لارجح ان علاقة الترفيه الرقمي بكل أنواعه، وخصوصاً الموسيقى، مع الأجيال الشابة في المجتمعات المعاصرة، تحتاج الى تأمل معمّق. لا تكفي الاشارة الى القوة الهائلة التي تنتشر فيها أدوات الترفيه الموسيقي، مثل جهاز"آي بود"iPod، الذي تصنعه شركة"آبل"، ولا الحديث عن اندماج مُشغلات الموسيقى الرقمية مع أجهزة الخليوي المتطورة، كحال الهواتف النقّالة من نوع"ووكمان"، التي تصنعها شركة"سوني أريكسون". الارجح ان المسألة أعمق من ذلك. فقد بات الترفيه العصب الرئيسي الذي يقود صناعة المعلوماتية والاتصالات راهناً. ومثلاً، تُغيّر شركات الكومبيوتر مواصفات الحواسيب باستمرار، من خلال تضمينها قدرات متصاعدة باستمرار للتعامل مع مواد الترفيه الرقمي. الارجح أن الأمر يتعلق بشيء ما في صلب ثقافة مجتمعات العصر الالكتروني وأدواته وشبكاته وأجهزته. وتُعطي الموسيقى الرقمية نموذجاً قوياً عن هذه المسألة. ولعل شيئاً لا يفوق ميل الشباب المعاصر الى التعامل اليومي مع تلك الموسيقى، سوى ميله الجارف للألعاب الالكترونية. ولا يكتفي الشباب من الموسيقى بالاستماع، بل يميلون الى التدخل فيها، عبر برامج الكومبيوتر، ما يجعلهم مشاركين في صنع المحتوى الموسيقي. ولقد تزايد الامر مع ظهور الموسيقى الرقمية من نوع"أم بي 3"MP3، التي سهلت وضع كميات كبيرة من الموسيقى في مساحة صغيرة نسبياً. فالحال ان قرصاً مدمجاً من موسيقى مصنوعة بتقنية"أم بي 3" يحتوي أضعاف ما يحتويه نظيره من الموسيقى المصنوعة بالتقنيات التقليدية. ومكّنت تقنية"أم بي 3"من وضع كميات مهمة من الموسيقى والأغاني في الأجهزة المتخصصة بالموسيقى والخليوي والمفكرة الشخصية والمساعد الرقمي وغيرها. برامج التحكّم بالمحتوى الموسيقي تتوافر في الاسواق برامج عدّة للتعامل مع الموسيقى الرقمية، والتلاعب بمكوّناتها، بحسب ذائقة المستخدم. ومثلاً، لإحياء سهرة موسيقية باستعمال الكومبيوتر الخاص، ما من شيء يمنع من وضع لائحة أغان تصدح لمدّة مُحدّدة، باستعمال برنامج"ويندوز ميديا"Windows Media. ومن أجل الحصول على موسيقى تتفق وأهواء"الشلة"، لا يكفي تشغيل الأغاني، بل يلزم اللجوء الى الابتكار والابداع، ما يوجب تدخلاً مباشراً في تركيب الموسيقى، أي النهوض بمهمات لاعب موسيقى حقيقي. تمكن ممارسة هذا الفن من دون إنفاق كثير من المال على أقراص الفينيل وآلات مزج النغمات الموسيقية. ثمة برامج معلوماتية سهلة لإداء هذا الغرض. ويسمح بعضها بمزج الموسيقى مباشرة من أقراص مدمجة سمعيّة"سي دي- أوديو"CD-Audio أو من ملفّات متخصصة بالموسيقى الرقمية من نوع"وايف"Wave و"ام بي3"MP3 وغيرها. كما يمكن إضافة بعض المؤثرات الصوتية، إما بإدراجها ضمن ملفات الأغاني، أو إذاعتها بصورة مباشرة. ويستعمل بعض تلك البرامج قبل الحفلات لتحضير مجموعات الأغاني، ولتكوين مقطوعات خاصّة. لعل الوسيلة الأسهل لصنع مقطوعة خاصة، تتمثّل في صنعها من عيّنات موسيقية متنوعة، إذ يمكن إدخال الإيقاعات التي يسعى اليها المستخدم، وكذلك إضافة مؤثرات صوتية تعكس شخصيته. تتوافر تلك الموارد الصوتية بالمئات على أقراص رقمية مدمجة من CD Rom. كما يمكن جلب مواد أخرى من الإنترنت أو من التسجيلات الخاصّة. بهذه الطريقة يمكن الحصول على أنواع الموسيقى المرغوب بها، مثل التكنو وفانك