يفترض ان يشهد شهر نيسان (ابريل) المقبل خطوات جديدة على طريق تطبيع العلاقة اللبنانية – السورية، بعد مضي 3 أشهر ونصف الشهر على انطلاق عملية التطبيع هذه بزيارة رئيس الحكومة سعد الحريري الأولى دمشق في 19 و20 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، والتي فتحت الطريق لعلاقة شخصية ولاتفاق على بناء علاقة من دولة الى دولة وعبر المؤسسات، الأمر الذي يعلق الحريري عليه أهمية وآمالاً لتحقيق نتائج إيجابية في الملفات العالقة بين البلدين خلال الأشهر المقبلة، باعتبار ان إصرار الرئيس السوري بشار الأسد على علاقة كهذه منطلق إيجابي للوصول الى إنجازات عملية. وترى مصادر سياسية بارزة ان المقاربة الواقعية للحريري في ما يخص العلاقة مع سورية، بعد المصالحة مع الأسد تقوم على اعتماد الإيجابية في بحث هذه الملفات، لأنها وحدها التي تحقق نتائج، فالعلاقة بين الدول، إذا كانت ستثمر إجراءات وخطوات لا يمكن ان تتم من منطلق التحدي، وطرح الشروط المسبقة. وتقول المصادر إن هذه المقاربة تفترض انه اذا كان للبنان مطالب عند الجانب السوري فإن تحقيقها لا يمكن ان يحصل إذا طرحت في أجواء ضاغطة، لا سيما من دول تدخل على خط العلاقة بين الدولتين، ولا من مسؤولي إحدى هاتين الدولتين أو من مسؤولي الدولتين معاً إذا استخدموا لغة وضع الشروط والتلويح بالسلبية في حال لم يتحقق ما يريدون. وعليه فإن المصادر السياسية نفسها، المواكبة للاتصالات اللبنانية – السورية تعتقد أن المقاربة الإيجابية من قبل الحريري للملفات المطروحة بين بيروتودمشق قادرة على تحقيق إنجازات وأن استمرار الحريري على هذا النهج سيسمح بالحصول على نتائج من العلاقة مع دمشق، خلال الأشهر المقبلة في ما يخص بعض القضايا ومنها المطلب اللبناني بالمساعدة على إنهاء موضوع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، والمباشرة بعملية لترسيم الحدود بين البلدين، بدءاً من الشمال... وإذ تترقب المصادر نفسها زيارة الحريري دمشق في 13 نيسان، فإنها تترقب أيضاً زيارة رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط إليها والتي بات المواكبون للاتصالات من اجل إتمامها ينقلون عن مقربين من القيادة السورية انها قد تتم في الأيام المقبلة وفقاً لجدول انشغالات القيادة السورية. وإذا كانت زيارة الحريري المقبلة تتم بعد مرحلة انتقالية من اختبار الجانبين بعضهما بعضاً، منذ الزيارة الأولى، فإن زيارة جنبلاط ستتم بعد مراحل تمهيدية عدة بدأت بتصريحات عن الحاجة لاستعادة العلاقة مع سورية قبل الانتخابات النيابية في حزيران (يونيو) 2009 وبعدها، مع تأكيده ان الأولوية هي لاستعادة علاقة الحريري مع دمشق، ثم إعلانه خروجه من تحالف قوى 14 آذار في 2 آب (اغسطس) العام الماضي، مع ما تسببه هذا الخروج من اضطراب في علاقته مع حلفائه ولا سيما الحريري، ومع جزء من جمهور حزبه وطائفته. وتزامن ذلك مع إيداعه الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله مسألة ترتيب إجراءات زيارته دمشق التي أرادت ان يمر الزعيم الدرزي عبره باعتبار انها ترى ان وقوفه الى جانب المقاومة في مواجهة اسرائيل هو أحد مقاييس فتح صفحة جديدة معه، واختبار مدى جديته في التحولات السياسية التي أعلن عنها في 2 آب، نظراً الى