وضعت الحكومة اللبنانية برنامجاً لتصحيح الأوضاع المالية وتحقيق معدل نمو يسمح باستيعاب نسبة كبيرة من الشباب اللبناني على مدى السنوات المقبلة. وحُددت الأهداف الرئيسة لهذا البرنامج بين عام 2005 وعام 2010 كالآتي: - خفض نسبة عجز الموازنة الى الدخل القومي القائم من 10 في المئة الى 3 في المئة. - خفض نسبة الدين العام الى الدخل القومي القائم من 182 في المئة الى 130 في المئة. - زيادة معدل الدخل الفردي في لبنان مما يوازي 5500 دولار سنوياً الى ما يساوي 7200 دولار بحلول عام 2010. - توسيع شبكة الأمان الاجتماعي بتطوير خدمات صندوق الضمان الاجتماعي بفروعه المختلفة، خصوصاً فرع المرض والأمومة، وتنفيذ برنامج للرعاية الصحية يغطي جميع اللبنانيين بكلفة معقولة وفعالية، بدلاً من تعدد منافذ التغطية حالياً وعدم شمولها نسبة كبيرة من المعوزين الذين يستمرون من دون أي ضمان صحي. هناك اهداف اخرى لبرنامج الحكومة الذي وضع لطمأنة الدول والهيئات المانحة المرتقبة، الى اعتماد الحكومة اللبنانية برنامج عمل يحول دون الهدر والعبث ويوفر اكبر افادة ممكنة لمستوى النشاط الاقتصادي كما يوسع نطاق الرعاية الاجتماعية. في المقابل، هناك ثلاثة اجراءات تزيد من الضرائب والرسوم، مقترحة للبحث حتى تاريخه وهي: - رفع الضريبة على فوائد الايداعات لدى المصارف من 5 الى 8 في المئة. - رفع الضريبة على القيمة المضافة من 10 الى 12 في المئة عام 2006، ومن ثم الى 15 في المئة عام 2007، - الغاء الدعم على البنزين واستعادة القسم الأكبر من الرسوم التي كانت تحصل سابقاً. اقتراحات زيادة الضرائب والرسوم واجهت معارضة، اذ ان عدداً كبيراً من المراقبين والمعنيين يعتبرون ان لبنان يمر في حالة انكماش مستمر منذ عام 1996، ولم يخرج من هذه الحالة سوى عام 2004 بسبب مفاعيل تسهيلات مؤتمر باريس -2 التي لحقت بها اجراءات من القطاع المصرفي اللبناني، خفضت عبء الفوائد السنوية على الدين العام 400 مليون دولار سنوياً لسنتين. وبحسب رأي معارضي الضرائب والرسوم، يؤدي فرضها الى تحويل وضع الانكماش الى كساد اقتصادي، أي تقلص حجم الدخل القومي على سنوات وانخفاض فرص العمل بدل زيادتها، وتراجع مختلف حاصلات الضرائب والرسوم نتيجة ضمور حجم الاقتصاد. وبالتالي، تكون الحكومة اخفقت في تحقيق الهدف الاساس من برنامجها، وهو تحفيز النمو مع ضبط عجز الموازنة وحجم الدين العام. أبدى وزير المال جهاد ازعور، الذي يتميز بأنه رجل صادق وصريح وهو من صلب الفريق الاقتصادي الحكومي الذي وضع البرنامج المقرر تقديمه الى مؤتمر بيروت -1 الذي لم يحدد تاريخ انعقاده بعد في حوار تلفزيوني مساء الخميس بتاريخ 23 آذار مارس الجاري، استعداد الحكومة للتخلي عن الاجراءات الضريبية في حال اصلاح وضع الكهرباء في لبنان وتقليص حاجات تمويل العجز في هذا النشاط من نحو 800 مليون دولار. والواقع ان حاصلات الضرائب والرسوم المقترحة لا تساوي هذا الرقم، ولا شك في ان اشارة وزير المال الى قضية عجز الكهرباء تشير ايضاً وبالمنطق ذاته، الى وقع تراجع رسوم البنزين على موارد الخزينة. وبالتالي، يبدو ان قضية الطاقة في لبنان، سواء للانارة لو لتشغيل معدات الانتاج او النقل والانتقال او التدفئة، هي من اهم معوقات تحقيق التوازن المالي وتسريع النمو. يستورد لبنان من مختلف المشتقات النفطية نحو 5.4 مليون طن سنوياً. وكلفة هذه المستوردات، بحسب الاسعار الرائجة اليوم والتي يتوقع استمرارها من دون هبوط او زيادة بنسبة تزيد على 10 في المئة في المستقبل المنظور، تفرض فاتورة نفطية استيرادية على لبنان تتراوح بين 3 و3.5 بليون دولار