وروك اند رول وريف وراب وروك وهيب هوب وتكنو وامبيانت وبسيكيداليك وغيرها. في هذه البرامج، تتوافر كثير من الأدوات التي تُساعد على إبراز اللمسة الخاصة للمستعمل. وتستعمل صفحة الاستقبال في تلك البرامج، لغة مباشرة وسهلة، وتهتم بإرشاد المستخدم الى نوع الموسيقى أو المؤثرات التي يبحث عنها. وتضع الموارد المُتاحة بعد تصنيفها تبعاً لأسلوب الموسيقى. ويمكن ضبط وتيرة عزف القطع الموسيقية يدوياً وآلياً. وتستطيع معظم تلك البرامج استقبال أنواع الملفّات الصوتية الأكثر شيوعاً في عالم الكومبيوتر. ويقدر بعضها على التعامل مع المواد المرئية - المسموعة، ما يفتح آفاقاً إضافية أمام المستهلك. إذ يميل البعض الى إضافة متعة النظر إلى متعة الأذن عبر عرض أفلام متزامنة مع الموسيقى باستعمال جهاز عرض فيديوي مثلاً. وفي ما يلي عرض لمجموعة من 4 برامج للتلاعب بالموسيقى الرقمية. 1-"دي جي ميكس ستايشن 3"DJ Mix Station 3 يعتبر هذا البرنامج نسخة مبسّطة، وأكثر مبيعاً، من برنامج"فيرتشوال دي جي"لاعب الموسيقى الافتراضي Virtual DJ. وتصنع برنامج"دي جي ميكس ستايشن 3" شركة"أتوميكس برودكشينز"Atomix Productions التي اكتسبت سمعة قوية في عالم مزج الموسيقى. في هذا البرنامج، كل شيء بسيط وفي الوقت الحقيقي. فمثلاً، يكفي وضع اسم أغنية ما، سواء وُجدت على أحد قرصي البرنامج أم في قرص مدمج، ثم النقر فوق الامر"تشغيل"Play وينتهي الأمر! وكذلك يتيح مزج الأغاني، والتدخّل بالصوت عبر الفأرة الالكترونية لإضافة نوع من"الخربشة"صوتياً وصُنع مقطوعات خاصة وغيرها. وبالنسبة الى المبتدئين، يضبط البرنامج تزامن وتيرة الايقاع. أما بالنسبة الى المحترفين، يفتح"دي جي ميكس ستايشن 3"إمكانات واسعة، لا سيما بفضل تلاؤمه مع معظم المؤثرات الصوتية الشائعة. انه برنامج حقيقي للمزج المباشر. 2-"ميوزيك مايكر 2006"Music Maker 2006 مقارنة بمنتجات المبتدئين مثل"أي جاي ميكس ستوديوز"eJay Mix Studios، يظهر برنامج"ميوزيك مايكر 2006" Music Maker 2006 كأداة مهمة في ابتكار موسيقى من المستوى العالي. ومثلاً، تسمح وظيفة"لايف"Live باستعماله للمزج المباشر للأصوات والنغمات، وكذلك لبث الموسيقى التي يصنعها المستخدم لتتكامل مع ما تبثه الأقراص الموسيقية. وتسهّل الأنظمة التعليمية ومساعدات الابتكار والأوامر السهلة في واجهة الاستعمال، من استخدامه بالنسبة الى الجمهور الواسع. أما مجموعة العيّنات، التي تضمّ مكتبة وسائطية على الإنترنت وأصواتاً افتراضية، فهي من نوعية عالية وكثيرة التنّوع، لانها تضم انواعاً عدّة من الموسيقى مثل الجاز والروك والهارد روك والترانس وغيرها. وتطاول قدرات المزج في هذا البرنامج اشرطة الفيديو، ما يمكن من مزامنة الصور مع الموسيقى. ويضمّ البرنامج تأثيرات صوتية متميّزة تضمّ تأثيرات تستعيد أصواتاً من ستينات القرن العشرين وسبعيناته. 