هناك مشكلة رئيسة في لبنان تحول دون تقدم الحكم على دروب الإصلاح، والانطلاق من عبء الدين العام والفوائد التي تعرقل منطلقات النمو، والعوائق التي تحول دون تطور حركة الاستثمار بسرعة، اضافة الى تنشيط الانفاق العادي الذي يرتهن بتوافر الدخل. واللبنانيون ينفقون للمحافظة على مستوى معيشتهم نسبة 9 في المئة من مدخراتهم سنوياً. الرئيس فؤاد السنيورة وفريق عمله في الوزارات الحيوية للنشاط الاقتصادي، وهي وزارات المال والاقتصاد والكهرباء والأشغال العامة، حقق اختراقات مهمة في التعامل مع المؤسسات الدولية وفي تعزيز الثقة بلبنان من أجل ادراج المعونات والتسهيلات المالية. لكن على رغم النجاح الكبير لحكومة فؤاد السنيورة في المجال الدولي، لا زال العمل على صعيد الإنجاز أخيراً متأخراً بسبب مواقف ممثلي الأحزاب المتحالفة مع سورية. مع العلم ان تطور لبنان اقتصادياً وتنفسه مالياً أمر يفيد سورية كما يساهم، اذا تحقق، في تحسن العلاقات بين البلدين، الهدف الضروري الذي لا بد من تحقيقه. ان ملامح مؤتمر بيروت - 1 الظاهرة حتى تاريخه واعدة، في حين ان تحديد موعد المؤتمر أمر يرتهن بابتعاد المعارضة الضمنية عن اعتماد الوسائل السياسية والشعبوية لتأخيره. ولبنان لا يستطيع تحمل الأعباء المالية الكبيرة واستمرار الإهدار لفترة طويلة. فهناك كلفة غير مرتقبة تهدِّد فوائض حساب ميزان المدفوعات، كما انها تهدد قدرة اللبنانيين على تحقيق مستوى حياتي مقبول ومتطور. البداية اليوم، على صعيد الأعباء، تبرز في كلفة استيراد المشتقات النفطية التي يحتاجها لبنان والتي يستهلك منها 60 في المئة لإنتاج الكهرباء. يستورد جميع حاجاته من المشتقات النفطية لأن كل منشآته التكريرية متقادمة ومتوقفة عن العمل على الأقل منذ عشرين سنة. ويدفع اللبنانيون أعباء منشآت التكرير من دون أن تعمل، من رواتب وأجور وتعويضات باهظة، ولا يتوقف أي مسؤول عند هذه الحالة لمعالجتها بصورة جذرية. وحده الوزير محمد فنيش تمتع بشجاعة عقد اتفاق يسمح بإنشاء وحدة تكرير تكفي حاجات لبنان وتفيض عنها. وقد عقد اتفاقاً مع قطر، البلد الذي قد لا يستطيع توفير النفط الخام للمصفاة الجديدة المنتظرة، لكنه يستطيع تأمين التمويل اللازم والكادرات الفنية لإنجاز مصفاة حديثة. القطريون أعلنوا صراحة منذ تاريخ توقيع اتفاق دراسة جدوى المصفاة، انهم سيفتحون مجال الاكتتاب بأسهم الشركة، التي ستمتلك وتدير المصفاة، للبنانيين. وهذا أمر حسن شرط أن يحتفظوا بحصة تسمح لهم بتشغيل المصفاة من دون الارتهان للممارسات السياسية في لبنان. ومن أجل تقييم آثار هذه الخطوة، لا بد من توضيح الصورة التالية: أكلاف المصفاة لن تقل عن 1.5 بليون دولار، وتشغيلها سيفسح المجال لطاقات لبنانية فتية ومؤهلة للعمل مقابل أجور مجزية. والمشتقات، مهما بلغ سعر النفط الخام، ستتوافر بكلفة تقل عن أكلاف مستوردات المشتقات بنسبة 20 في المئة على الأقل، فيتحقق وفر لحساب ميزان المدفوعات بحسب الأسعار الحالية لا يقل عن 500 مليون دولار سنوياً. كما ان الصادرات التي ستبلغ 4 ملايين طن، اذا افترضنا زيادة الطلب بنسبة 5 في المئة سنوياً على مدى أربع سنوات يتطلبها انجاز المصفاة، يؤمن للأخيرة وبالتالي للاقتصاد