رغبة وأمومة تنتج كتابين او ثلاثة كل سنة لكنها تنزعج عندما يذكر احدهم الغزارة كأنها تهمة مبطّنة بهبوط المستوى. "انظر الى ستيفن كينغ وتشارلز ديكنز وجون أبدايك" تقول جويس كارول اوتس عن الروايات والقصص والنقد والمسرحيات والقصائد والمقالات التي تصبّها يداها. تتجاهل ان كينغ يكرر الصيغة نفسها وأن مجد أبدايك بات خلفه، وتحافظ على مستوى رفيع وأسلوب متجدد في الكتابة. الى ذلك تُعلّم الكتابة الإبداعية منذ اكثر من عقدين في جامعة برنستون، وتكتب روايات التشويق باسم روزاموند سميث وتلتقي الأصدقاء مرتين او ثلاثاً كل اسبوع. هل لديها الوقت لتنام؟ رواية أوتس الثلاثون "منتصف العمر: حب" صدرت عن فورث استيت، واشتركت مع جون أبدايك في تناول هذه المرحلة الحاسمة من الحياة. ولكن في حين يبدأ الكاتب بالجنس تبدأ الكاتبة بالموت الذي يغيّر مسار اربع نساء ويدفعهن الى مواجهة الأسئلة ومحاولة الإجابة عليها. اثناء الاحتفال باليوم الأميركي الوطني في 4 تموز يوليو يحاول نحّات إنقاذ فتى من الغرق في النهر لكنه يتوفى ويترك عشيقاته الأربع وسط حياتهن الفارغة التي تلونت في الماضي بحبه. يبحث البعض عن حريته والبعض الآخر عن الإحساس بالحياة العادية، ويكتسب الجميع معرفة أكبر بالنفس وما حولها. هل الكتابة الغزيرة لدى أوتس رغبة او أمومة؟ تزوجت في الحادية والعشرين ولم تنجب: "لا اعتقد ان احساسي بالأمومة قوي". لا يتعلق ذلك بمبدأ ولكن بتطور الأمور، ولو أنجبت لما تمكنت من انجاز كل ما فعلته. تعرضت للتحرش الجنسي في طفولتها ولمضايقات زميلاتها في المدرسة، وتقول انها لم تعانِ من ذلك. كثيرون يواجهون الاستضعاف والتحرش: "كانت هناك فتيات لحق بهن الأذى الجنسي من أشقائهن، لم اواجه ذلك". زوجها الذي تنشر معه "ذي اونتاريو ريفيو" صديقها وتقول مثل الشاعر الانكليزي ه.و. آودن ان ابداء الغيرة او الحسد امر كريه لمن كان محظوظاً مثلها. أتت من اسرة عاملة فقيرة، ويقرأ ابواها كل ما تكتبه ويفرحان بالمقاطع التي يتبينان فيها امراً يعرفانه. ولدن في لوكبورت، ريف نيويورك، وتألفت مدرستها الابتدائية من غرفة واحدة. مذ أعطيت آلة طباعة هدية وهي في الرابعة عشرة باتت الكلمة عالمها، وأتى النجاح باكراً مع حصولها على جائزة "مدموازيل" الأدبية في الجامعة. قد تكون "هم" التي نالت جائزة الكتاب الوطنية اهم رواياتها. استوحت "الحقيقة الاميركية العنيفة" في "هم" وغيرها من عيشها في ديترويت التي شقها التوتر الاجتماعي. "ديترويت، موضوعي الكبير، جعلتني الشخص الذي أنا عليه، الكاتبة التي أنا عليها، في الجيد والسيئ". يقول نقّاد انها كتبت على كل الخريطة الجمالية وأنها عندما تكتب عن موضوع تعرفه جيداً تسير بيننا مثل "آلهة ضارية". فوق مكتبها قول لكاتب اميركي غزير مثلها، هنري جيمس: "نعمل في الظلام، نفعل ما نستطيع، نعطي ما نملك. شكّنا هوانا، وهوانا مهمتنا. الباقي جنون الفن". العام الماضي ألّفت كتاباً من نحو ألف صفحة عن مارلين مونرو التي كتب عنها ايضاً نورمان ميلر وآرثر