كان لافتاً على هامش الزيارة الرسمية الأولى التي قام بها رئيس الحكومة الفرنسية دومينيك دوفيلبان وهو من مواليد الرباط ان العاهل المغربي الملك محمد السادس استقبله في مدينة وجدة على الحدود المغربية - الجزائرية المغلقة، في ظل التوتر القائم بين البلدين الجارين. وكان لافتاً أيضاً ان عدداً من المسؤولين المغاربة الذين كانوا في وداع دوفيلبان في مطار وجدة، أشاروا الى الجزائر وراء الخط الحدودي ليقولوا للمسؤولين الفرنسيين إن أي مواطن مغربي يرغب في عبور الحدود الى الأراضي الجزائرية عليه دفع مبلغ معين لشرطة الحدود الجزائرية أو التوجه الى الرباط ومنها الى باريس ومن ثم الى الجزائر التي تبقى مصرة على اغلاق حدودها مع المغرب. وعقب المحادثات الفرنسية - المغربية، يستنتج المراقب أن العلاقات الجزائرية - المغربية تسير من سيىء الى أسوأ، منذ أن أدرك العاهل المغربي أن مبادرته لحضور القمة العربية في الجزائر في آذار مارس الماضي لم تلق تجاوباً من الجانب الجزائري، بل ان العكس هو الذي حصل، خصوصاً بعد الغاء الزيارة التي كانت مرتقبة لرئيس الحكومة الجزائرية السيد أحمد أويحى للمغرب. وقال مصدر مطلع على المحادثات الفرنسية - المغربية إن وزير الخارجية المغربي السيد محمد بن عيسى أبلغ نظيره الفرنسي فيليب دوست بلازي الذي شارك في الزيارة، إن الجزائر تشبّه المغرب بإسرائيل التي تحتل المناطق الفلسطينية، وان موقفها من المغرب غير مفهوم وغير مقبول. وبالنسبة الى الصحراء المغربية، ذكر المصدر أن بن عيسى يقترح اعطاء هذه المنطقة استقلالاً ذاتياً داخلياً، فيما الجزائر متمسكة بحق تقرير المصير. وسألت"الحياة"عدداً من المصادر المغربية عما إذا كان ارسال الجزائر الجنرال العربي بلخير الذي شغل منصب مدير مكتب الرئيس الجزائري، سفيراً الى المغرب، يعبر عن سعي الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة الى تحسين العلاقات. لكن الاعتقاد السائد لدى المغاربة هو أن بوتفليقة أرسل بلخير للتخلص منه بعدما أصبح عبئاً عليه في الرئاسة، وأيضاً لأنه يريد اعطاء الانطباع بأن الجزائر تعمل في سبيل الحل. وعلمت"الحياة"من مصدر مطلع أن ترحيب فرنسا بهذا التعيين لقي رداً مغاربياً مفاده أن من غير المفيد ارسال موفد جيد إن لم يكن يحمل أي رسالة جيدة، أي أن المغرب على اقتناع بأن ليس لدى الجزائر نية في ايجاد حل مع المغرب. وعلمت"الحياة"من مصادر مطلعة أن المغرب أبلغ الفرنسيين باستياء الرئيسين المصري حسني مبارك والليبي معمر القذافي من تصرفات الجزائريين. وتقر مصادر فرنسية مطلعة بأن العلاقات السيئة بين المغرب والجزائر تسمم أجواء قمة برشلونة المقررة في تشرين الثاني نوفمبر المقبل لمناسبة الذكرى العشرين لاطلاق هذا المسار.وفرنسا، التي تربطها ع لاقات جيدة ومميزة بالمغرب وفقاً لما قاله دوفيلبان في الرباط، تعمل على تطوير هذه العلاقات الى شراكة اقتصادية، من أجل ايجاد فرص عمل في المغرب والحد من هجرة المغاربة الى فرنسا. وتدرك فرنسا، في الوقت ذاته، أن ليس في إمكانها القيام بوساطة بين المغرب والجزائر، نظراً الى ما يشوب علاقاتها بالجزائر من هبات سخنة وباردة نتيجة التاريخ الأليم. وسألت"الحياة"دوفيلبان خلال مؤتمره الصحافي في وجدة، عما إذا كانت مطالبة الجزائرلفرنسا بالاعتذار عن تاريخها في الجزائر ستؤجل موعد توقيع معاهدة الصداقة بين البلدين، فرد بديبلوماسية متمنياً أن تسير الأمور في شكل جيد باتجاه هذه المعاهدة. إلا أن مصادر فرنسية مطلعة تتساءل عن دوافع التصريحات التي صدرت عن بوتفليقة تجاه فرنسا معتبراً أن عليها دفع ثمن ما سببته من ضياع لهوية الجزائر التي أصبحت لا عربية ولا بربرية وقبلية، مطالباً اياها مجدداً بالاعتذار عما فعلته خلال فترة استعمار بلاده. وترى المصادر أن ذلك ربما يكون مرده الى لعبة داخلية يلجأ اليها بوتفليقة لتعزيز موقعه، أو الى رغبته في إقامة توازن قوة مع فرنسا، وهو ما قد يشير الى رغبة جزائرية في الاعتماد على الدعم الأميركي. ورأت المصادر أن هذه المواقف الجزائرية غير مواتية في ظل الوضع الراهن في فرنسا المقبلة على انتخابات رئاسية في 2007. وأضافت أن وزن الفرنسيين الذين ولدوا في الجزائر الأقدام السود وغادروها بعد الاستقلال، كبير في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، كون عددهم يقدر بما بين 2-3 ملايين شخص ومعظمهم في جنوبفرنسا، وهذا ما يحول دون حصول بوتفليقة على الاعتذار الذي يطلبه. وبالتالي هناك علامة استفهام مطروحة على صعيد موعد توقيع معاهدة الصداقة الفرنسية - الجزائرية. الى ذلك، علمت"الحياة"من مصادر مطلعة أن وزير خارجية ليبيا السيد عبدالرحمن شلقم نصح نظراءه المغاربة خلال لقائه معهم في نيويورك هذا الشهر بأن من الأفضل التعامل مع الولاياتالمتحدة لأنها الدولة الأكبر والأقوى ولأن فرنسا باتت من دون نفوذ كبير وانها دولة صغرى.