كان لافتاً جداً ان تقرأ في عيون"ابي الوليد"خالد مشعل زعيم"حماس"القادم من بطن تحولات حركة"الاخوان المسلمين"الأم الصاعدة هذه الأيام في ميزان الانتخابات، وهو يلبس لباس أبي عمار زعيم حركة التحرير الوطني الفلسطيني"فتح"وهو"يستعرض"مهنئيه والمتضامنين مع"سلطته"الوليدة في مؤتمر نصرة القدس في طهران الذي عقد أخيراً. كما كان لافتاً جداً ايضاً ان تسمع ذلك الخطاب الواعي والراشد والمليء بالرسائل البليغة الى أكثر من طرف من زعيم حركة"الجهاد الاسلامي"رمضان عبدالله شلح وهو يتكلم ليس فقط باسم حركته بل وباسم حركة"حماس"، وفصائل الجهاد والنضال الفلسطيني كافة وكأنه يستدرك مبكراً ما يحتمل ان تقع فيه حكومة المقاومة من"مواطن شبهة"السلطة. انها المرحلة"النجادية"المتحفزة لدعم وإسناد"أبو عمار"القديم والجديد، قبل ان يتحول الى"ياسر عرفات"! ومن أجل أن لا يتحول الى"ياسر عرفات"جديد سارعت طهران هذه المرة وبكل ثقة واقتدار الى تقدم طليعة الداعمين"للسلطة"الجديدة المحاصرة. ثمة من يقرأ هذه"السلة"من التحولات، الايرانية - الفلسطينية على أنها أهم من النووي الايراني سلماً كان هذا النووي، كما تؤكد طهران دوماً، أم حرباً، كان كما تصر واشنطن وتل ابيب! منذ ان"جيء"بأحمدي نجاد الى سدة الرئاسة وطهران تلبس لباس إمامها الخميني بامتياز، ومع كل يوم يمر على حكومة"المحافظين الجدد"الايرانية، يبرز شعار"اليوم ايران وغداً فلسطين"الذي ظهر أوائل الثورة الايرانية وكأنه الشعار الابرز في سياسة الحكومة الجديدة. الاصلاحيون الذين سبقوا الحكومة الحالية في تصدر السلطة في طهران يأخذون عليها حدة خطابها وعلو نبرتها وخطورة سياسة حافة الصدام التي تتبعها ويمنون النفس يومياً بتراجعها المنظم الى ما كانت عليه الحال قبل ان يغادروا هم الاصلاحيون آخر موضوع لهم اي سدة الرئاسة. القوى الاقليمية من جانبها التي تراقب بقلق بالغ ما يجري من حولها من"قعقعة"متنامية لكل أنواع السلاح المتطور يمنون النفس أيضاً بأن يأتي اليوم الذي يسمعون فيه عودة طهران عن خطابها ونهجها الحالي حتى يضمنوا عدم اندلاع حرب جديدة في المنطقة. وحدها حكومة احمدي نجاد مسلحة بما ومن فوقها بالطبع من ارشادات نصل اليها تباعاً مفادها ان الخصم يحضر لشيء ما ضد العاصمة المشرقية الاخيرة، ربما التي لا تزال تمانع وتقاوم مشروع الشرق الأوسط الكبير. ولهذا كان مؤتمر القدس وفي هذه اللحظة التاريخية بالذات، ولهذا ايضاً كان تقدير البعض، ومنهم أميركيون يقرأون طهران جيداً، بأن هذا المؤتمر كان أهم من النووي الايراني. إنها جبهة تحالف عريضة مناهضة للحرب ورادعة لها تشكلت في طهران على هامش المؤتمر بوصلتها القدس هذه المرة، اي المكان الأكثر ترجيحاً ان تنطلق منه شرارة الحرب أو العدوان المحتمل ضد منشآت ايران النووية. ايران ليست العراق مهما خطر على بال البعض ان يقارن في الظاهر بين بغدادوطهران. أو ان يسحب سياسة المحافظين الجدد الاميركيين تجاه بغداد على سياستهم تجاه طهران! فالنظام ليس النظام نفسه لا في الشكل ولا في المضمون ولا في الطول ولا في العرض ولا بالعلاقات الداخلية ولا الخارجية، ولا الظروف المحيطة بالطبقة