سنوياً، وهذا مبلغ لا يستطيع لبنان تحمله فترة طويلة. وإذا افترضنا ان معارضة فرض الضرائب والرسوم المقترحة ستؤدي الى تأخير هذه الخطوات والاكتفاء بالخطوات الاصلاحية التحفيزية للنشاط الاقتصادي من جهة، وضبط الهدر من جهة اخرى، وبدء تنفيذ خطوات التخصيص والتسنيد قبل نهاية هذه السنة، يبقى نجاح مساعي تقوية فرص النمو معلقاً على المبادرات في مجال الطاقة، وهي متنوعة وتوقيت تنفيذها يستوجب في حالات معينة شهوراً وفي حالات اخرى سنوات. ولا بأس من تعداد بعض الخطوات المهمة في هذا النطاق والاشارة الى موقع الحكومة من تنفيذها. الحل الأهم والأنسب يكون بتوافر انتاج النفط والغاز او اياً من المصدرين في لبنان. ومعلوم ان لبنان دعا في ايلول سبتمبر 1975 الشركات العالمية الكبرى الى الاشتراك في مناقصة للحصول على حقوق التنقيب عن النفط في المنطقة البحرية الممتدة من مقابل البترون الى طرابلس، فتقدمت من وزارة النفط في حينه سبع شركات عالمية كان من بينها شركة"شل"وشركات نفطية بريطانية وفرنسية وروسية، لكن معارك العبث اندلعت بين الفلسطينيين واللبنانيين في طرابلس في 9 ايلول سبتمبر 1975، فعلقت اجراءات فتح العروض. اليوم، تتوافر لدى الحكومة اللبنانية حصيلة مسوحات جيوفيزيائية لهذه المنطقة، وعلى ما يبدو، هناك مؤشرات مشجعة ولا ندري لماذا التأخير في دعوة الشركات والهيئات المشاركة في التنقيب، وقد تستوجب هذه العمليات سنوات. انما بعد السنة الثانية او الثالثة تتوضح صورة الفرص، فإن كانت هناك كميات ملحوظة، يستطيع لبنان الحصول على تمويل عن سبيل التسنيد المستقبلي لحاجاته التطويرية. اجراء آخر ذو طابع طويل المدى نسبياً يتمثل في انشاء مصفاة حديثة تزيد طاقتها عن حاجات لبنان، بحيث تصدر بعض المشتقات المنتجة منها، وحينذاك يستطيع لبنان مهما بلغت اسعار المشتقات توفير نسبة 20 في المئة من هذه الاكلاف وربما استرجاع نسبة ما يعادل 10 في المئة منها عن سبيل التصدير. وقد وقعت الحكومة اتفاقات مع قطر لإنجاز هذه الخطوة الكبيرة والمطلوب تعجيلها. حتى تاريخ انجاز المصفاة الحديثة بطاقة ملحوظة ربما تساوي 10 ملايين طن سنوياً او 200 ألف برميل يومياً واستكشاف فرص العثور على النفط في المنطقة البحرية، لا بد من تحقيق النتائج الآتية: بالنسبة الى توليد الكهرباء وتوزيعها، تأمين استخدام الغاز الى اكبر حد ممكن واستجرار الطاقة الكهربائية من تركيا عبر سورية اعتماداً على مشروع الربط الكهربائي في منطقة الشرق الاوسط. ويشار الى ان استيراد الكهرباء هو المنهج الافضل والأوفر على الكلفة الجارية والحاجات الاستثمارية. على صعيد استهلاك المشتقات النفطية للنقل والتدفئة، يجب اقرار خطوات تشجع على استعمال النقل العام بدل السيارات الخاصة، وتجهيز المنازل، خصوصاً المنجزة حديثاً، بوسائل العزل التي تخفف من حاجات التدفئة والتبريد، كما استعمال الطاقة الشمسية لتسخين المياه. ان معالجات قطاع الطاقة بالغة الاهمية لأن المستقبل الاقتصادي والانتاجي يرتبط الى حد بعيد بمستوى استهلاك الطاقة ومصادر الحصول عليها. وخلال فترة البحث عن الطاقة في لبنان او انجاز المصفاة او أعمال ضبط السير والتدفئة، يستطيع لبنان التوجه الى صندوق منظمة"أوبك"لتأمين بعض القروض الطويلة الاجل مقابل فوائد منخفضة فتتوسع حلقة المانحين المرتقبين والتي هي حلقة واعدة. الأمر الأكيد ان الاجراءات البديلة عن رفع مستويات الرسوم والضرائب هي مقبولة من الرأي العام اللبناني اكثر. كما انها تساهم في المحافظة على النمو وتعزيز فرصة بدل المغامرة بخسارته عن سبيل إقرار الرسوم والضرائب المقترحة. خبير اقتصادي.