تنقصنا معطيات للحكم على الوضع الفريد الذي تمر فيه اميركا اللاتينية. رئيس بوليفيا ضمّن برنامجه الانتخابي تأميم قطاع المحروقات. لكنه بعد ذلك وعد الدول التي تعمل شركاتها الكبرى في بوليفيا بالتعامل معها بموضوعية. فقال:" اريدهم شركاء لا أرباب عمل"ثم امر بالتأميم بعد ان تحالف ووقع اتفاقاً تجارياً مع كوبا و فنزويلا. اليوم تتجه الانظار نحو"بيرو"التي ربما ستجعل كفة الميزان متوازية او مرجحة الى جانب البرازيل واوروغواي والارجنتين. فبعد سنوات من المؤشرات الاقتصادية الايجابية، تعيش البيرو مرحلة ارتياب بسبب التغيير الحكومي المقبل، تطال أبعادها وضع الطاقة والاقتصاد في مجمل بلدان القارة الاميركية. وعلى رغم الضمانات التي قال المرشح الرئاسي الفائز في المرحلة الاولى"اويانتا اومال"انه سيعطيها للشركات الاجنبية، وعلى رغم كلامه العسلي حول نيته بناء علاقة جيدة مع الدول الرأسمالية، خصوصاً جارته الولاياتالمتحدة، والتعبير عن رغبته باحترام ملكية الشركات التجارية ورفضه فكرة التأميم، ما زال القلق يسيطر على رجال الأعمال الأجانب. ويتصاعد هذا القلق مع وتيرة الدعم التي أعلنها الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز للعسكري القومي"اومال" على رغم ان العلاقات الدبلوماسية على وشك الانقطاع بين البلدين ومع تعهد الاخير اعادة النظر في الاتفاقات الموقعة بين البيرو والشركات الاجنبية التي قال عنها انها لا تدفع الضرائب ولا تحترم البيئة. وهكذا يكون قد ترك باب السيطرة عليها مفتوحاً على الطريقة التي تتبعها الأنظمة الشمولية. يتمتع اومالا بدعم شعبي كبير في المناطق التي يقع سكانها تحت مستوى خط الفقر تشكل نحو 51 في المئة من عدد السكان، 19 في المئة منهم في حالة الفقر المدقع لكنه سيخوض دورة ثانية يكون العامل الاقتصادي ناخباً مهماً فيها مع كل ما يترتب على ذلك من دعم غربي للمرشح المنافس. يقول المستثمرون ان اومالا"يطلق افكاراً متناقضة، غير ملائمة وبعيدة عن الواقع بامكانها ان تتسبب بتضخم اقتصادي". فمعظم التصريحات التي ادلى بها حتى الآن جاءت في اتجاه معاكس لمصلحة الاستثمارات الخاصة ولم يوضح في برنامجه الاقتصادي سوى تحديده للتأميم، حين قال انه يعني في ذلك ثروات البلاد الطبيعية وان مصادرة الممتلكات هي غير"التأميم الاستراتيجي". ان النتائج النهائية للانتخابات منحت الرئيس السابق ألين غارثيا، الذي ترك البلاد في حالة إفلاس اقتصادي كامل عندما أنهى حكمه عام 1990 ، بدل المحافظة لورديس فلوريس. وهذا ما يزيد من قلق المستثمرين الذين يعتبرون برنامج الأخيرة استمرارية للنموذج الليبرالي الجديد الذي وضعه الرئيس الحالي اليخاندرو توليدو حيث كانت نتائجه إيجابية بالنسبة الى النمو الاقتصادي. وكذلك فإن المجموعة الدولية كانت تجد في المرشحة المحافظة ضمانة للاستقرار في وجه ما يمثل الرئيس الفنزويلي تشافيز من عدم استقرار ورغبة في بسط رأيه على اميركا اللاتينية بمجملها، خصوصاً انه ربما سيتحالف مع صديقيه اومالا ورئيس بوليفيا الجديد ايفو موراليس، ما بإمكانه ان يغير اتجاه علاقات البيرو السياسية والاقتصادية الخارجية ويؤخر نموها الذي وصل الى 6 في المئة العام الفائت وربما يتجاوز 7 في المئة هذا العام بحسب صندوق النقد الدولي ويرفع التضخم الذي انخفض حتى 1.3 في المئة، وهو من أدنى نسب دول المنطقة ويضع قطاع الطاقة بيد ثوريين سيفرضون وجودهم على المجتمع الدولي. تملك البيرو ثاني اكبر ثروة فوسفات في العالم، إضافة الى مخزون مهم من النحاس والحديد والفضة والرصاص والذهب والبترول والغاز الطبيعي، كما تعتبر من اكبر مصدري الطاقة في اميركا اللاتينية، وتشارك الى جانب بوليفيا في المبادرة الاستراتيجية للطاقة في المنطقة والمتمثلة بمشروع "حلقة الطاقة الإيبيرية الاميركية"وانبوب الغاز الذي يصل طوله الى 12 ألف كيلومتر ويزود كلاً من البرازيل والارجنتين والشيلي واوروغواي وباراغواي فالمكسيك و الولاياتالمتحدة. كانت بعض البلدان المستهلكة من" ميركوسور"تفضل عدم الاعتماد فقط على غاز بوليفيا فكانت البيرو البديل. لكن فوز أومالا بالرئاسة، سيعقد امور الطاقة التي اصبحت توجه السياسة الخارجية للدول. ونظراً الى توتر علاقات عدد من دول المنطقة بين بعضها البعض والتشنج القائم بين الادارة الاميركية و دول غنية بالطاقة، اصبح دور البرازيل والارجنتين رئيساً بالنسبة الى الطرفين. فالطاقة في القارة الاميركية أصبحت تحت سيطرة اليساريين والمناوئين للولايات المتحدة الذين يستفيدون اليوم من ارتفاع سعرها، اما استخراجها فيلزمه استثمار مبالغ لا يمكن الدول المنتجة، الفقيرة فوق الارض والغنية تحتها، ان تتحملها من دون الاعتماد على الدول الغنية التي تُسلّف الأموال لتشتري الطاقة. والكلام عن"استراتيجية الطاقة"هو سيف ذو حدين. فنزويلا تصدر 60 في المئة من نفطها الى"عدوتها"الولاياتالمتحدة. ونتائج انتخابات البيرو ستؤثر في مستقبل الطاقة في القارة الأميركية التي بدأت، مثل اوروبا، بالبحث عن مصادر بديلة. واذا فاز أومالا الذي كان والده صاحب عقيدة"اتنوكاثيريسمو" للسكان الأصليين التي تهاجم الشيلي والولاياتالمتحدة واسرائيل الى حد العنصرية، واستمر في خطابه الثوري، ستتعقد الامور. واذا اتجه نحو الاعتدال مثل لولا و كيرشنر، سيقود موراليس البوليفي معه ليثبت مقولته ان لكل بلد وضعه الخاص بالنسبة الى الادارة الأميركية وان بوليفيا ليست فنزويلا. وفي مطلق الأحوال بدأ والد اومالا واشقاؤه ينتقدون اعتدال خطابه القومي قبل الدورة الثانية من الانتخابات. وعندما يصل المرء الى السلطة يرى الأمور من منظور مختلف. * صحافي