ميلر. لم تكن شقراء غبية، قالت الكاتبة، بل انسانة حساسة مثقفة كتبت الشعر وتلقت دروساً خصوصية طوال حياتها. اما زوجها، آرثر ميلر، فكانت عيناه شبيهتين بجاربين بلي طرفهما. بعد قرن في الأيام الثلاثة الماضية اشترك ألف تلميذ بريطاني في الحفلات المدرسية الموسيقية امام جمهور من 5500 شخص في كل حفلة في ألبرت هول، لندن. لكن كلمات "بلاد الأمل والمجد" التي واكبت موسيقى ادوارد إلغار في 1901 تغيرت بعد قرن كامل بعد احتجاج اتحاد المعلمين الوطني. "بلاد الأمل والمجد، أم الأحرار، كيف نمجدك، نحن المولودين منك؟ واسعة وستسع اكثر حدودك، والله الذي قوّاك سيجعلك اقوى بعد. الله الذي قوّاك سيجعلك اقوى بعد". الاتحاد خجل من الأبيات الأخيرة ووجدها "انتصارية وغير ملائمة" وسط مشاركة بريطانيا في الحرب على افغانستان، وامتنع منظمو الحفلات الذين استبدلوا قبعات رسم عليها العلم البريطاني وكان الموسيقيون والمنشدون الصغار سيرتدونها بأعلام دول الأممالمتحدة "تفادياً لجعجعة وطنية" لا يهضمها الجميع. وفي حين طالب الاتحاد بحذف موسيقى إلغار نهائياً من البرنامج تمسك المنظمون بها واكتفوا باستبدال الكلمات بأخرى: "الموسيقى وأصواتنا توحدنا كلنا كفرد واحد، ليقوى صوتنا وينشده الجميع، وتتعمق اكثر وأكثر الروابط بيننا، إجمع عالمنا واجعلنا أقرب، إجمع عالمنا واجعلنا أقرب". كانت "بلاد الأمل والمجد" تختتم المؤتمرات السنوية لحزب المحافظين قبل ان يجدها المحازبون الاكثر انفتاحاً تعبيراً عن ماضٍ امبريالي انكليزي لا يقبل الاجانب. عاش ادوارد إلغار سبعة وسبعين عاماً لكنه لم يستطع بلوغ مكانة عالية عالمياً، ولا يستغرب ذلك في بريطانيا الشهيرة بأدبائها والفقيرة بموسيقييها. كان اول موسيقي انكليزي بارز بعد هنري بورسيل الذي عاش في النصف الثاني من القرن السابع عشر، وعبّر بموسيقاه الانكليزية المميزة عن ازدهار بلاده في حقبة ادوارد السابع، وريث الامبراطورية الكبيرة عن والدته الملكة فيكتوريا. كان عازف كمان بارعاً وعزف الأرغن في الكنيسة لكنه لم يتابع دراسة في التأليف. "تنويعات على اللغز" التي عزفت بآلات مختلفة جلبت له الشهرة في اواخر القرن التاسع عشر عندما كان تخطى الأربعين. تخلى بعد عام عن السرد والمنشدين الجماعيين في "حلم جيرونتيوس" واعتمد نسيجاً موسيقياً مستمراً كما في اعمال ريتشارد فاغنر التمثيلية. لم يعجب الأسلوب مواطنيه، لكنهم ما لبثوا ان تحمسوا له واعتبر بعضهم العمل تحفته عندما وجد نجاحاً كبيراً في ألمانيا. كان أعلن الحب لكارولاين أليس روبرتس في "تحية الحب" وتزوجها سعيداً عندما كان في الثلاثين. أثّرت فيه شخصاً وموسيقياً، وعندما توفيت بعد واحد وثلاثين عاماً تقلص عمله الى درجة بالغة، لكن صديقه الكاتب جورج برنارد شو حثّه على الاستمرار. كان ترك العاصمة الى الريف الذي منح عمله سكينة وحنيناً وإن بقي هذا انكليزياً كسائر اعماله الأوركسترالية الشهيرة. في الحرب العالمية الأولى كتب مقطوعات حماسية منها "بلاد الأمل والمجد" وعندما