يعرض قصر المتاحف الفرنسية اللوفر ابتداء من 24 شباط فبراير وحتى 15 أيار مايو 2006، ثروته من لوحات ورسوم المعلم الكلاسيكي جان أوغست دومينيك آنغر 1780 - 1867. عُرف باسمه المختزل"آنغر"، لكن طول اسم عائلته يشير الى منبتها الأرستقراطي، ووالده كان نحاتاً معروفاً. هو ما هيأ للابن تعليماً أكاديمياً مثالياً أوصله الى الكمال التقني لدرجة الإعجاز في الرسم، ناهيك عن تعلمه الجدي لأصول عزف الكمان. عاش هذا المصور في اعقاب الثورة الفرنسية، في عصر نابليون بونابرت. بسبب موهبته الفذة التحق عام 1796 بمحترف المصور الرسمي دافيد الذي اختص بتصوير تتويج بونابرت وزواجه من جوزفين، ضمن تكوينات سردية عملاقة عرفت"بالكلاسيكية المحدثة"، بمثالها النموذجي الملحمي اليوناني - الروماني، لم يترك دافيد بصماته على آنغر كما على بوجيرو. وفي الوقت الذي حقق دافيد شهرة وسلطة نجومية بلاطية لارتباط مجده بنابليون ظل آنغر أكثر تأملاً وارتحالاً، تتقاسم إقامته باريسوروما، وذلك ابتداء من عام 1801 الذي حصد فيه الجائزة الكبرى في روما لوحة السفراء، هو ما سمح له بالاستقرار في روما ابتداء من 1808 وحتى 1814 بعد ان سقط احتلال بونابرت عنها. وتراجع الطلب على لوحات آنغر سواء"الميثولوجية"منها ام"البورتريه"الذي بز فيه معاصريه ومثاله بورتريهات عائلة ريفيير، فاتجه الى رسم البورتريهات بمادة القلم الرصاص، هي التي اثارت فنياً بيكاسو فأعاد رسمها مرات مثلها مثل لوحة"الحمام التركي". يقارن آنغر بموزار ورفائيل وأبولون، فقد كان يملك موهبة تقنية هائلة في الرسم والتخطيط، يقول هو نفسه بهذا الخصوص: بأن"التلوين والظل والنور ليست سوى رداء للتخطيط والرسم"، لذلك وسمه بودلير بعد ذلك"بالإرادة الخارقة حتى حدود التطرف"، كان ينتقد روبنز صراحة ويقول إنه اشبه بصاحب مسلخ بسبب خفة تصويره للحم زوجته بفرشاة عريضة، كما عانى من سخطه دولاكروا بدوره حين وصفه بأنه"ملك البشاعة"وأن أداءه همجي متوحش. كان الخلاف بينهما متبادلاً مثل الخلاف بين التيارين الذين يمثلهما: الكلاسيكية المحدثة والرومانسية، روت جورج صاند ذات مرة على لسان دولاكروا نقداً لآنغر مفاده ان"حدود الظل والنور مقسمة بحدة المسطرة والفرجار"، لعله من الجدير بالذكر ان متحف دولاكروا باريس يقيم معرضاً متزامناً يسجل هذا الاختلاف بين القطبين، وكذلك امر متحف آنغر في مدينة ولادته"مونتوبون"يعرض بدوره ثروته الخاصة من لوحات آنغر. يكشف هذا الصراع تأثر آنغر بفلسفة تقسم الإبداع الى مدرسة أبولونية ومدرسة يونوزيسية، تنحى الأولى منحى جمال النسب والهندسة وتشطح الثانية باتجاه العاطفة الجامحة. اذا اجتاحت باريس"البونابرتية"روما عسكرياً، فقد استعمرت المدرسة"الإيطالية"فرنسا ثقافياً. بونابرت يشق تنظيم عاصمته على اساسها ويشيد اقواس النصر نفسها، نلاحظ ان اغلب بنائي القصور والنحاتين كانوا من الطليان لنذكر تمثال بولين اخت بونابرت الذي نحته كانوفا، لذلك فقد حاول دافيد مثل امبراطوره ان يجعل من التقاليد الفنية اليونانية ? الرومانية ختماً ثقافياً وطنياً. آنغر بدوره عاشت لوحاته"ميثولوجية"ابولون وآشيل ومارس وهوميروس. لكن اصالته تجاوزت هذه المقاييس الجاهزة والثابتة في مفهوم الجمال الإغريقي. يصيب المتأمل للمعرض رعشة"ميتافيزيقية"تتجاوز حصر عبقريته في قمقم دافيد وپ"الكلاسيكية المحدثة". لم تستثمر إمكاناته التأملية للأشكال إلا من قبل الأجيال التالية، ما بين سيزان وبيكاسو، فتاريخ الفن الفرنسي حافل خصوصاً في مثل هذه المراحل بالتعسف التقويمي النقدي، يختزلون آنغر الى مصور بورتريه وشاردان الى مصور طبيعة صامتة ومونيه الى رسام مناظر، جورج دولاتور رامبرانت فرنسا لم يُعرف حتى منتصف القرن، وهكذا حتى صحح القرن الأخير هذه الخفة. يكفي ان نراجع ظهر لوحة"المحظية"وأن نتذكر اتهام الأكاديميين لآنغر بأنه اضاف فقرتين، حتى ندرك وعورة تجديدات آنغر ومقدار ثورته على القوانين الجاهزة.