شهدت مدينة مونتريال احتفالية ثقافية كانت بمثابة تأريخ لولادة اول منتدى للحوار بين الثقافات يؤسس لمجتمع مدني عربي كيبكي مشترك، وقد نظمته مؤسسة"فنون"بالتعاون مع وزارة الهجرة والمجموعات الثقافية ووزارة الثقافة والاتصالات. وحضره حشد كبير من رجال الفكر والثقافة والادب والاعلام والسياسة ضم عرباً وكنديين بينهم وزيرة الهجرة ليز تيريو ووزيرة الثقافة لين بوشون وسام حمد وزير سابق من اصل سوري ونائب في البرلمان الكيبكي وماريا موراني نائب في البرلمان الاتحادي في اتاوا، وضيفا الشرف المفكر والباحث المصري سعد الدين ابراهيم وعضو المجلس التشريعي الفلسطيني حنان عشراوي وهما وفدا للمشاركة في هذه المناسبة. وتمحورت ابحاث الندوة في شكل اساسي حول اشكالات التأقلم الاجتماعي والاندماج الثقافي في المجتمع الكيبكي وتفاوت الذهنيات والانتماءات لدى الاجيال المتعاقبة في الاغتراب. وتعاقب على الحديث 23 محاضراً كندياً ومن أصول عربية مختلفة لبنانيون ومصريون وسوريون ومغاربة بينهم اساتذة جامعيون واعلاميون وناشطون في لجان حقوق الانسان ومنظمات المجتمع المدني وخبراء في دوائر الهجرة ورؤساء جمعيات اغترابية وممثلون عن الروابط الطلابية في الجامعات الكندية. اثنت وزيرة الثقافة الكيبكية على مبادرة القيمين على المنتدى واعتبرته"اضافة نوعية الى التعددية التي يقوم عليها النسيج الثقافي في كيبك"ونوهت بدور الانتلجنسيا العربية وكفاءاتها المتعددة ومساهمتها الفعالة في تعزيز الروابط الاجتماعية والانسانية ودعوتها الى الحوار الديموقراطي الهادئ الهادف الى نبذ ثقافة العنف والارهاب واحترام الاختلاف والتنوع والتعدد. واعتبرت ان مثل هذه المساهمات "العظيمة"من شأنها"ان نحيا معا مواطنين احراراً في ظل منظومة ثقافية تعززها شرعة حقوق الانسان الكيبكية والعالمية". اما وزيرة الهجرة فرأت ان تفعيل الحوار بين هيئات المجتمع المدني العربية والكيبيكية هو"السبيل الوحيد لإسقاط الاحكام المسبقة الناجمة عن تداعيات احداث 11 ايلول سبتمبر عام 2001"وكشفت ان لدى الحكومة برامج متنوعة لتأهيل المهاجرين الجدد ثقافياً ولغوياً واجتماعياً وتفعيل حضورهم وتسهيل انخراطهم في اسواق العمل، نافية ما يشاع عن سياسة التذويب التي تنتهجها بعض الدول الاوروبية وتأكيدها ان"المجتمع الكيبكي قائم اساساً على التعايش السلمي للاتنيات وتعدد الهويات الثقافية وتعايشها في شكل حضاري متناغم خلاق". محاور الندوة توقفت الندوة عند معالجة عدد من العناوين ابرزها: - الدرما الاغترابية او الصدمة التي يعجز المهاجرون عن مواجهتها بلا مساندة من تنظيمات مدنية قوية. وهي تحديداً ما يسمى بتعاقب الاجيال التي سرعان ما تنفصل بمرور الزمن بعضها عن البعض ويستبد بها التغريب شيئاً فشيئاً الى ان تنتهي بانقطاع الفروع عن الجذور وتصبح جزءاً من عالم آخر. - عرب في الليل وكيبكيون في النهار وهو رمز بالغ الدلالة على التأثير السلبي للمحطات الفضائية العربية المنتشرة في دنيا الاغتراب وهي تعوق اندماج المهاجرين وتفاعلهم السلبي مع المجتمع الجديد، وصيرورتهم بالتالي مجرد كانتونات معزولة لا فعل لهم ولا صوت ولا مشاركة ولا تأثير. - التمييز العنصري الذي تشكو منه معظم فئات المهاجرين سواء في المدارس والجامعات وفي اسواق العمل والادارات الحكومية. وعلى رغم ان هذه الظاهرة تسود معظم البلدان المانحة للهجرة وعلى رغم مخالفتها الصريحة لشرعة حقوق الانسان العالمية، الا ان النشطاء العرب في منظمات المجتمع المدني وحقوق الانسان حققوا بعد نضالات مكاسب قلما حظيت بها أي دولة اخرى، من بينها السماح بارتداء الحجاب في المدارس الرسمية والخاصة والاعتراف بالاحكام الشرعية الاسلامية في المحاكم المدنية الكيبكية والكندية والسماح للطلاب في الجامعات بإقامة الشعائر الدينية من صوم وصلاة وندوات تثقيفية، فضلا ًعن زيادة نسبة التوظيف في الدوائر الرسمية للأقليات المنظورة وتدني نسبة البطالة في صفوف المهاجرين. - دور الشباب الذين هم بمثابة سفراء غير معتمدين من بلدانهم والفئة الأكثر انخراطاً واندماجاً مع مختلف شرائح المجتمع الكيبكي اذ يملكون رصيداً كبيراً من المعارف اللغوية والثقافية والعلمية والتكنولوجية يؤهلهم للتواصل المستمر بعضهم مع بعض ومع زملائهم الكيبيكيين عبر الروابط الطلابية والأنشطة التي يقومون بها. - تفعيل دور المرأة كزوجة وأم ومربية وعاملة. في معنى الحرص على وحدة العائلة وعدم تفكّك افرادها وتحصينهم بنظام مناعة اغترابي ووطني يقيهم شر الانحرافات الخلقية من جهة ويبقيهم على صلة وثيقة مع آبائهم وأجدادهم ويعزز انتماءهم للثقافة العربية الأم. والى ذلك، كانت لسعد الدين ابراهيم مداخلة تحدث فيها عن الحرية التي ينعم بها المهاجرون في غير أوطانهم والتي لم يشعر بمثلها الا في السجن، وقت كان الشعب المصري مكبلاً داخل سجن كبير. أما عشراوي التي اثنت على الجامع النضالي المشترك بين العرب المهاجرين وإخوانهم في الاراضي الفلسطينية فكشفت عن خطورة المرحلة القائمة التي يعانيها الفلسطينيون من حصار مالي وامني واقتصادي في ظل الحكومتين الراهنتين الفلسطينية والاسرائيلية، محذرة من تداعيات قد تنذر بنسف ما حققه الفلسطينيون من انجازات تاريخية على الصعيدين الوطني والعالمي.