بلغ دين السودان العام نهاية العام الماضي 27 بليون دولار، منها 12.5 بليون دولار اصل الدين و14.5 بليون دولار فوائد تعاقدية وجزائية. وخلت قائمة البنك الدولي الأخيرة من الدول الفقيرة المثقلة بالديون من اسم السودان، في عملية شطب ديون خارجية مستحقة على 17 دولة في افريقيا واميركا اللاتينية، بلغت قيمة ديونها نحو 37 بليون دولار، في وقت كان يحلم السودان بأن يكون ضمن القائمة المعفاة. ولجأت الخرطوم في المعالجات السابقة للمديونية إلى نادي باريس عام 1980 لجدولة ديونها تجاه دول المجموعة، ونجحت بالحصول على جدولة ديونها المستحقة بين 1982 وپ1984، وتراوحت فترات السداد بين 6 و 7 سنوات وفترة سماح لمدة 3 سنوات، بفائدة تجارية تتراوح بين 8 و 9 في المئة، بحسب تقرير أصدرته وحدة الدين الخارجي التابعة للمصرف المركزي السوداني بنك السودان. وأشار التقرير الى ان السودان"فشل في السداد وفق البرامج المنصوص عنها في الاتفاقات"، عازياً ذلك إلى"قصر المدة الزمنية للسداد وارتفاع أسعار الفائدة، اضافة إلى أن الجدولة شملت جزءاً من الدين، من دون أي إعفاءات، خصوصاً ان جزءاً كبيراً منها يمثل فوائد غرامات تأخير، وصلت إلى أكثر من 53 في المئة منها، أي ان 47 في المئة من هذا المبلغ هو الأصل". ويشار الى ان هذه الديون تستحق لمؤسسات دولية كصندوق النقد والبنك الدوليين، ونادي باريس الذي يضم دولاً أوروبية وصناديق إنمائية في الدول الأخرى. وأكد الخبراء الاقتصاديون استحالة الإعفاء من كل هذه الديون الا بموقف من هذه الدول والمؤسسات المالية. ويشار الى ان الأخيرة كانت اتفقت قبل أكثر من 6 سنوات على برنامج حول المديونية المتأخرة. ولفت تقرير بنك السودان المركزي إلى ان السودان"لم يتمكن من الاستفادة من المبادرات التي أعقبت الاتفاقات الأربع تورنتو، وتورنتو المعززة ونابولي، وآخرها كولون، والتي قضت بشطب 90 في المئة على الأقل من الديون". وعزا السبب الرئيس لعدم الاستفادة من هذه المبادرات والإعفاءات الى"عدم وجود برنامج اقتصادي متفق عليه بين السودان والصندوق". وتتوقف متطلبات حل شروط المديونية على واقع مديونية السودان الخارجية، التي أصبحت واجهة تحد ماثل امام خيارات السياسات الاقتصادية، خصوصاً ان السودان يمر في مرحلة تتطلب جهوداً مضاعفة للحفاظ على استمرار السلام وتعزيز الوحدة الوطنية، والاستفادة من المدخرات المالية لمصلحة تنفيذ برامج التنمية القومية. وتمثلت الالتزامات الاقتصادية التي وضعتها المبادرات الدولية للسودان، في الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، على تنفيذ برنامج اقتصادي متوسط المدى بإشرافه وبشرط ان يحقق البرنامج أداء جيداً ويعترف به أيضاً. وكذلك العمل على تطبيق نهج الحكم الرشيد وحل كل المشكلات السياسية بتوقيع اتفاق سلام شامل في البلاد، إضافة الى شطب مديونية المؤسسات المالية الدولية المتمثلة في صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي، ومديونية بنك الاستثمار الأوروبي مع إعداد ورقة استراتيجية لخفض الفقر، وللمؤشرات الاقتصادية". وتحسنت قدرة السودان المالية بعد بدء إنتاج النفط الذي عزز الميزان الخارجي، وبالتالي المؤشرات الخاصة بالاستدامة. الا ان حجم المشكلة يتضح من خلال الفترة القصوى للاستفادة من مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون الخارجية، وهو نهاية أيلول سبتمبر2006. وسيؤدي أي تأخير بعد هذه الفترة إلى عدم تأهيل السودان للاستفادة من المبادرة. وعلى رغم الوفاء بالمتطلبات الاقتصادية، الا ان المجتمع الدولي يصر على الإبقاء على حكم عدم التأهيل. ومما لا شك فيه ان هناك أجندة سياسية أسهمت في ذلك، ما تحتم على السودان تفعيل طاقاته السياسية في الداخل والخارج لمواجهة هذا التحدي. وتقتضي مشكلة إعفاء الديون بذل جهد لإيجاد خط للتعامل مع ديون دول نادي باريس قبل انتهاء المهلة المحددة في نهاية أيلول سبتمبر المقبل. والتعامل مع ديون الدول غير الأعضاء في نادي باريس يحصل من خلال البعثات الديبلوماسية وإرسال الوفود إلى الخارج، لشرح موقف السودان ومشكلاته وقضية حجم الديون الخارجية فيه، والسعي الى الحصول على دعم من الدائنين لشطب المتأخرات، وبالتالي تطبيع العلاقات الاقتصادية والتمويلية مع الدائنين. أما بالنسبة الى ديون المؤسسات المالية، فتتمثل في الاستفادة من مبادرة بنك التنمية الأفريقي كبادرة لإظهار الجدية في معالجة مديونية بقية المؤسسات المالية الدولية، إضافة الى السعي للوصول إلى آلية تقضي بحل مديونية بنك الاستثمار الأوروبي، فضلاً عن الالتفاف حول مبادرة الدول الثماني الخاص بشطب الديون. وفي ما يعود الى ديون المصارف التجارية العالمية، فينظر في تصفيتها من طريق الاستبدال بمشاريع اجتماعية وتنموية وإعادة بيعها بأسعار خصم عالية، بحسب ما جاء في تقرير"بنك السودان". وعلى المستوى الاقتصادي، شدد التقرير على"تطوير الإطار لإجراءات مؤسسية لإدارة الديون بكفاية وفاعلية، وتجنب السودان أي معاملة تفضيلية مع أية دولة في الإطار الثنائي، إضافة إلى مراعاة عدم التوسع في القروض الأجنبية وان تكون ميسرة في إطار سياسة الاقتراض الخارجي، بحيث لا يقل عنصر المنحة للقرض المستفاد منه عن 35 في المئة". وأوصى التقرير الرسمي بان يكون اقتراض حكومات الولايات السودانية والوكالات الخاصة عبر الحكومة الاتحادية في الخرطوم،"لضمان توافق الاقتراض مع الأهداف الوطنية".