تتنامى عاماً بعد عام ظاهرة انخراط المهاجرات العربيات في كندا في الحياة السياسية والحزبية. فقبل سنوات، كانت اللوائح الانتخابية الكندية حكراً على المرشحين العرب من الرجال- على رغم ندرتهم - الى أن قدر لبعض النساء اختراق حاجز الخوف والغربة والوصول الى الندوة البرلمانية، منهن فاطمة هدى بابان كندية من اصل مغربي انتخبت على مدى ثلاث دورات متتالية منذ العام 1994 عن الحزب الليبرالي الكيبكي ما شجّع بنات جنسها العربيات على ان يحذين حذوها سواء تكلّلت مسيرتهن بالفوز أو الفشل. وماريا موراني مثلاً حالفها الحظ بالفوز عن دائرة اهانتسيك في مونتريال في الانتخابات الفيديرالية التي أجريت أخيراً انتصر فيها حزب المحافظين على الحزب الليبرالي فكانت أول امرأة عربية من الحزب الكيبكي تصل الى البرلمان الاتحادي في اوتاوا. بداية واعدة ولدت موراني من أبوين لبنانيين. هاجرت الى كندا عام 1988 من شاطئ العاج في افريقيا. تابعت دراستها الجامعية في مونتريال وتخصصت في علم الجريمة ونالت شهادة الماجستير في العلوم الاجتماعية. بدأت حياتها السياسية والحزبية عبر برلمان الشباب الذي هيأ لها الإطلاع عن كثب على قواعد اللعبة الديموقراطية وآليات التشريع وفنون المناقشة والحوار الى أن نضجت سياسياً وأصبحت جاهزة لخوض اي استحقاق انتخابي. تقول موراني ان"الترشح الى الانتخابات النيابية في كندا ليس حكراً على فئات اجتماعية معينة كأن يكون المرء من اصحاب الجاه او المال او سليل العائلات النافذة كما هي الحال في البلدان العربية. فهذه الاعتبارات لا قيمة لها في القاموس السياسي الكندي وجل ما ينبغي توافره في المرشح رجلاً او امرأة، ان يحوز على ثقة حزبه وان يتمتع برصيد شعبي. وبالتالي فإن الحزب هو الذي يسعى اليه وليس المرشح من يلهث لاستجدائه". وتضيف ان الصراع داخل الحزب"أصعب بكثير من خوض المعارك الانتخابية لشدة المنافسة بين المرشحين الطامحين للمناصب النيابية، والقرار النهائي يعود الى الحزب الذي يقع اختياره على هذا الشخص او ذاك انطلاقاً من سجله الحزبي ونشاطه السياسي من دون أي تمييز لجهة اللون او العرق او الثقافة او الدين او غير ذلك". استطاعت موراني ان تتدرج قدماً في الحزب الى ان اصبحت عام 2003 رئيسة لفرع مونتريال ورئيسة للجنة شؤون الجنسية في بلوك كيبكوا في اوتاوا ومسؤولة عن اعداد الشباب وتطوعهم في الحملات الانتخابية، علاوة على انخراطها في لجان حقوق الانسان والدفاع عن حقوق الاقليات لا سيما ابناء الجاليات العربية والاسلامية. وترى موراني ان مثل هذه المسيرة الشاقة"تحتاج الى الكثير من الصبر والتضحية على المستويات الشخصية والحزبية والسياسية وتتطلب عملاً دؤوباً ومواكبة شبه يومية". وتضيف ان هذا"ما جعل الحزب يصر على ترشيحي لأكثر من مرة على لوائحه الانتخابية". التزامات تنطلق موراني في برنامجها الانتخابي من مجموعة من الثوابت والالتزامات"بعضها شخصي وبعضها الآخر حزبي". فهي شديدة التمسك بثقافتها الفرنكوفونية التي نشأت وترعرعت عليها والتي اصبحت"جزءاً لا يتجزأ من شخصيتي وكياني وتوجهاتي السياسية والفكرية". علماً أنّ هذا الانتماء الثقافي يسبب لها اشكالات خطيرة على مستقبلها السياسي لا سيما في اوساط الجاليات العربية التي ما زال البعض فيها"يتهمني بانني انتمي الى حزب انفصالي". ويبدو ان موراني تستوعب المشاعر العربية الرافضة مبدئياً لفكرة الانفصال التي"تضرب على وترها الأحزاب الكندية الاتحادية في المناسبات الانتخابية ليس الا"، مشيرة الى ان الظروف الموضوعية والذاتية في مقاطعة كيبك شهدت استفتاءين شعبيين فاشلين لاستقلالها عن الاتحاد الكندي"تختلف جذرياً عن المشاعر الوحدوية التاريخية السائدة في البلدان العربية". اما عن التزاماتها الحزبية، فهي تتمسك بالبرنامج العام للحزب الذي يطرحه في البرلمان الاتحادي لجهة العمل على تسهيل اندماج المهاجرين الجدد وتأقلمهم في المجتمع الكندي والكيبكي وتشجيعهم على الانخراط في الحياة الحزبية والمشاركة السياسية من منطلق المواطنة الكاملة ومكافحة مختلف اشكال التمييز العنصري في المدارس والجامعات والعمل، وتطوير النظام الصحي والدفاع عن الحريات الفردية والجماعية والغاء القوانين الاستثنائية المتعلقة بمكافحة الارهاب سنّت بعد احداث 11 أيلول عام 2001 وتخفيف القيود عن اجراءات الهجرة وتسهيل المعاملات المتعلقة بها. وفي ما يخصّ التزاماتها تجاه الجالية العربية في كندا، تسعى موراني الى التواصل معها في شتى المجالات والمناسبات الدينية والوطنية والثقافية والاجتماعية"بغية الوصول الى تكوين لوبي اغترابي فاعل ومؤثر في الحياة السياسية الكندية".