للشباب لغتهم الخاصة المتجددة يوماً بعد يوم. يستعملون عبارات مستقاة من الإنكليزية، يعربونها ويصرفونها افعالاً قد لا يفهم منها المستمع شيئاً. ناهيك باللغة التكنولوجية التي فرضت عليهم اسلوب كتابة مختصراً اكثر، املته عليهم الرسائل القصيرة على المحمول وعبر شاشة الانترنت خلال"التشات". "هبات" لغوية كانت دائماً للشباب لغتهم الخاصة المختلفة جزئياً عن لغة"الراشدين"، عبر تعابير وصور كلامية لا يفهمها سواهم، وتختلف جذرياً بين جيل وآخر ليتناقض معناها كلياً في بعض الاحيان. وكانت دائماً هناك"هبّات"لغوية مبتكرة مستقاة تارة من مسلسل تلفزيوني وطوراً من دور سينمائي بارز ولافت استقطب عدداً كبيراًَ من المعجبين به. ففي السبعينات، بات كل الشبان اللبنانيين يتكلمون لغة"يا انا"تيّمناً بشخصية تلفزيونية لشاب دلّوع كان يطّعم كلامه بهذه العبارة التي تتكرر عشرات المرات في جملة مفيدة واحدة. كما سبقتها"اللغة العصفورية"التي قضت بتقسيم الكلمة الى مقاطع لفظية تتكرر نغماً مثل زقزقة العصافير. ولفتت هذه الظاهرة الشبابية علماء اللغة منذ زمن بعيد، فتخوفوا من زوال اللغة الأصلية لمصلحة لغة جديدة مبتكرة لا تثبت على قواعد معينة انما تتبدل باستمرار كأنها بنيت على رمال متحركة. وبرزت هذه الظاهرة خصوصاً في المدن الغربية الكبرى، لا سيما ضواحيها التي يكثر فيها المهاجرون من جنسيات مختلفة والذين"يقولبون"اللغة الأصلية ويدخلون عليها تعابير لغتهم الأم ما يحول مجتمعاتهم الى"غيتو لغوي"خاص بهم، وفق ما قال استاذ لغة في جامعة"سوربون"الفرنسية. وأجرى علماء من الجامعة دراسة في الضواحي الباريسية اوائل الثمانينات بهدف ملاحقة جذور اللغة الجديدة، فلم يتمكنوا من اللحاق بركابها نظراً الى انها في نمو مضطرد متواصل. فلا يكادون يفهمون معنى كلمة حتى تكون تحولت الى لفظ آخر، ومعنى آخر. فكلمة"دجاجة"بالفرنسية poulet انطلقت لترمز مثلاّ الى الشرطي، ثم قُلبت اقسامها اللفظية لتعني المعنى نفسه، وما لبثت ان تحولت ايضاً للوصول الى كلمة اخرى لا تمت الى الاساسية بصلة... لكنها تعني المعنى نفسه. اما العبارات المشبهة، فحدّث ولا حرج في مفهومها المختلف كلياً. فبعدما كان فعل"فيّل"يعني في لبنان ان الشخص يكذب علناً ويبتكر قصصاً لا تمت الى الواقع بصلة، باتت الكلمة نفسها بعد جيل واحد تعني ان الشخص محظوظ كأنه يملك فانوساً سحرياً يسمح له بتحقيق كل امنياته. أمر محتّم التكنولوجيا اتت بدورها لتخرّب اللغة، اكانت عربية ام اجنبية. اولاً عبر ادخال عبارات غربية عليها مستقاة من المفردات التقنية، وثانياً عبر الاختصار في التعابير بسبب الرسائل المكتوبة على الهاتف وشاشة الكومبيوتر. فما من عبارة تكتب كاملة ولا من جملة تكون مفيدة عبر استعمالها فاعلاً وفعلاً ومفعولاً به. فبات المستمع يتلقى عبارات مثل"سيّفت"الموضوع، اي"سجلته" في الكومبيوتر، وپ"شيّكت"عليه، اي تفقدت مضمونه للمرة الأخيرة. اما الرسائل المكتوبة فتخطت اللغة المحكيّة الى اللغة المكتوبة توفيراً للوقت... وللأحرف المطبوعة، في البلدان العربية والغربية على حد سواء. ففي