السياسية الاميركية ظروف ثلاث سنوات خلت نفسها. ومع ذلك، فإنه لو فعلها - أي جورج بوش الابن - فإن تداعياتها ستكون هذه المرة كارثية بكل معنى الكلمة واغلب الظن انه هو أكثر من يعرف عمق الدرجة الكارثية التي تترقبه فيما لو فعلها، لا سيما وهو على أبواب منعطف حاسم في تشرين الثاني نوفمبر المقبل حيث من المحتمل ان يخسر الجمهوريون والديموقراطيون معاً. هذا هو تقدير القيادة الايرانية على الأقل كما يظن هنا في طهران، لذلك نراها تفكر بأن الفرصة متاحة للغاية لانتزاع الاعتراف الدولي المناسب بها كقوة اقليمية لا ينازع أحد دورها لا في السلم ولا في الحرب وقبل ذلك وبعده اعتراف"الشيطان الأكبر"بثورتها واستقلالها. كان لافتاً جداً ان تسمع صوت حجة الاسلام والمسلمين حسن الخميني حفيد قائد"ثورة الجياع والمستضعفين"وهو ينادي أحد مساعديه لترتيب موعد لقاء رئيس البرلمان الفنزويلي بالقول"جافيز منا أهل البيت". انها الجبهة الأوسع التي تشكلت في طهران ضد الحرب ومن أجل القدس من ادغال اميركا الهندية الحمراء الى ارخبيل جزر النمور الآسيوية ولسان حالهم يتوحد مع قول ذلك الشاعر العراقي الكبير مظفر النواب وهو يقول: بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة... هذا الكلام الذي يبدو اننا اليوم بحاجة الى استحضاره أكثر من أي وقت مضى، ذلك اننا نعاني من فتن وصراعات عينية أخطر بكثير مما كنا نعاني منه أيام قال الشاعر كلامه الآنف الذكر، ففي حينها ورد كلام الشاعر استنكاراً للحرب العبثية التي شنها النظام الصدامي البائد ضد جارته ايران حيث شغل جنود العرب والعجم عن ساحتهم الأصلية والصحيحة. نعم فالاقتتال الجاري على قدم وساق في العراق الذبيح بين"السنة والشيعة"وبوادر الفتن التي ترسم المصير من خلال تحريك صراع عبثي آخر لا سمح الله، والفتن الأخرى التي تلوح في الأفق في ظل شطحات التشكيك بولاءات المواطنين هنا أو هناك، ما جعل مقولة المواطنة في كل قطر عربي واسلامي تتعرض للخطر اليومي الداهم، كل ذلك يجعلنا جميعاً نتمسك بشعار بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة... ونؤكد مدى حاجتنا الماسة الى استحضارها مدركين في الوقت ذاته بأن مشكلتنا الوحيدة هي ليس عدم ادراك هذه الحقيقة، كما اننا لسنا من السذاجة بمكان لنقول أنه اذا ما تم مثل هذا التصحيح للبوصلة فإن كل شيء في بلادنا سيكون على ما يرام، وانه لن يكون هناك ثمة استبداد ولا ضياع حقوق انسان طائفية أو عرقية أو قومية أو ضياع لحقوق التنمية الى ما هنالك من قائمة الحقوق المضيّعة في أقطارنا. ولكن وعلى قاعدة المقولة الشرعية الشهيرة:"الصلاة عمود الدين، ان قبلت قبل ما سواها وان ردت رد ما سواها". فإن تصحيح اتجاه البوصلة في الكفاح والعمل اليوم والسياسي العام كفيل بتصحيح كل الممارسات كما نظن ونعتقد، وهو ما نظن ان اكثر من 500 مندوب من مختلف بلدان العالم الثالث اجتمعوا في طهران ليتفقوا عليه، وان يقولوا بصوت واحد ايضاً: أنه لا استقلال ولا حرية حقيقية لأقطارنا ولا للانسانية جمعاء الا بحرية القدس واستقلالها وعودتها الى حضن أصحابها الحقيقيين. * كاتب متخصص في الشؤون الايرانية.