لا أحد يعرف ما الذي كان يجول في رأس الرجل الأربعيني، وهو يجلس أمام عدسة المصور قبل اكثر من 24 عاماً. في عيني الرجل حزن أقرب إلى السؤال. حزن حفظته الصورة وزادت من وقعه كآبة اللونين الأسود والرمادي اللذين يغطيان بطاقة"المعايدة"التي تحمل الصورة، والتي وزعتها نجاة زوجة المفقود محي الدين حشيشو في مناسبة"13 نيسان أبريل 2006. يوم المخطوفين والمفقودين". "مذ خطفوك يوم 14 أيلول سبتمبر 1982، وحياتنا قلق عليك... وينك؟ نجاة"، تقول البطاقة، مستعينة بخبر يتكرر مضمونه منذ سنوات عديدة:"وفي 13 نيسان أبريل 2006 يستأنف القضاء اللبناني محكمة جنايات الجنوب النظر في قضية اختطاف محي الدين حشيشو..."، ولا يبدو انه يروي ظمأ نجاة. في البطاقة يجلس محي الدين حشيشو بهيئة أنيقة كان عليها قبل اختفائه، وقد لا يكون يدري أن أشياء كثيرة تغيرت في عالمه وعالم مئات من المخطوفين والمفقودين منذ تلك اللحظة. أمس، عادت إلى مبنى"السيتي سنتر"الذي دمرته الحرب الأهلية في ساحة الشهداء وسط بيروت ذاكرة لم تفارقه منذ سنوات. اختارته"لجنة أهالي المفقودين والمخطوفين في لبنان"لاطلاق حملة"تنذكر ت ما تنعاد- وينن"في ذكرى الحرب الأهلية، فاتسع على رغم دماره، لأمهات المخطوفين والمفقودين اللواتي اعتدن واعتادت عليهن كاميرات المصورين. احتضنت كل منهن صورة فقيدها أو مفقوديها كالعادة، ورفعت بعضهن رسائل كتبنها إليه، أو كتبها هو قبل اختفائه. ولم تنحصر نشاطات الحملة التي تمتد حتى الجمعة المقبل بمطالبات مسؤولي اللجان بعودة المفقودين، ولا باستنكارات السياسيين. أمس، كان للحدث طابع آخر، وأثر آخر. وبرز المفقودون صوراً ألصقت على بالونات كبيرة باللونين الأبيض والأسود، وعلى شاشات عملاقة تبث صورهم واحداً تلو الآخر، على وقع صوت بعيد يردد عبارة"وينن". كان عمر ناصر صفوان 16 عاماً عندما سقط مخيم تل الزعتر عام 1976. لم تكبر صورة ناصر المحمولة بين يدي شقيقته منذ تلك اللحظة التي كان فيها تلميذاً قبل أن يختفي."تلميذ. لماذا؟"، تكتب شقيقته أعلى الصورة. لا تحتاج قضية المفقودين إلى كثير من التحليل. هي قضية 17000 صورة أخذت قبل سنوات كثيرة، وتوقف عندها الزمن.