يبحث الفلسطينيون وسط إحباطهم المتراكم من الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على اختلاف أحزابها وألوانها، عن مصدر للأمل والتفاؤل في نتائج الانتخابات الاسرائيلية، لكنهم ما ان يعثروا عليه حتى يجدوه محاطا بأسيجة وجدران عالية من القلق والمخاوف. ففوز حزب"كديما"وحليفه الأقرب حزب"العمل"بأكثرية مقاعد الكنيست على نحو يؤهلهما لتشكيل ائتلاف حاكم من الوسط واليسار، يدغدغ مشاعر الكثير من الفلسطينيين بأمل يلوح لاستئناف المفاوضات ووقف الاجراءات الاسرائيلية المتواصلة منذ اكثر من خمس سنوات ضد الأرض والبشر والشجر، لكن ما ان يدققوا في خيارات حزب"كديما"القائد لهذا الائتلاف حتى تغشاهم أمواج من التشاؤم والقلق. فقادة"كديما"الذي أسسه زعيم"ليكود"السابق آرييل شارون الماضي في غيبوبة طويلة لا أمل له بالخروج منها، حددوا خياراتهم التي خاضوا الانتخابات على أساسها: ضم الكتل الاستيطانية بما فيها القدس، وجعل الجدار حدودا دائما مع الفلسطينيين وابقاء السيطرة العسكرية على الأغوار التي تشكل ثلث مساحة الضفة". أما حزب"العمل"الذي سجلت مفاوضاته مع السلطة الفلسطينية عندما كان على رأس الحكم تقدما لافتا، فان دوره في الحكومة المقبلة لن يكون دور صانع القرارات والخيارات، فهو حاصل على الموقع الثاني في الانتخابات 22 مقعداً وأولويات زعيمه ذي التاريخ النقابي الطويل عمير بيريتس اجتماعية أكثر منها سياسية، خصوصا وهو يدرك انه ليس المقرر في القضايا السياسية هنا. ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت الدكتور باسم الزبيدي:"حزب العمل هو الأفضل للفلسطينيين لأنه على الأقل مستعد للتعامل مع الشرعية الدولية، لكن هذا الحزب سيكون شريكاً تحت قيادة كديما وليس العكس". واضاف:"وشراكة العمل لأولمرت لن تختلف كثيرا عن شراكته لشارون في الحكومة السابقة، اذ شاهدنا كيف نجح الأخير في جر زعيم الحزب السابق شمعون بيريز نحو اليمين بدل ان يحدث العكس". وأكثر ما يتوقع من دور لحزب"العمل"في حكومة برئاسة زعيم"كديما"هو الضغط من أجل استئناف المفاوضات. ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت الدكتور علي الجرباوي:"ربما يؤثر حزب العمل على كديما لاستنئاف المفاوضات، وربما تستمر هذه المفاوضات لستة أشهر، لكنها لن تنتهي الى اتفاق بين الجانبين، فيلجأ عندها اولمرت الى تطبيق برنامجه القائم على رسم الحدود من جانب واحد". ويرى الفلسطينيون في رسم الحدود من جانب واحد الخطوة الأخطر على الأراضي المحتلة منذ العام 1967. وقال منسق كتلة حركة"فتح"في المجلس التشريعي عبد الله عبد الله :"ربما يكون كديما أخطر على القضية الفلسطينية من حزب ليكود، فالأول يستخدم لغة ناعمة مقبولة دوليا لكنه يمارس على الأرض ممارسات متطرفة، أما ليكود فهو متطرف في لغته كما في ممارساته، وبالتالي فانه لن يحظى بمثل هذا القبول من المجتمع الدولي". واضاف:"كديما خطر جدا على الفلسطينيين لأنه ببساطة يتطلع لضم حوالي 58 في المئة من الضفة، وخطورته في ذلك لا تقل عن خطورة ليكود". أما السلطة ممثلة بمكتب الرئيس محمود عباس، فترى في تشكيل حكومة اسرائيلية جديدة من الوسط واليسار فرصة للدعوة الى استئناف المفاوضات، آملة في ان ترافق ذلك أجواء سياسية جديدة تخرج الجانبين من أزمة الجمود السائدة منذ اندلاع الانتفاضة في أيلول سبتمبر عام 2000. ويقول مسؤول ملف المفاوضات في السلطة وفي منظمة التحرير صائب عريقات:"نأمل في ان تستجيب الحكومة الجديدة الى دعوات الرئيس عباس لاستئناف المفاوضات بدلا من سياسة الاملاءات والانفصال أحادي الجانب". وان كان من طرف قد يستفيد من خطوات اسرائيلية أحادية الجانب مستقبلا فربما يكون هذا الطرف حكومة"حماس"الجديدة. فهي ليست مهيأة للشروع في مفاوضات مع اسرائيل، وأي انسحاب اسرائيلي من مستوطنات جديدة ستعتبره انجازا للمقاومة وتاليا للحركة. وقال أحد ابرز قادة الحركة في الضفة فرحات اسعد:"لن نمسك بالاسرائيليين اذا رأيناهم ينسحبون من أي شبر من أرضنا، لكننا لن ندفع أي ثمن لهذا الانسحاب مثل الاعتراف وغيره". واضاف:"لينسحبوا ونحن لن نفاوضهم وسنواصل العمل على استعادة باقي أرضنا وحقوقنا".