقصد علي الأسواني في الواقع بالشخصية الفلانية، وعندما اهتمت دور النشر العالمية والجامعة الأميركية في القاهرة وبعد ان حصل كاتبها على جائزة نجيب محفوظ وترجمت الى الإنكليزية بدأت دور النشر العالمية تهتم بها. وللأسف الشديد يظل الانتقاد في العالم العربي محصوراً بالاختلاف في الرأي وبمحاولة تشويه صورة الإبداع. نحترم حرية الانتقاد، لكن يتوجب على المرء ان يكون موضوعياً. قد يقترب كاتب او مخرج سينمائي من الشخصية المعالجة بصورة فجة بهدف التجارة وجذب الناس، لكن هنا في الفيلم فإن التناول تحليلي". وإذ قلنا لنور الشريف ان هناك من انتقد وتحدث عن طرح الفيلم لبعض المشاكل وبعض الشخصيات في المجتمع المصري في شكل لا يتماشى والحقيقة... قال:"لا بد من التطرق الى هذه الأمور، ولا سيما شخصية الطالب المسالم الذي صار إرهابياً بتأمل. هذا الشاب هو ابن بواب ومتفوق في الدراسة وكان يساعد والده بكل رجولة وبلا خجل لأن والده حارس بناية. لكنه عندما حصل في دراسته الجامعية على تقديرات مميزة رأى ان من حقه ان يصبح وكيل نيابة أو ان يكون في الجيش. وطبعاً عندما أحلم أنا ان أكون ضابطاً في الجيش أو وكيل نيابة وأعاقب لأن والدي بواب أو يمارس أي مهنة فقيرة، فهذا تصرف مرفوض تماماً. وهذا الشاب الذي يحمل آمالاً تعرّض حلمه للدمار وقُبل فقط في كليات نظرية مثل كلية السياسة والاقتصاد. داخل هذه الكلية وفي ظل الإحباط والمناخ العام كان من السهل تجنيده. تأكد، وهذه وجهة نظر نور الشريف، أن لا يوجد أي شاب في مصر او العالم يرفض ان يعيش حياة طبيعية إلا اذا كان محبطاً. وهذا أخطر شيء في واقعنا العربي والشباب يعانون بطالة كبيرة وإحباطاً في تحقيق الأحلام. جمال عبدالناصر زعيم الأمة العربية كان والده بوسطجياً. وبعد تغيير شروط القبول في الجيش وفي الشرطة وفي سلك النيابة منع اولاد الفقراء من دخول هذه المهن بحجة ان من السهل رشوة ابن الفقير, وقد يكون حاقداً على الأغنياء. ولأننا في زمن رأسمالي صرف منذ سنوات حصل منع، وهذه قنبلة موقوتة. وللأسف الشديد ان الجميع ينظر الى الإرهاب على انه تطرف ديني فقط في وقت علينا ان نفرق بين الإرهاب كإرهاب والتطرف في السلوك او العنف في السلوك الذي يحصل نتيجة احباط، وهذا موجود في كل شارع في انكلترا وألمانيا وأميركا خصوصاً اكثر من العالم الإسلامي". ازدهار متواصل وحول الجديد الذي يجعل السينما المصرية تعود الى المشاركة في مهرجانات عالمية بعد غياب، قال الشريف:"السينما المصرية في حال ازدهار تجاري مستمر منذ ست او سبع سنوات، لكن يغيب عن هذا الازدهار القيمة الفنية باستثناء تجارب محدودة جداً. ومع توقف الشركات المصرية القديمة عن مواصلة الإنتاج ودخول شركات إنتاج جديدة صغيرة هي غير الشركات الكبيرة التي نشأت وقامت بعمل عظيم في مصر مثل تأسيس دور عرض على مستوى عالمي بالفعل، لكن معظم المنتجين الجدد اعتقدوا وتوهموا ان هذا رأسمال - ونحن نتكلم طبعاً في عالم الاقتصاد الحر ? يريد الكسب معتقداً ان الأفلام الكوميدية هي الوحيدة التي تحقق الربح فاستمر التيار هذا في إنتاج مثل هذه الأفلام لمدة طويلة بلغت ثماني سنوات. لذلك من الصعب العثور على فيلم كان يمكن ان يمثل مصر من خلالها. صحيح ان بعض الأفلام الجيدة رشح للحصول على اوسكار افضل فيلم اجنبي مثل"سهر الليالي"، وأن بعض الأفلام نال جوائز في مهرجانات كان وبرلين وفينيسيا، لكنني أرى شقين: الأول اننا شطار في الإبداع على مستوى التمثيل والإخراج، لكننا لا نجيد التسويق. ونحن في عالم يعتمد على التسويق قبل كل شيء. احب هنا ان اعطيك مثالاً على ذلك: عندما كنا في"مهرجان كان"قبل ست سنوات مع فيلم"المصير"كنا خارج المسابقة ثم حدث ان لم تسمح الرقابة في ايران بعرض فيلم ايراني داخل المسابقة فأُدخل"المصير"كبديل من الفيلم الإيراني على رغم مرور خمسة ايام على بدء المسابقة. وهنا انفجر النقاد هجوماً على ادارة المهرجان متسائلين كيف ان الفيلم كان خارج المسابقة وأنهم يتفرجون منذ ايام عدة على افلام دون المستوى. لا أقصد الإساءة الى لجان الاختيار في المهرجانات الكبرى، لكن تبقى العلاقات الشخصية مع بعض الأسماء الكبيرة تلعب دورها، وكل إدارة مهرجان تبتغي حضور أكبر عدد ممكن من النجوم من اجل الإبهار الإعلامي، وهذه تبقى وسيلة ضغط. لكن من المؤكد ان افلاماً تتعرض للظلم لعدم اختيارها داخل المسابقة او في أي مسابقة فرعية اخرى. لذا أحب أن أشكر عماد اديب رئيس مجلس ادارة"غود نيوز غروب"لإنتاجه"عمارة يعقوبيان"وعمله على إنتاج افلام اخرى جيدة. وأعتقد ان منهجه في التفكير سيضيف الى السينما المصرية قيمة ويفتح لها اسواقاً جديدة".