الاولى، اختلط الحابل بالنابل، وباتت العربية مكتوبة بأحرف لاتينية وتتخللها الارقام لترمز الى المخارج الصوتية غير الموجودة في اللغة الاجنبية. فالرقم 7 يرمز الى حرف الحاء، والرقم 3 يرمز الى حرف العين، والرقم 2 الى الهمزة... اما اللغة الانكليزية فباتت مهددة مباشرة في قواعدها وأدبها نظراً الى اختصار بعض كلماتها بحرف واحد فقط، مثل you التي تكتب بu، ناهيك بالعبارات التي باتت تحتاج الى قاموس خاص لفهم اختصارها. فمن يدري معنى G2G؟ اي يجب ان اذهب go to go، و404 اي لا اعلم بالإنكليزية، وAEAP وSUITM اي في وقت باكر قدر الامكان للعبارة الاولى، واراك في الصباح للثانية وبالإنكليزية طبعاً. وبما ان العبارة الواحدة قد تدلّ على معنيين او اكثر، فإن العادة درجت على أقرانها برسم صغير smiley يعبّر عن معناها، فيكون رأساً كاريكاتوريا يبتسم او يغضب او يبكي وفق المعنى المطلوب. وباتت الرسائل القصيرة الشغل الشاغل لكل الشباب من السابعة حتى الخامسة والعشرين، تحل محل الحديث والتخاطب وباتت ملازمة لهم بشكل لافت بحيث تؤثر مباشرة في واجباتهم المدرسية وامتحاناتهم التي يكتبون نصوصها أحياناً كثيرة بلغة مختصرة لا يفهمها اي مصحح او مدرّس. وتنتشر هذه الرسائل بشكل واسع وكبير دق ناقوس الخطر عند علماء اللغة. اذ ان الارقام وحدها تشكل افضل اثبات لخطرها الذي دفع بالبعض الى طبع قواميس خاصة بهذه العبارات نظراً الى تشعبها ووفرتها. ففي حزيران يونيو من العام 2001، ارسل المراهقون الاميركيون 30 مليون رسالة قصيرة من هواتفهم المحمولة. وارتفع هذا الرقم بعد سنة واحدة ليصل الى مئة مليون رسالة تحديداً... والرقم في ارتفاع مستمر ومتواصل. وتبدو هذه الرسائل منتشرة اكثر بين الشريحة الشبابية. اذ اثبتت دراسة اميركية في عام 2001 ان 43 في المئة من الشباب الذين تراوح اعمارهم بين 12 و17 عاماً يرسلون رسائل قصيرة باستمرار فيما تتدنى هذه النسبة الى 25 في المئة للذين تراوح اعمارهم بين 30 و34 عاماً. وانكب علماء النفس على دراسة معنى الانتشار اللافت لهذه الرسائل. واستخلصوا انها تشكل افضل وسيلة للتعبير بالنسبة الى المراهقين الخجولين والمنطوين على أنفسهم. كما استبعدوا ان تشكل خطراً حقيقياً على اللغة المحكومة بالتطور، وفق رأيهم. فاللغتان العربية والإنكليزية اللتان كانتا سائدتين في القرون الوسطى ليستا ابداً مفهومتين اليوم، وهما كانتا تستعملان مفردات منبوذة ومنسية في العصر الحديث. اما تحوّل التكنولوجيا فرداً من العائلة العصرية فهو امر محتّم وبات يؤثر في طريقة التواصل في المجتمع، وفق ما اكد علماء الاجتماع الذين تخوفواً من ان يتبدل التواصل الاجتماعي العام جذرياً. فالرسائل القصيرة مثلاً باتت وسيلة فضلى للدعوة الى الاضرابات والمسيرات الاحتجاجية، كما حصل في الفيلبين العام 2003 حيث سار مئات الآلاف لإسقاط الرئيس المتهم بالفساد بعد تلقيهم دعوة التظاهر عبر رسائل قصيرة على هواتفهم النقالة. كما باتت هذه الرسائل وسيلة المخاطبة المفضلة بين الشباب مهما كانت جنسيتهم وهويتهم وانتماءاتهم العقائدية والدينية.