هل تنتشر برامج اكتشاف المواهب على الفضائيات العربية لأن الجمهور في حاجة إليها، أم لأنها برامج مربحة اقتصادياً؟ وهل هي برامج تحظى بحد أدنى من إبداع وإبتكار يؤهلانها لتصير برامج تلفزيونية ذات فائدة ما للمشاهد؟ يبدو برنامج"نجم الخليج"، الذي يبث"تلفزيون دبي"النسخة الثانية منه في حلقات أسبوعية مساء كل إثنين، في الخانة ذاتها التي وضعت فيها برامج كثيرة خصصت لاكتشاف المواهب. في هذه البرامج، وفي برنامج"نجوم الخليج"كذلك، الأجواء نفسها بلا أي إضافات جوهرية. كل شيء يتشابه... حتى الإعلان. ما الذي يختلف بين برنامجي"نجم الخليج"وپ"سوبر ستار"على سبيل المثال؟ ما الذي سيختلف لو عرفنا أن التشابه يمتد إلى أبعد ما يمكن أن يجعل الأمر توارد خواطر: التقديم له النكهة ذاتها، والريبورتاجات التي تقدم المشاركين في البرنامج هي نقطة الضعف نفسها ولا سبب لإدراجها ضمن الحلقة وفي برنامج"نجم الخليج"تحديداً تبدو هذه المقدمات بلا أي طعم، والمسرح هو ذاته منار بأضواء تواصل رقصها مع الإيقاعات، والجمهور الذي يحترف التصفيق هو ذاته، وضيف الحلقة هو الآخر يتكرر مبدلاً هندامه ولونه الغنائي فقط، ولجنة التحكيم في صورتها الوقورة تحمل السمات نفسها، والمذيعة تقول دائماً: سنعرف النتيجة بعد الإعلان! "نجم الخليج"، إذاً، برنامج آخر يضاف إلى سلسلة برامج اكتشاف المواهب. وبما أنه برنامج يعتمد الهيكل ذاته الذي يقوم على أساسه برنامج آخر أو أكثر، فإن من واجبه أن يظهر شكلاً مختلفاً للمشاهد، فهذا المشاهد يملك ريموت كونترول ويستطيع اكتشاف مدى التشابه بين البرامج بكبسة زر. لكن"نجوم الخليج"هم أنفسهم نجوم برامج اكتشاف المواهب: جميعهم يتمتعون بأصوات ممتازة تتنبأ لجان التحكيم لأصحابها بمستقبل زاهر أين أولئك الذين برزوا في الجيل الأول من برامج اكتشاف المواهب في الساحة الفنية؟ وجميعهم يحملون روح النكتة الشفاف ذاته، وجميعهم"مهضومون"وينتظرون تصويتكم على أرقام الهواتف الظاهرة أسفل الشاشة. لماذا أوقع برنامج"نجم الخليج"نفسه في مطب وقع فيه سواه من البرامج الشبيهة؟ ألم يكن من الممكن له، وهو يعيش عامه الثاني، أن يتجاوز عثرات يقع بها كل برنامج شبيه؟ لما اختار البرنامج لنفسه أن يكون منجماً لنجوم دول الخليج في الغناء، ولماذا يقتصر في ذلك على الغناء فقط؟ لماذا هو يصنع ديكوراً"عالمياً"ويضع موسيقى زياد الرحباني في خلفية ريبورتاجاته، ويجعل من الجمهور موازياً لجمهور البرامج الشبيهة - فيما ليس من الواجب عليه فعل ذلك؟ ماذا تفعل موسيقى زياد الرحباني أو توفيق فروخ، على روعتها وسحرها الذي لا يقاوم، في برنامج لاكتشاف مواهب الخليج بدلاً من موسيقى الخليج نفسها؟ ولماذا الديكور صارخ بأضوائه الساطعة وبريقه اللماع بدلاً من أن يحمل روحاً للمكان الخليجي؟ ولماذا على المذيعة أن تتقمص الدور الذي يلعبه غيرها؟ الأمر لا يعني أن البرنامج لو كان يعنى في شأن خليجي فإن عليه أن يكتسب طابع الخليج من ألفه إلى يائه، وإنما أن يستفيد منه على الأقل، وأن يجعل ما يضاف إلى بيئته التي يعيش فيها إضافة مقبولة، لا شاذة. في المقابل، وبما أن البرنامج مخصص لاكتشاف مواهب خليجية في دنيا الغناء، فلماذا هو يحرم المشاركين من أداء أغنيات غير خليجية - وهو القادر عندما يخرج إلى السوق الفنية أن ينوّع في لونه الغنائي. أو لماذا هو يحرم متسابقين آخرين، من غير دول الخليج ويفضلّون الغناء الخليجي، من المشاركة فيه، وبروزهم كمغنين يجيدون اللون الخليجي غناء؟ برنامج"نجم الخليج"لا يمكنه البحث عن مكان القمة بين برامج اكتشاف المواهب التي تشهد تراجعاً جماهيرياً ملحوظاً لأنه ببساطة لا يميز نفسه بغير أنه مخصص للخليج - وهذا أمر لا يكفي ليصير البرنامج بطلاً على الشاشة. برامج اكتشاف المواهب الفنية، ظهرت لتصنع ربيعاً جديداً للغناء في الوطن العربي، ولتضخ دماء جديدة إلى فريق المطربين العرب الذين يلامون صباح مساء على سوء حال الأغنية العربية. لكن هذه الطينة من البرامج وقعت في الفخ الذي نذرت نفسها لإبعاد المواهب الشابة عن الوقوع فيه: إنه التكرار الذي يقتل العمل الإبداعي الذي لا يستطيع الاستمرار إن بقي"يمطّ"في حاله. سؤال يخطر في البال عندما ينتهي برنامج"نجم الخليج"، بصفته برنامجاً ينوب عن سواه من برامج تلفزيونية شبيهة: هل بقي من برامج اكتشاف المواهب شيء يستحق المشاهدة؟