تستطيع جويس كارول اوتس ان تكتب عشر ساعات يومياً لكن ذلك لا يعني ان الكتابة سهلة. تشعر بالتوتر والقلق، ويسرع نبض قلبها، وتحاول ان ترى المشهد وهي تكتبه حتى تصل الى النهاية التي لا تعرفها مسبقاً. الكاتبة الاميركية القوطية الشكل بشعرها الاسود وجلدها الشاحب وفمها الاحمر تبدو احياناً وسيطة لشخصياتها لا صانعتهم."لا اقول انني كاتبة، وأجد في ذلك ادعاء وتعظيماً للذات. انا اولاً وأخيراً معلمة، والكتابة ليست مهنة بل سلوك قهري". تعيَّر اوتس بغزارتها لكنها تدفع التهمة بلفت المتهم الى تشارلز ديكنز وجون ابدايك وستيفن كينغ. ربما كانت غزارتها ما دفعت ترومان كابوت الى انفعال مثير للدهشة:"انها اكثر المخلوقات المثيرة للقرف في اميركا، ومسخ مضحك علينا قطع رأسه في قاعة عامة". كتبت اوتس اكثر من مئة كتاب في الرواية والمسرح والشعر والمقال والأدب البوليسي في حين ألّف كابوت بضعة كتب ثم عجز عن الكتابة. قد تتعلق الغيرة أيضاً بكون اوتس امرأة لم تدمن الخمر او المخدرات او تصاب بانهيار او تخسر زوجها الذي لا يزال هو نفسه منذ خمسة وأربعين عاماً. جون ابدايك راسل اوتس سنوات عدة ويرى انهما كاتبان من الطبقة العاملة. اذا اخذ المرء الكتابة جدياً، يقول، وكتب بانتظام من دون ان يكرس طاقته للحياة اللاهية والشرب والمخدرات وحياة المشاهير فإنه يكتب"كمية مرعبة"خلال حياته. صدرت لأوتس روايتان في بريطانيا في النصف الثاني من 2005"اغتصاب: قصة حب"عن اتلانتيك بوكس وپ"ام، مفقودة"عن فورت استيت. تبقى في الروايتين على وفائها للعنف الصارخ في أدبها وتقول انها"تراقب"باهتمام طريقة تكيف شخصياتها مع مآسيهم وتخطيها نحو مستقبل مختلف. اثار جمعها الاغتصاب والحب في عنوان واحد نقد كثيرين لاعتبار الغربيات الاغتصاب اصعب ما يمكن ان يحدث لهن، وفق دراسة. لكنهما لا يطلان من باب واحد بل يتبع الاغتصاب المدمر حب صامت غير متوقع. تتعرض تينا ماغواير للاغتصاب الجماعي والضرب من بضعة مراهقين تعرفهم وهي عائدة مع ابنتها ليلاً الى منزلها بعد حضورها الاحتفال بالرابع من تموز في بلدة نياغارا فولز. ربما كان الفرح الذي شهدته منعها من اعتماد الحيطة وجعلها تفضل التمتع بالليلة الساحرة وسط الحديقة العامة حيث كانت تذهب مع زوجها الراحل. يظنها الفتية ماتت لكنها تعيش لتكتشف ان الكابوس لم ينته. يشمت بها اهل البلدة ويحملونها المسؤولية. امرأة في الخامسة والثلاثين ترتدي ملابس المراهقات وتذهب وحدها الى المشرب وتعبر الحديقة الموحشة ليلاً. الشابة المرحة الجذابة فقدت قسماً من شعرها في الاعتداء وبعضاً من ذاكرتها وباتت صلعاء ضائعة تجد صعوبة في الكلام. تخسر المعركة ضد الفتيان الذين يمثلهم محام لامع لكنها تجد العدالة لدى شرطي وجندي سابق حارب في الخليج. عندما يرى درومور تينا تعامل كأنها هي المذنبة يحمل مسدسه ويلاحق المعتدين ليقتلهم واحداً واحداً. كان الدافع الى كتابة"اغتصاب: قصة حب"ثورة أوتس على تعامل النظام القضائي الاميركي مع ضحايا جرائم الجنس وعمله بطريقة تجعله يحمي حقوق المتهمين اولاً. بطلة الرواية ضحية النظرة التي تقسم النساء الى عذراوات وعاهرات، لكن هل تعتبر الكاتبة الجندي السابق بطلاً؟"