كان لقاء العماد ميشال عون والسيد حسن نصرالله مثقلاً بالرموز. عقد اللقاء في كنيسة حفظ اللبنانيون اسمها لوقوعها على خط تماس ساخن في الحرب الاهلية - الاقليمية التي عاشها لبنان. فهل اراد الزعيمان القول انهما يتطلعان الى شطب خطوط التماس من حاضر اللبنانيين؟ ام تراهما اختارا اللقاء في منتصف الطريق وعلى"الحدود"بين الطائفتين؟ ثم ان مشاركة زعيم"حزب الله"في اجتماع في كنيسة تشكل بدورها رسالة الى جمهور"التيار الوطني الحر"وطائفته. ولعلها الصدفة شاءت ان ينعقد اللقاء الاول بين الرجلين غداة مهرجان الاستباحة الذي شهدته العاصمة والذي كان يمكن ان يكون شرارة الفتنة لولا تعقل من استهدفوا وحصافة رئيس الحكومة وعدد غير قليل من القيادات السياسية والدينية. لا تتوقف مسألة الرموز عندما تقدم. فقد عقد اللقاء بين الزعيم الذي لا يزال يقاوم اسرائيل بعدما قدم في الحرب معها فلذة كبده، وبين الزعيم الذي كان يقيم في قصر بعبدا حين امر مدفعية الجيش اللبناني ان تدك مواقع ما كان يسميه"الاحتلال السوري"ودفع ثمن مواقفه ومدافعه اقامة مديدة في المنفى. وهو عقد بين الرجل الذي يقيم تحالفاً استراتيجياً مع سورية وعلاقة شديدة الخصوصية مع ايران الاسلامية وبين الرجل الذي كان يحاول طرق كل باب ممكن بما فيه باب الكونغرس الاميركي لمحاسبة سورية واخراجها من لبنان. وفي النهاية كان اللقاء بين الزعيم الشيعي الأقوى والزعيم المسيحي الأقوى على الاقل في الوقت الراهن. لم يكن قرار اللقاء والاتفاق سهلاً على الرجلين لكن حاجة متبادلة دفعتهما الى اتخاذ القرار. على رغم قوته وشعبيته وجد"حزب الله"نفسه خلال سنة او ما يزيد قليلاً أمام مشهد متزايد الصعوبات: القرار 1559 واغتيال الرئيس رفيق الحريري وانسحاب القوات السورية على وقع الاتهامات والضغوطات الدولية والاقليمية. ووجد نفسه ايضا امام اكثرية نيابية وشعبية تسأله عن علاقة المقاومة بالدولة ومصير ترسانة الحزب بعد تحرير مزارع شبعا واستعادة الأسرى. ولاختراق هذا الحصار اذا صحت التسمية كان خيار الاتفاق مع عون اشبه بفرصة. في المقابل لم يلمس عون من المنضوين في حركة 14 آذار مارس استعدادا للتسليم له بالموقع الذي يعتبر انه يستحقه فقد كانوا يبحثون عن حليف لهم لا عن زعيم يقودهم. وبدا واضحاً ان طريق بعبدا لا تمر ب14 آذار اذا كان اسم الراغب في المرور ميشال عون. كانت الانتخابات النيابية فرصة عون لبدء اجراءات الطلاق مع رفاق"انتفاضة الاستقلال". وكانت مواقف جنبلاط الأخيرة فرصة نصرالله لتشييع التحالف الرباعي. لا شك ان انعقاد اللقاء وفي مناخات الطلاق الطائفية والمذهبية الضاربة في المنطقة والتي عبرت الاحد الماضي عن شهيتها في الانتقال الى لبنان يشكل حدثاً ايجابياً ومفيداً. ولا شك ان اللقاء يشكل انقلاباً في موازين القوى خصوصا اذا تمكن كل من الطرفين من اقناع جمهور الطرف الاخر بصوابية هذا الخيار وضرورة تقديم كل التنازلات الممكنة لحمايته. ان الأمر أهم بكثير من كسب مقعد نيابي في دائرة بعبدا عاليه ومعاقبة وليد جنبلاط وسمير جعجع من دون ان ننسى سعد الحريري. فهذا التفاهم سيخضع لامتحانات متتالية تبدأ من مصير القرارات الدولية وتمر بالتحقيق الدولي وصولاً الى الوضع الأمني والاداء الحكومي والاستحقاق الرئاسي. طبعاً مع الالتفات الى ملفات خارجية يمكن ان ترخي بثقلها وبينها الملف النووي الايراني والعلاقات الاميركية - السورية. لا شك ان الرئيس اميل لحود حصل على فرصة جدية لالتقاط الانفاس. ولا شك في ان سورية تعتبر وضعها في لبنان بعد اللقاء افضل مما كان عليه قبله او اقل سوءاً. لكن السؤال يبقى عن احوال الدولة اللبنانية واستعداد طرفي اللقاء لتوظيف ثقلهما في دعم حق المواطن في الأمن واللقمة ومنع الانهيار الاقتصادي. والأكيد ان الأولوية الفعلية الآن ليست محاربة الفساد وان خلخلة الحكومة ليست افضل الطرق لمساعدة اللبنانيين على عبور المحنة. سيكون اللقاء تاريخياً بالفعل اذا قطع الطريق على سيناريوات الانهيار وفتح الطريق لالتقاء اللبنانيين في منتصف الطريق وتحت عباءة الدولة وأسس للقاء الدولتين اللبنانية والسورية في منتصف الطريق ايضاً.