أنهى المنتدى الاجتماعي العالمي اعماله نهاية الاسبوع الماضي، بعدما انطلقت من الخيم العشر التي استضافته، مسيرات رفعت توصياتها الى المركز المكلف تبويبها ومناقشتها في الأشهر المقبلة مع خمسة آلاف منظمة غير حكومية يتألف منها المنتدى. وأنتج ممثلو هذه المنظمات تلك التوصيات خلال مئات الاجتماعات. وكان القرار الكبير"المحفوف بالأخطار"بحسب أحد الذين اتخذوه، هو اعتماد اللامركزية عام 2006، أي عقد أربعة منتديات اقليمية في أوروبا وأميركا وآسيا وأفريقيا في الوقت نفسه، في كانون الثاني يناير كالعادة، في موعد متزامن مع منتدى دافوس. وأصبح المغرب وفنزويلا أول دولتين مرشحتين لاستضافة تلك المنتديات الاقليمية. وفي عام 2007، يعود المنتدى الى المركزية لتأكيد أهمية عقده للمرة الأولى في أفريقيا السوداء، على الأرجح في كينيا. ينتهي إذاً عقد الزواج بين بورتو أليغري والمنتدى، من دون أن يكون للعروس رأي... المدينة بكل أطيافها السياسية، وكذلك المدن المجاورة، تحب المنتدى وتريده أن يستمر، أو بالأحرى صارت تحبه لأن للمنتدى مردوداً اقتصادياً يقدر بنحو خمسين مليون دولار. وهذه السنة تحديداً، كانت بورتو أليغري خصصت للمنتدى أحياء كاملة على كورنيش نهر غوايبا الذي يبدو أحياناً بحراً لنمط انشداده نحو الأطلسي القريب. وإضافة الى الوافدين الأجانب، يشكل عقد المنتدى مناسبة لعشرات الآلاف من البرازيليين للتعرف على جنوب الجنوب، على ولاية ريو غراندي دو سول، هذه المنطقة التي تصدر أطيب اللحوم وتنتج عنباً وتفاحاً ودراقاً بعكس بقية البلد وتشرب الشاي ماتي كما يفعل جيرانها من الأرجنتين والأوروغواي. المنظمات غير الحكومية ويرى المراقبون أن اعتماد اللامركزية سيقوي سلطة المنظمات غير الحكومية، الممول الآخر للحدث مع السلطات البرازيلية، على حساب الاتجاهات الأكثر تسييساً. وساعد على اتخاذ هذا القرار الركود النسبي الذي عرفته الحركة المناهضة للعولمة بعد الذروة التي مثلتها التظاهرات من أجل منع وقوع الحرب على العراق. كما ساعد أيضاً الانقطاع الطبيعي الذي ولدته خسارة"حزب الشغيلة"بلدية المدينة، إضافة الى التقويم السلبي لحكم لولا من جانب"مسيسي"المنتدى، والذين يعارضون سياسته الاقتصادية ولا يحبذون تنقله بين بورتو أليغري ودافوس. لذا، احتفل المنتدى نهار الأحد بمجيء الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز، خصم الولاياتالمتحدة الأول في أميركا الجنوبية. وفي المقابل، سيزيد قرار اعتماد اللامركزية من مسؤوليات المنظمات غير الحكومية في ضمان استمرارية حركة المنتدى: هل هي قادرة على تنظيم المنتديات القارية من دون الارتهان السياسي الى الدول المضيفة؟ هل ينجح المنتدى في تقوية مكوناته القارية وتعميم تجربة بورتو أليغري الى القارات الأخرى؟ العمل على قضيتين مركزيتين وقبل شهرين تقريباً، حذر لولا المنتدى من"التحول الى بازار إيديولوجي يعرض فيه كل طرف بضاعته"، ونصحه ب"اختيار قضيتين أو ثلاث مركزية، والعمل عليها طوال السنة". يبدو أن شيئاً من هذه النصيحة قد يحدث في الأشهر المقبلة... فالمنظمات غير الحكومية مهتمة بهذه المقاربة لأنها تعتبرها أقرب الى طبيعة أدائها ووجودها على الأرض، بدلاً من حصر المنتدى في مهمة التنديد. صحيح أن منتدى بورتو أليغري تأسس رداً على منتدى دافوس، إلا أن الروزنامة العالمية، بمآسيها، جعلت الجسم الأساس في المنتديين ينكب على مناقشة المواضيع نفسها: مثلاً العراق قبل سنتين، ومسألة الجوع اليوم. في بورتو أليغري، فلسطين موجودة في كل أولويات المشاركين لدرجة أن أحد الناشطين الاجتماعيين العرب قال بمزيج من الإعجاب والإحباط:"لو تجمع العالم العربي حول قضية فلسطين بالهم والحرص اللذين يميزان المنتدى، لكانت أنشئت الدولة الفلسطينية منذ عشرات السنين".