ليس بطلاً لكنه تصرف ببطولة. ما يفعله ليس قانونياً لكنني لا اعتبره لا اخلاقياً". لا علاقة لذلك بقيم العهد القديم ودعوته الى الانتقام، وهي تعارض عقوبة الاعدام التي تطاول الفقراء والسود غالباً وينجو منها الاثرياء الذين يستطيعون الاستعانة بمحامين لامعين باهظين. في"أم، مفقودة"تصوِّر العنف بدقة لا هوادة فيها كأن عينها كاميرا مصور الشرطة. تتجه امرأة ثلاثينية الى منزل امها في ضاحية نيويورك لتجدها قتيلة مصابة بطعنات عدة. لا تفهم الدمار العبثي لپ"حياة عادية"وتحاول ان تتابع حياتها هي وسط شوقها الى والدتها وفقدانها بهذه الطريقة. لكن الحزن الذي يهب موجات موجهات يتدخل ويفرض منظوراً آخر على الشابة المنفرة الشائكة الطبع."أم، مفقودة"اعادت التساؤل حول ضرورة التضحية بالنوعية من اجل الكمية، لكن الكاتبة التي لم تنجب لأن عاطفتها الاموية ضعيفة لديها كل الوقت للكتابة وهذه"سلوك قهري"وفق تعريفها. تأتي جويس كارول أوتس من تاريخ طويل من العنف يمتد الى والد جدها لأبيها الذي قتل زوجته بمطرقة ثم اطلق النار على نفسه. جدها لأمها كان مهاجراً هنغارياً قتل في شجار في حانة وترك لزوجته تسعة اولاد بلا معيل. اعطت طفلتها، والدة اوتس، الى اقرباء وأمضت الكاتبة طفولتها في مزرعة جديها خارج نيويورك. تعرضت للنهر والتحرش الجنسي لكنها تهوّن من اثر ذلك:"كل طلاب الصف تعرضوا للنهر. ما حدث لي يعني انني استطيع الكتابة عن التحرش من موقع العارف، لكن ذلك لا يعني انني كنت وحدي موضوعاً له او انني تعرضت للاغتصاب". ترفض تصويرها ضحية وتستخدم شخصياتها بدائل عنها في اصرار لم يعرفه كاتب اميركي آخر على نقل العنف بطرفيه: الجلاد والضحية."أعتقد ان الفن الجدي آثم، واذا ازعجت الناس فانهم سيعاقبونك". تناولت القتل والتعذيب والاغتصاب والتحرش والجنس مع الحيوانات وحب المحارم وأكل البشر. في مقال لها في"ايمان الكاتب: الحياة، الحرفة، الفن"قالت انه"كلما تعرضنا للاذى بحثنا عن عزاء في الخيال. المفارقة انه كلما زاد عملنا الخيالي في عزلتنا كبر تعرضنا للاذى بالنقد ورد الفعل الشعبي له. وهكذا ننسحب ثانية الى الخيال ضامنين المزيد من الاذى". ترد بقوة على النقد السلبي لأعمالها، ويلفت جون ابدايك في هذا الاطار الى العداء التقليدي للمرأة اضافة الى غزارة أوتس وتنوعها وجديتها."الكتاب الذين نتفق على الاعجاب بهم مثل بيكيت وكافكا وت. س. اليوت ليسوا غزيري الانتاج. نحب الكمية الصغيرة لكننا بدلاً من ذلك نرى انتاج جويس كارول اوتس فكتوري الغزارة من دون الجمهور الفكتوري. انها بطريقة ما تعيش خارج زمانها". على ان ابدايك يرى لديها استعجالاً يمنعها من اعطاء البهجة التي نجدها لدى كتاب آخرين، ويجد اننا قلما نعثر وسط هذه الوفرة على الدرر التي ينتجها كتاب اقل غزارة. لهت بالرسم قبل ان تقدم لها. حدتها"أليس في بلاد العجائب"التي وجدت فيها خلاصاً ووسيلة للتقدم في العالم. كانت اول من انهى الدراسة الثانوية في اسرتها، ونالت منحة دراسية من جامعة سيراكوز. في عيد ميلادها الثامن عشر ولدت لين آن، شقيقتها المصابة بتوحد شديد. لم تنطق كلمة واحدة لتلف في الدماغ وپ"كان يمكن ان تكون أنا بكل سهولة، تشبه احدانا الاخرى بقوة". هل تعوض اوتس بالكلمات، الكلمات، الكلمات التي امتدت اكثر من تسعمئة صفحة في"شقراء"؟ حكت حياة وموت مارلين مونرو ورأت شبهاً بين الممثلة وامها. كلاهما لم تعرف اباها وتعرضت لرفض والدتها. لم تستطع والدة مونرو المختلة ان تحبها وجعلتها تشعر طوال حياتها ان لا احد يريدها."كانت مثقفة حقيقية وكتبت الشعر وأخذت دروساً طوال حياتها. لكن الناس قالوا انها كانت شقراء غبية وتغاضوا عن حياتها الداخلية الرقيقة". ترى ان انسحار ثقافتنا بالشهرة يعود الى رغبة دينية بالتسامي."لا يشعر الناس اليوم انهم سيكافأون بالخلاص او الحب الإلهي كما كان الحال في الماضي عندما كان العالم مكاناً محدوداً تنتظره الآخرة اللانهائية. يشعر الناس اليوم ان هذا هو العالم الوحيد ويتوقون الى التسامي فيستبدلون مريم العذراء بمادونا والأميرة ديانا". تعلِّم اوتس الادب الانكليزي والكتابة الابداعية في جامعة برنستون، وكانت روايتها عن مارلين مونرو اكثر ما كتبته كما قالت لغريغ جونسون كاتب سيرتها. يأسرها العفن الكامن تحت الحلم الاميركي، ويعتقد جونسون ان كتابتها علاج نفسي للعنف الذي شهدته وخبرته. رأت في طفولتها فتيان المزارع يتدربون على الصيد ويجعلون حياة الآخرين جحيماً بالعنف الجسدي والنفسي وحب المحارم بين فتى في الثالثة عشرة وشقيقته التي صغرته بسبعة اعوام. لا يبلغ كاتب اميركي درجة تعاطفها مع المراهقات وفهمها لهن واضفاء انسانية وكرامة عليهن يعجز حتى الاهل عن منحها. تكتب جيداً عن الرجال من منظور رجالي ويهمها عنفهم الصامت وعارهم وشرفهم الذي يجد شريكات سلبيات معذبات غالباً. الانوثة تراجيدية عند اوتس وهي سبب الاساءة الى النساء سواء كن جميلات أو غير جميلات ما يكفي. بدأت بالكتابة الواقعية متأثرة بطفولتها الريفية والحياة في ديترويت، ونالت جائزة الكتاب الوطني عن"هم"التي صورت حياة عائلة بيضاء فقيرة وسط اندلاع الشغب العنصري. الناقد الاميركي الشهير هارولد بلوم يتأثر بتماهي الكاتبة مع الذليل والجريح وافراد الطبقة السفلى."ليست كاتبة سياسية او ثورية اجتماعية بطريقة صريحة، لكنها روائيتنا البروليتارية الحقيقية. في"بلاد العجائب"تلاحق جيسي الذي ينجو عندما يقتل والده افراد اسرته ثم ينتحر لخسارته كل شيء في حقبة الركود. جيسي بطل ديكنزي يصارع خلفيته الشخصية وعيشه مع عائلة مصابة بالشره المرضي ليصبح جراح اعصاب. في"الاشباح الجائعة"تناولت اضطرابات الطعام ورأت انها تتعلق بالسيطرة على النفس والحياة التي تتطلب مجهوداً خارقاً. في مرحلتها الثانية في اول الثمانينات، كتبت خمس روايات قوطية ما بعد حداثية لأن خطر انحلال الذات"موضوع قوطي، مركزي لدى بو ادغار ألن وه.بي لافكرافت، الكاتبين القوطيين الكبيرين". رأت القصة القوطية شكلاً من اشكال"السيرة الذاتية النفسية"ومشابهة لكتابات كافكا. كانت"بيلفلور"التي صدرت في 1980 افضل نتاج تلك المرحلة وأول كتاب دخل لائحة الافضل مبيعاً، لكن عدم نجاح سائر الروايات القوطية اعادها الى الواقعية فكتبت"ماء اسود"التي استندت الى غرق صديقة ادوارد كينيدي في تشابا كويديك ولفلفة موتها لانقاذ مستقبله السياسي. كان بطل"زومبي"قاتلاً بالجملة وموضوع"كنا آل ملفيني"الاساءة الجنسية و"فتاة الوشم"اللاسامية. نقل المسرح ستين عرضاً لها حتى منتصف التسعينات لكن النقد لم يصفق دائماً، وأخذ عليها قلة انشغالها بالثقافة المعاصرة.