ظهرت في الآونة الأخيرة اعتراضات على تزويد سورية بمادة المازوت، باعتبارها من ضمن الاحتياط اللبناني المخصص لتلبية الحاجات الداخلية. وهذا الرأي مخالف للواقع للأسباب الآتية: 1-يعتمد لبنان على الاستيراد لتأمين حاجاته من مختلف المشتقات البترولية ومنها مادة المازوت. وهذه الطريقة معتمدة رسمياً من قبل الحكومة اللبنانية منذ توقف مصفاتي طرابلس والزهراني عن العمل. 2-توضع هذه الكميات المستوردة في خزانات منطقة الدورة وخزانات منشآت النفط في طرابلس والزهراني وتشرف وزارة الطاقة على مستوى الكميات المستوردة من جهة، وعلى مستوى الاستهلاك المحلي بشكل متوازن وفقاً لبرامج عملية غايتها توافر احتياط بترولي دائم. أما كميات المازوت المرسلة الى سورية فهي تدخل في نطاق اتفاقات بين شركة «سادكوب» السورية وشركات البترول اللبنانية التي تتولى استيراد كميات المازوت وتودعها بطريقة الترانزيت في خزاناتها الخاصة وتسلمها الى الشركة السورية بواسطة صهاريج سورية. وبالتالي فإن العملية هي عملية تجارية لا علاقة لوزارة الطاقة بها ولا تمس كميات المازوت المخصصة للاستهلاك اللبناني أو كاحتياطي استراتيجي. ولو أن مصفاتي طرابلس والزهراني لا تزالان قيد الإنتاج لكان الأمر مختلفاً. ففي هذه الحال كان لا بد من الجانب السوري أن يحصل على موافقة وزارة الطاقة وبالتالي الحكومة اللبنانية. وهذا ما حدث مرتين أولاً عام 1973 اثناء حرب تشرين ضد اسرائيل. فقد استطاعت الطائرات الحربية الإسرائيلية في بدء العمليات العسكرية من الإغارة على مصفاة حمص وعطلتها عن الإنتاج. وثانياً بين عامي 1981 و1982 عندما انقطعت المواصلات بين كل من مصفاتي طرابلس والزهراني ومنطقة بيروت والجبل بسبب الأحداث الأمنية. ففي المرة الأولى تلقى الرئيس فرنجية اتصالاً من الرئيس حافظ الأسد يسأله اذا كان هناك امكان لتزويد سورية بكمية من الوقود من دون أن يؤثر ذلك في حاجات الاستهلاك المحلية علماً أن السلطات السورية كانت تحتفظ باحتياط استراتيجي من الوقود داخل خزانات مدفونة في الأرض لأغراض أمنية، وكان طبيعياً أن تلجأ سورية الى لبنان لتطابق المواصفات الفنية للمواد البترولية في مصفاة طرابلس مع مصفاة حمص، ولارتباط مصفاتي طرابلس وحمص بخط انابيب، ما يسهل نقل المحروقات من طرابلس الى حمص، لاسيما أن المصفاتين تكرران النفط الخام العراقي الخفيف ذاته. اتصل الرئيس فرنجية بوزير الاقتصاد آنذاك توفيق عساف لدرس الموضوع. وعقدت اجتماعات في مكتب المدير العام للاقتصاد فريد الصلح بحضور ممثلي شركات البترول ومصفاة طرابلس، وكنت حاضراً بصفتي رئيس دائرة المحروقات في وزارة الاقتصاد الوطني. وتركز البحث حول أمرين: أولاً، قدرة مصفاة طرابلس على تكرير كميات اضافية. ولدى مراجعة المسؤولين المعنيين فيها تبين أن طاقة التكرير تسمح بتكرير كمية اضافية تقدر ب 163 - 321 ألف طن. ثانياً: لم يكن في استطاعة لبنان تأمين هذه الكمية الإضافية من النفط وفقاً لاتفاق العراق مع لبنان، لذلك اقترح على الجانب السوري استيراد الكمية من الخارج وقد افاد مندوب شركة «سادكوب» بأن الأمر قد يتطلب أسابيع والوضع لا يسمح بإضاعة الوقت. لذلك ارتأى الوزير عساف الذهاب الى بغداد طلباً للحصول على كمية اضافية للبنان الا أن العراقيين اعتذروا نظراً لارتباطهم بعقود قانونية مع شركات أجنبية في الخارج. وقدمت حينها اقتراحاً بالطلب من سوريا ان تسحب هذه الكمية من اصل الكميات من النفط العراقي المخصصة لمصفاة حمص طالما انها متوقفة عن العمل. ثم اصدر الوزير عساف مذكرة يكلفني فيها التنسيق مع شركات توزيع المحروقات ومصفاة طرابلس لتأمين الاستهلاك المحلي من المحروقات بالأولوية. وافق الجميع على هذا الحل العملي السريع التنفيذ. وعلى الأثر انتقل مندوب «سادكوب» الى دمشق وأبلغت السلطات العراقية بضخ كمية النفط الإضافية الى مصفاة طرابلس مباشرة. من جهة ثانية كانت طرابلس قد اعدت برنامجاً لتكرير 33.321 ألف طن من البنزين العادي، ومن كاز الطيران و»الغاز أويل» 48.456 الف طن، و75.617 الف طن من «الفيول أويل». وبما ان ارتفاع نسبة انتاج الغاز أويل يؤدي حتماً الى خفض نسبة انتاج كاز الطيران المخصص لشركات الطيران التي تتزود بالوقود من مطار بيروت الدولي، اتفق على الاحتفاظ بنسبة انتاج كاز الطيران بعد أن تعهدت سورية التعويض على لبنان بتأمين 14 الف طن من «الغاز أويل» بينما تمكنت مصفاة «مدريكو» من زيادة طاقتها الإنتاجية من 17.500 ألف برميل يومياً الى 18.500، وبإنتاج مزيد من المشتقات النفطية المحلية ولا سيما «الغاز أويل»، بينما اقترحت مصفاة طرابلس رفع نسبة الكبريت في مادة «الفيول أويل» من 3.50 في المئة الى 4 في المئة، ما يساعدها على رفع نسبة انتاج الفيول موقتاً. وتنفيذاً للبرنامج المتعلق بتأمين حاجة السوق المحلية تحقق التنسيق بين مصفاة طرابلس وشركات توزيع المحروقات عبر محطات البيع المنتشرة في مختلف انحاء البلد. وكان لا بد من جهة تتولى حسابات انتاج المواد البترولية المعدة لسورية وإجراء الحسابات مع الجانب السوري وقد اقترح محي الدين الأحدب المدير العام لشركة «موبيل» القيام بهذه المهمة. وقامت الصهاريج اللبنانية التابعة لشركة «موبيل»، خلال الأيام الأولى من الحرب بإيصال حمولاتها مباشرةً الى الخطوط الخلفية لجبهة القتال. المرة الثانية التي تعاون فيها البلدان كانت في 1981-1982 عندما انقطعت المواصلات بين كل من مصفاتي طرابلس والزهراني وبين بيروت والجبل. وكنت أكلف من قبل وزير الصناعة والنفط آنذاك محمد يوسف بيضون، بالذهاب الى دمشق والاتفاق مع رئيس الدائرة المولج ببيع كميات المحروقات الفائضة عن حاجات سورية. كاتب متخصص بشؤون الطاقة - بيروت