توفي في 1934 خلّف ثلاثة اعمال لم ينجزها، سيمفونية ثالثة وكونشرتو للبيانو وأوبرا. وظيفة رائعة تروي الرائدة النسوية كيث ميليث علاقتها المعقدة بوالدتها في "الأم ميليث" الصادر عن "دار فرسو". كانت هيلين نسوية عملت من اجل الحقوق المدنية وحقوق المثليين وتظاهرت ضد حرب فيتنام وتحولت سيدة اعمال محترمة. لكنها فقدت ادراكها في اواخر عمرها فوضعت في مصح يتلقى بدلاً باهظاً عن خدماته الرفيعة. هناك وجدت كيث نفسها امام "حيوان صغير جريح رُبط بقماش ابيض". خدّر الموظفون المرضى وربطوهم الى أسرّتهم، وما ان رأت الأم ابنتها حتى قالت: "بما انك اتيت نستطيع الذهاب الآن". الأم التي حاولت ان تخضع كيث لعلاج نفسي رسمي يجعلها سجينة للدولة تريدها منقذة لها. هي التي فقدت حريتها وأدركت جيداً ان كيث وحدها القادرة على فهم وضعها بين اولادها. لم تكن رائقة التفكير عندما هرّبت والدتها من المصح منتصف الثمانينات لكنها ما كان بإمكانها إلا أن تلبّي. كانت كتبت حديثاً عن تجربتها في العلاج النفسي ونشطت ضد إلزاميته وتهديده حرية الفرد. عانت من الاكتئاب الجنوني فلجأت أسرتها الى الحيلة لإرسالها الى مصح، وعندما وجدت والدتها نفسها سجينته عرفت على مَنْ تعتمد. في 1993 حاولت مع والدتها انقاذ خالتها من ورطة مماثلة لكن هذه توفيت وتبعتها الأم بعد ثلاثة اسابيع. في 1970 هاجمت رموز التحرير الجنسي من اليهودي النمسوي سيغموند فرويد، مؤسس التحليل النفسي، الى الكاتب الانكليزي د.ه. لورنس وزميليه الأميركي هنري ميلر والفرنسي جان جينيه. قالت في "السياسات الجنسية" ان الجنس استخدم ركيزة للسلطة التي اخضعت النساء وأضعفتهم شخصياً وجماعياً. استشهدت بأمثلة من الأساطير والأدب، وبدأت بآدم وحواء اللذين ابتكرت اليهودية والمسيحية جماعهما الجنسي بالتشديد على الطهارة والخطيئة. ارتبط الجنس عند النساء بالخطيئة وشكل نمطاً اساسياً في المجتمع الغربي الأبوي بعد ذلك. كانت حواء اولى النساء في سلسلة من العذراوات والعاهرات في الفكر اليهودي - المسيحي، وجلبت الويلات على الجنس البشري عندما أقنعت آدم بأكل التفاحة. ولا تزال النساء حتى اليوم يحددن بمفهوم جنسي: الطهارة والخطيئة. أثار "السياسات الجنسية" عاصفة وشكّل ولادة النسوية المتطرفة، لكن ميليث تتحسّر اليوم لأن كل ذلك النشاط الفكري والاجتماعي لم يُترجَم قانوناً. جيل النسويات الأول في عشرينات القرن العشرين نال حقوق التصويت والملكية والتعليم "وما الذي نلناه؟ حقوق المثليين التي كان الفضل فيها للرجال كما النساء. حصلنا على حق الإجهاض، لكننا نخسره بعد ظهر كل يوم". تدير صناعة قائمة على شجرة الميلاد في مزرعتها في نيويورك التي تحوي مستوطنة للفنانين. تناضل ضد العلاج النفسي القسري والتعذيب وتطالب بإصلاح نظام السجون. لم تنجب ولا تستطيع ان تعتمد على ابنة "مشاغبة" مثلها لتخلّصها كما فعلت هي مع امها. لكن اصدقاءها الكثر سندها، ويكفيها اليوم خلق المشاكل: "وظيفة رائعة. لا انال راتباً ولكنني اخوض مغامرات كثيرة".