وصف الرئيس الفرنسي جاك شيراك في أول زيارة دولة قام بها الى الجزائر، في آذار مارس 2003، العلاقات الفرنسية الجزائرية بأنها"كانت أحياناً وحشية ومأسوية ومؤلمة"، مذكراً بجروح الحرب الجزائرية. وأراد شيراك مع من اعتبره حينها صديقه، الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، العمل على مصالحة حقيقية بين شعبي البلدين، والتوصل الى معاهدة صداقة. وكانت الفرصة تاريخية لتحقيق هذه المصالحة وتتويجها بالمعاهدة، خصوصاً أن الرئيسين الفرنسي والجزائري شاركا في حرب الجزائر. فكان شيراك في عداد القوات الفرنسية الموجودة في الجزائر فيما كان بوتفليقة بين صفوف مقاومي الاستعمار الفرنسي، الذين ناضلوا من أجل الاستقلال. ومنذ 2003، بدأ ما يمكن تسميته بشهر عسل بين الرئيسين"جاك"و"عبدالعزيز"، اللذين عملا على تعزيز علاقاتهما الشخصية وصولاً الى معاهدة الصداقة التي أبدى كلاهما رغبته بها. وخلال الجولة الشهيرة التي قام بها شيراك في شوارع باب الواد في الجزائر آذار 2003 استقبل بهتافات حارة، فيما كان على وشك اتخاذ القرار بمعارضة الحرب على العراق، مما شكل مؤشراً على جهوزية الرأي العام الجزائري، وربما الفرنسي، للمصالحة. لكن ما حصل من تطورات منذ إعادة انتخاب بوتفليقة، لم يعد يعكس مثل هذا الاستعداد. فعلى الجانب الفرنسي، ورغم رغبة شيراك الفعلية بالعمل على المصالحة، تبنى البرلمان الفرنسي قانوناً يشير الى"الدور الايجابي"للاستعمار الفرنسي، مما أعاد فتح الجروح التي لم تكن قد التأمت بعد. وبادر الرئيس الفرنسي الى تدارك الوضع، واتخذ قراراً أدى الى إلغاء الفقرة المثيرة للجدل من نص القانون. وعند دخول بوتفليقة الى مستشفى فال دوغراس الفرنسي للعلاج، وجه له شيراك تمنياته الحارة بالشفاء، طالباً زيارته إذا رغب أو لقاءه بعد انتهاء علاجه. وأتى الرد بأن الرئيس الجزائري يشكر الأطباء الفرنسيين الذين عالجوه بشكل جيد، لكنه غير راغب في استقبال نظيره الفرنسي أو لقائه. ثم استقبل بوتفليقة أخيراً وزير الخارجية الفرنسي فيليب دوست بلازي، واستهل الجلسة معه بانتقاد الرئيس الفرنسي، باعتباره يعد معاهدة الصداقة الفرنسية - الجزائرية بشكل أحادي، على رغم ان الرئيس الجزائري يعرف تماماً ان مستشاره الخاص يلتقي بانتظام الفريق الفرنسي المكلف اعداد المعاهدة للنقاش. والواضح ان بوتفليقة، ولأسباب داخلية بحتة، يريد التراجع عما قام به في البداية مع صديقه شيراك، وينبغي الآن الانتظار ما لا يقل عن عشر سنوات لإجراء مصالحة فعلية بين البلدين. والواقع ان هناك في الطبقة الحاكمة في الجزائر وفي صفوف النقابات والجمعيات، عدداً كبيراً من قدامى المناضلين الذين ما زالوا يتخذون مواقف معارضة لفرنسا ومشككة بنياتها. وهناك ايضاً من الجانب الفرنسي، عدد كبير من أبناء الجيل القديم الذين عاشوا وحاربوا في الجزائر، ولم ينسوا الماضي بل ما زالوا يشعرون بمرارة لمغادرتهم هذا البلد. ولا يزال هناك من الجهتين الفرنسية والجزائرية، اشخاص قادرون على التأثير على صانعي القرار في كلا البلدين. ولكن شيراك أراد فعلاً تجاوز هذا الوضع وتحقيق المصالحة الصعبة مع رئيس اعتقد انه شريك فعلي، لكنه خيب أمله من خلال تصريحاته. فما الذي أثار غضب بوتفليقة على فرنسا؟ هل هي أسباب داخلية وحسابات خاصة أو أنه كما تقول بعض الأوساط، يعتبر ان فرنسا أقرب الى موقف المغرب من قضية الصحراء، وأن مسألة تقنين التأشيرات الفرنسية للجزائريين لها أيضاً دور على هذا الصعيد؟ المؤكد ان تضييع الفرصة التي كانت قائمة خسارة للشعبين لأن التقارب والمصالحة يشكلان رغبة مشتركة لديهما. لكن معاهدة الصداقة لم تعد واردة في عهد شيراك والتوصل اليها قد يتأخر سنوات.