إنتهى المنتدى الإجتماعي العالمي الذي عقد في العاصمة الفنزويلية كاراكاس طيلة الأسبوع الماضي، بتضارب في المواعيد يدل على تجاذبات قوية تدور حول مستقبل الحركة التي بدأت في بورتو أليغري قبل خمس سنوات. وعقد الرئيس تشافيز لقاء خاصاً مع ممثلي الحركات الإجتماعية بدل لقائه العام الثاني مع المنتدى. وغادر قسم كبير من المشاركين الفنزويليين اللقاء العام الذي يحمل إسم"مجلس الشعوب"والذي يختتم تقليدياً هذا التجمع، لحضور نهائي مباراة البيسبول، الرياضة المفضلة في هذا البلد. وحلت ثلاثة مؤتمرات إقليمية هذه السنة محل اللقاء العالمي في بورتو أليغري. وجاء مؤتمر كاراكاس بعد المؤتمر الإقليمي الأفريقي الذي جرى قبل أسبوعين في باماكو، عاصمة مالي وقبل المؤتمر الأسيوي الذي يعقد في باكستان نهاية مارس آذار المقبل. وطغت شخصية تشافيز القوية على مجريات المؤتمر، ما ساهم في تعميق الفوارق بين المتحمسين ل"القائد الوحيد الذي يواجه الإمبريالية"وبين الحريصين على"إستقلالية الحركة عن جميع الحكومات". والمنتدى الإجتماعي العالمي الذي هو تحالف مؤلف من نقابات وجمعيات وحركات إجتماعية وشخصيات سياسية تلتقي كل سنة لتقييم تجاربها، نشأ في الأساس لتشكيل قطب منافس ل" المنتدى الإقتصادي العالمي"الذي يعقد في دافوس منذ عام 1971. وأخذ"المنتدى الإجتماعي"يعاني من مشاكل متأتية من نجاحه ومن إنتشاره في القارات كافة تحت شعار"عالم آخر ممكن". ومن أبرز هذه المعضلات، الإتفاق على درجة التسييس التي تتطلبها الحركة المعادية للعولمة النيو - ليبرالية ومن طبيعة المهام التي تستطيع أن تشكل برنامجاً لهذه الحركة غير المتجانسة. وتلاحق هاتان المعضلتان سيرة"المنتدى الإجتماعي العالمي"منذ تأسيسه، وتعبر عن تقاسم النفوذ فيه بين المنظمات غير الحكومية والحركات الإجتماعية. درجة التسييس وطبيعة البرنامج بالنسبة إلى التسييس، زاد إنعقاد المؤتمر في كاراكاس، عاصمة"الثورة البوليفارية"وتبنيه رسمياً من قبل الرئيس تشافيز، التجاذبات حدة. وتسجل في المؤتمر نحو سبعين ألف مشارك، وهو رقم أقل من المتوقع، وأكثريتهم الساحقة من الفنزويليين. وفي خطابه أمام عشرة آلاف من المشاركين المتحمسين، حذر تشافيز الحركة من"التحول إلى حدث فولكلوري وسياحي"، ودعاها الى تبني شعار"الإشتراكية أو الموت"والتحول"إلى حزب عالمي"وتبني"أجندة عالمية ضد الهيمنات الحاكمة". وأتى صعود اليسار في الآونة الأخيرة في أميركا اللاتينية ليزيد الشرخ بين أعضاء"المجلس الدولي"الذي يشكل نوعاً من القيادة العالمية للمنتدى بين اجتماعاته الدورية. تتراوح هذه الإتجاهات بين تيار ينتمي إليه المفكر سمير أمين، يطالب بنقلة في إتجاه التسييس ويصنف الحكومات إلى يسار حقيقي ويسار مزيف، وبين إتجاهات أخرى تشكك في إمكان توحيد الحركة وحتى في فائدة هذه الخطوة. يتفق الجميع تقريباً على ضرورة إقرار برنامج ولكنهم يختلفون على مضمونه وطبيعته. وفشل مؤتمر كاراكاس في تبني"نداء باماكو"الذي عبر عن حساسيات الحركات الأفريقية وإلى حد ما الأوروبية. وبقي برنامج الحد الأدنى الذي تم التوافق عليه بين المؤتمرين الإقليميين، تقليدياً، إذ يتضمن تحركات شعبية بموازاة إجتماعات منظمة التجارة العالمية وإجتماعات الدول الصناعية الكبرى وصندوق النقد العالمي والبنك الدولي. وتبدأ روزنامة هذه التحركات التي تمتد طيلة السنة، بيوم عالمي للتضامن مع نضال الشعب العراقي في 18 آذار مارس. وعلى صعيد الإنجازات، خسر هذه السنة"المنتدى الإجتماعي"المواجهة الإعلامية مع"المنتدى الإقتصادي"بعدما نجح في السنوات الماضية بفرض بنود مهمة من إهتماماته على جدول أعمال مؤتمر دافوس. هذه السنة، بدا وكأن المشاكل الحقيقية تعالج في دافوس نتيجة المبادرات لمعالجة مرضي السل والأيدز. السنة القادمة، يعود"المنتدى الإجتماعي العالمي"إلى صيغته المركزية ويعقد إجتماعه للمرة الأولى في أفريقيا وتحديداً في العاصمة الكينية نيروبي.