اللبناني، ربحاً مباشراً لا يقل عن 200 - 250 مليون دولار، اضافة الى الرواتب والأجور والضرائب وغيرها. واضح ان مشروع المصفاة الحديثة بالغ الحيوية للبنان، ولا يجوز تأخيره في أي شكل من الأشكال. وللتذكير فقط، نشير الى ان قطر عرضت عام 1997 انجاز اتفاق مع لبنان لتزويده بالغاز الطبيعي السائل مع حلول عام 2003، ولم يلق الاقتراح حينذاك التجاوب المطلوب. ونحن اليوم نبحث عن الغاز اذا أمكن توافره لتحقيق وفر في انتاج الكهرباء وحفظ البيئة في آن. اليوم وبعد التيقن من السير بمشروع المصفاة من دون عراقيل، وقد يكون منها الاختلاف على موقع إنشاء المصفاة في الشمال أو في الجنوب أو في موقع جديد آخر، علينا أن نباشر عملية استدراج عروض للتنقيب عن النفط والغاز في المياه الاقليمية اللبنانية، وكان المسح الجيولوجي قد أنجز في عهد حكومة الرئيس رفيق الحريري الأخيرة. المطلوب تحريك هذا الموضوع بسرعة. واذا افترضنا ان السير بالمشروعين سيأخذ طريقه في القريب العاجل، واذا حالفنا الحظ في اكتشاف كميات تجارية في المياه الاقليمية من النفط أو الغاز أو كلي المصدرين للطاقة، نستطيع أن نأمل بمستقبل اقتصادي أفضل وبفترة ازدهار لسنوات طويلة. لكن هذه الأمور لن تتحقق قبل انقضاء أربع سنوات بالنسبة الى المصفاة، وربما في أحسن الأحوال، خمس سنوات لنجاح عمليات البحث والتنقيب عن النفط والغاز. والسؤال هو، ماذا نفعل حتى تلك التواريخ؟ وفاتورتنا النفطية قد تبلغ 3 بلايين دولار أو أكثر سنوياً. لقد عرضنا في مقالات أخرى ومحاضرات عدة ان الاقتصاد اللبناني لن يتجاوز محنته ما لم نتبن سياسات ملائمة في مجالات تشجيع الاستثمار في لبنان، وتنشيط السوق المالية وخفض كلفة العمل انطلاقاً من لبنان واصلاح نظام الضمان الاجتماعي. وربما، وبصورة أهم، علينا أن نكسب لبنان صفات البلدان الحديثة في مجال التعامل مع الزوار أو المقيمين فيه. ولبنان يستطيع أن يستقطب أعداداً وفيرة من الاخوان العرب للإقامة والعمل في ربوعه ان هم تيقنوا ان الخلافات السياسية الديموقراطية، لن تنحرف لتصبح خلافات ديماغوجية غوغائية تتمظهر في ما شهدنا في 5 شباط فبراير 2006، عندما تحولت مظاهرة اعتراضية على رسوم كاريكاتورية في الدنمارك الى مظاهرة شغب وتحطيم لموجودات مؤسسات لبنانية لا علاقة لها من قريب أو من بعيد بأي اهانات للنبي محمد صلى الله عليه وسلم في الصحافة أو الخطابة في أي مكان. لبنان يحتاج أن يكون هونغ كونغ الشرق الأوسط وأن تكون أبوابه مشرعة لكل من يرغب العمل فيه أو انطلاقاً منه، شرط تمتع طالب العمل والإقامة بالمعرفة والتقنيات والتزامه القوانين والأعراف السائدة. مؤتمر بيروت ? 1 ضرورة ملحة لتمكين لبنان من تجاوز الضغوطات المالية وإنجاز أعمال بناء مصفاة حديثة والبحث عن النفط والغاز. وفي حال تأمين المناخ الاستثماري والمعيشي الملائم، سيكون لبنان في وضع جيد خصوصاً بعد تكامل تحويلات اللبنانيين التي هي سبب الاقتصاد والمجتمع في السنوات الأخيرة وعدم انهيارهما مع استثمارات الاخوان العرب وإنفاقهم على الإقامة والعمل في لبنان. وهذه الصورة لن تتحقق اذا استمر تسييس المواقف في المكان الأول وبقيت المذهبية أو الطائفية المنطلق في الأساس. * مستشار اقتصادي.