مع اقتراب تاريخ 13 نيسان أبريل من كل عام تاريخ اندلاع الحرب اللبنانية تتفتّح جراح أهالي المخطوفين والمفقودين، وهي في الأساس ختمت على زغل. الأمهات والشقيقات أنفسهن منذ نحو عشرين عاماً يحملن صوراً لأبناء وأزواج وأشقاء "ابتلعتهم" أهوال الحرب الأهلية ولم يُعرف مصيرهم. نساء كبرن لكن دموعهن لم تجف، وقلوبهن لم تقسُ على رغم مرور الزمن. وأمس أصررن على استعادة القضية مع علمهنّ ان حجم مآسي الأخريات مثلهنّ في العراق أكبر وأكثر حرقة، لكن للإلحاح غاية كي "تنذكر وما تنعاد". اجتمعن في دار نقابة الصحافة، لغرض جعل 13 نيسان يوماً وطنياً للذاكرة. قالت رئيسة لجنة الأهالي وداد حلواني: "البعض نصحنا بالتريث لأن صوتنا لن يُسمع في خضم ضجيج الحرب، والبعض أمرنا بطيّ هذا المطلب بحجة عدم ملاءمته وهشاشته ازاء الحدث العراقي. فكّرنا ملياً ورأينا ان تحرّكنا في مضمونه وشكله وفلسفته موجّه ضدّ الحرب، ورأينا ان المرشدين والناصحين لم يوقفوا هم ممارسة حياتهم اليومية، والانحياز الى جانب القيم والمبادئ الانسانية ضد شريعة الغاب ومنطق القوّة ليس مضيعة للوقت". القاعة استعادت، أمس، بعض وجوه كنّا نراها في زمن الحرب وزمن محو آثارها، والتي جاءت متعاطفة ومؤيدة لحملة التذكّر بعدما كان بعضها يدعو الى النسيان. وعلى منبر المتكلمين ثمة من استعاد أحزاناً كثيرة وهموماً ثقيلة وثمة من رفض التسامح من خلال رفضه قانون العفو العام وآخر انتقد بطء ختم ملفات الحرب ومنها ملف عودة المهجرين. والكلام شجّع النساء على رفع أصواتهن المحتجة مرّة جديدة. قالت احداهن: "صار لنا 21 سنة نراجع ولم نجد جواباً، ورفعت أخرى قصاصة صحيفة اصفرّ لونها واهترأت أطرافها حملت وعوداً حكومية بطيّ ملف المخطوفين. ويعود تاريخ القصاصة الى عشر سنوات". وداد حلواني التي قال عنها عضو مجلس نقابة الصحافة طلال سلمان مقدماً ان حضورها تذكير دائم بقضية المخطوفين، لخّصت مطالب الأهالي بأربع كلمات: "اننا أولادك يا دولة". وقالت: "لكن الدولة ترفضهم وتتجاهلهم منذ أكثر من ربع قرن، ربما لأن هؤلاء الأبناء ينتمون الى جميع الطوائف والمذاهب والمناطق والشرائح الاجتماعية من دون تمييز، وربما لأنه لا يقف وراءهم زعيم ما أو طائفة محددة". حلواني تحدثت عن حاجة المجتمع اللبناني الى تكوين مناعة مواطنية تتكوّن من خلال معرفة الحقيقة أولاً وصولاً الى تخطّي مفاعيلها عبر التسامح لتحقيق المصالحة الوطنية التي نحن في أمسّ الحاجة اليها"، معتقدة أن "ذاكرة السلم ليست قراراً بل خيار، وهي لا قيمة لها الا اذا تشارك في إنتاجها المجتمع بأسره". وانطلاقاً من ذلك، طالبت باسم حملة "تنذكر وما تنعاد" باعلان 13 نيسان "يوماً وطنياً للذاكرة" لأن "الشعوب التي تستحق العيش لا تنسى، وهو يوم جامع للذاكرة ويفترض إقامة نصب تذكاري تخليداً لجميع ضحايا الحرب يكون بمنزلة ادانة ماثلة لجرائمها فجميع ضحايا الحرب يستحقون نصباً أو متحفاً واحداً موحداً نزوره جميعنا مع أولادنا بخشوع، مكاناً يجهل التمييز أو التصنيف، مكاناً يسهم في إنتاج ذاكرة مشتركة لا طائفية". وحملة إنعاش ذاكرة اللبنانيين تمتد من 11 نيسان حتى 13 منه، وتبدأ بندوة فكرية في مسرح المدينة الجمعة المقبل، ويقام مهرجان للأفلام تحت عنوان: "صور من النسيان" الجمعة والسبت على المسرح نفسه يتضمن أفلاماً محلية وأجنبية عن تجارب شعوب عاشت حروباً ومآسي وتسلّط الضوء على آليات الخروج منها وتختتم الحملة الأحد مساء بتجمّع مواطنين في ساحة الشهداء التي كانت شاهداً على الحرب وشهيدتها. وتتميّز الحملة بمشاركة احدى رائدات "لجنة امهات ساحة أيار" السيدة لورا بونابارت، الأرجنتينية التي قالت عنها حلواني ان على رغم تقدّمها في السنّ "ما زالت تضجّ صبىً وعزيمةً يطبعان تاريخها النضالي وعطاءاتها في هذا المجال".