3-"ان ار جي ماستر كومبيل"NRJ Master Compil يجمع برنامج"ان آر جي ماستر كومبيل" NRJ Master Compil مقطوعات موسيقية من موارد عدة، إضافة الى قدرته على استخراج ملفات صوتية من اسطوانات"دي في دي" DVD ، وكذلك التعامل بصورة مباشرة مع اشرطة الفيديو وصورها. كما يستطيع الوصول الى الموسيقى المُخزّنة على ملفات بطاقات الذاكرة. تلفت فيه قدرته على التعامل مع الأدوات التقليدية للموسيقى مثل أقراص الفينيل الاسطوانات التقليدية والكاسيت وأشرطة الفيديو وكاميرات التصوير، إضافة الى الأجهزة الرقمية مثل الكومبيوتر ومشغّل الاسطوانات الرقمية للفيديو"دي في دي"وغيرها. كما يمكنه تطبيق مؤثرات مختلفة على ما يحصل عليه من أصوات وصور، مثل المزج المتدرّج"فايد"fade مثلاً. ويعتبر من أدوات"رقمنة" Digitalization الموسيقى والافلام والاسطوانات التقليدية. تُحفظ منتجات البرنامج في ملف رقمي، أو تسجّل مباشرة على اسطوانات مدمجة"سي دي"أو"دي في دي". ويمكن حفظ تلك المنتجات على هيئة ملفات رقمية من نوع" ام بي 3"MP3 أو"وايف"Wave أو"واما"WMA أو"أوج فوربيس"OGG Vorbis. 4-"إي جاي ميكس ستوديوز"eJay Mix Studios يتألف هذا البرنامج المؤلّف من تطبيقين هما:"رايف إي جاي 2"Rave eJay2 وپ"غروف إي جاي"Groove eJay. ويبلغ من السهولة حد الاستغناء عن الابتكار! ويختص كل تطبيق بأنواع مُحدّدة من الموسيقى، وخصوصاً الموسيقى الالكترونية. يتألف البرنامج من لوح من 16 مجموعة، يمكنها استيعاب المقطوعات الخاصة والنغمات الايقاعية المحملة من موارد عدّة. كما يُسهّل إضافة المؤثرات الصوتية، ومزج النغمات، وإصدار أصوات من نوعية خاصة. ويُدار عبر علبة إيقاع افتراضية، ذات أوامر واضحة وسهلة. ويمكنه التعامل مع نماذج موسيقية رقمية من أنواع عدّة. كما يُتيح تعديل وتيرة الايقاع بواسطة وظيفة Time Stretching. والحال ان البعض يرى ان السهولة تتحقق على حساب نوعية الموسيقى وتناغمها الهارموني. حقوق الملكية الفكرية كمعضلة موسيقية يصعب اختتام الحديث عن الأساليب التكنولوجيّة الرقمية في الموسيقى كسائر أشكال المحتوى الرقمي التي وضعتها الصناعة الرقمية في متناول الجميع تقريباً، من دون ملامسة النقاش حول القرصنة وحماية حقوق المؤلف. والحال ان الاساليب التي تُسهّل عملية إعادة انتاج المحتوى، مسؤولة الى حدٍّ كبير عن"انتشار"تلك المشكلة، إذ تطاول معظم جمهور الكومبيوتر والانترنت. فمن دون الشبكات الالكترونية والبرمجيّات التي تسمح بنقل الملفّات بين مستخدمي الشبكة، ومن دون أجهزة الكومبيوتر وناسخ الأقراص المدمجة والأقراص الرقميّة الفيديويّة، ومن دون برمجيّات التحويل ونسخ الملفّات الموسيقيّة ومن دون جهاز التسجيل النقّال الرقمي، ما كانت القرصنة لتنتشر بنسبةٍ كبيرةٍ. ولكن، كيف نشرح لشاري جهاز تسجيلٍ رقميٍّ نقّال يتفاخر صانعه بالقدرة على احتواء آلاف الملفّات الموسيقية، أنّ عليه الاكتفاء بوضع ما يُسمّى النسخة الخاصة على هذا الجهاز والمؤلّفة عادةً من عشرات الأسطوانات الموسيقيّة، التي يملكها أو التي يُحمّلها من مواقع الانترنت مقابل يورو واحد للقطعة؟ أما كان يجدر بمؤسّسات الأسطوانات والمؤلّفين الذين يدعمونها أن يلاحقوا أولاً صانعي تلك"الأسلحة"التكنولوجيّة، وخصوصاً تلك التي تسمح بتبادل الملفّات الكبيرة وحفظها واستكشافها بغرض الاستغلال؟ ولماذا لا يتبادل الجمهور الملفات الموسيقية، طالما ان افراده اشتروها أصلاً؟ هل يسهل اقناع الناس بان ما يشترونه من أغانٍ]، يبقى تحت سيطرة الشركة التي باعته، وتمثل"إعارته"للآخرين انتهاكاً لحقوق الشركات؟ الارجح انه موضوع يحتاج الى نقاش منفصل. القسم العلمي بالتعاون مع مركز الترجمة في دار"الحياة"