عدم الثقة بتقلباته، وبهدف حصر الاتصالات والوساطة معه بجهة واحدة بعد أن كثر أصحاب المساعي. وساطة نصر الله وكان لحصر الوساطة بنصرالله وظيفة أخرى في المرحلة الثانية من توجهات جنبلاط نحو دمشق هي تعزيز الثقة مع الحزب في مرحلة المصالحات الشعبية لتصفية آثار أحداث 7 ايار (مايو) 2008 بين جمهور الحزب وجمهور الحزب الاشتراكي والدروز، بالتعاون مع النائب طلال أرسلان، والتي تزامنت بمصالحات مع حلفاء سورية من النائب سليمان فرنجية مروراً بالعماد ميشال عون وصولاً الى الحزب السوري القومي الاجتماعي. وهي خطوات كان الغرض منها تطبيع العلاقة مع الحزب وتمهيداً للمصالحة مع القيادة السورية. أما المرحلة الثالثة من الاختبار السوري للعلاقة مع جنبلاط فجاءت بعد زيارة الحريري دمشق، والتي تكرّس بعدها ما أشيع قبلها، عن ان القيادة السورية تطالب جنبلاط بالاعتذار عن إساءاته إليها خلال اشتداد الخصومة. وتقول المصادر السياسية البارزة إن الأسد أبلغ الحريري الذي أثار المصالحة مع جنبلاط، ان المطلوب منه اعتذار علني. وهو ما نقله السيد نصرالله ايضاً الى الزعيم الدرزي، الذي كان أخذ قراراً بعدم تلبية هذا الطلب مستنداً الى اقتناعه بأن ما قدمه من تنازلات وما أقدم عليه من خطوات ومصالحات أكثر من كافية في السياسة، وأنه لم يعد مقبولاً ان يخذل جمهوره وحلفاءه الى هذا الحد، بعدما أخذ يقر في تصريحاته العلنية بأن هناك شريحة درزية لا تماشيه في تحولاته السياسية، وبعدما أخذ بعض قادة حزبه ينقل إليه تبرم القاعدة من التراجعات التي يقدم عليها وصولاً الى تأكيد هذا البعض ان جمهوره على رغم ثقته به وبقيادته، بات يتصرف على ان جنبلاط يبتعد عن حلفائه من دون ان يكسب أصدقاء جدداً وأن «حزب الله» يتصرف حياله على انه منتصر عليه ولا يقيم وزناً لتضحياته من اجل السلم الأهلي، وأن هذا الجمهور شديد الحساسية ضد أي خلاف بينه وبين آل الحريري. وإذ دفع كل ذلك جنبلاط الى الاستعاضة عن الاعتذار بتوضيحات في حديث الى جريدة «السفير» في 8 شباط (فبراير) أمل منه «محو الإساءة» التي صدرت عنه في حق القيادة السورية والشعب السوري، ونفى فيه ان يكون طالب بغزو سورية، بدأت المرحلة الرابعة من التمهيدات لمصالحة جنبلاط مع دمشق في 14 شباط الماضي حين نقل إليه نصرالله عدم اكتفاء القيادة السورية بما قاله وإصرارها على الاعتذار الحرفي، فخاب أمله، وشعر بأن هناك من يسعى الى المس بكرامته، وتزامن ذلك مع رسائل بلغت المحيطين به، بأن القيادة السورية ستستقبله، ستستعيد العلاقة معه والأرجح انها ستعامله في شكل استثنائي، لكنها تنوي ترويضه قبل ذلك، والتأكد من انه لن ينقلب عليها مجدداً. وبموازاة شعوره بالخيبة لمس جنبلاط ان تبرّم محيطه وجزء من جمهوره في الحزب والطائفة سيتضاعف إزاء ما بات هذا الجمهور يعتبره إذلالاً، بل ان بعض محيطه ساورته الشكوك في ما اذا كان «حزب الله» يساهم في الإكثار من الشروط بدلاً من التوسط لتخفيفها... فقرر قول الكلام الذي قاله في 13 آذار على محطة «الجزيرة»، عن انه تفوّه تجاه الأسد بكلام «غير لائق وغير منطقي»، من دون ان يستخدم عبارة الاعتذار، معلناً سلفاً انه «آخر الكلام» ولن يقول أكثر منه. إذ إن الشروط تكاثرت عليه في وقت لاحت في الأفق عودة للتعاطي السوري مع القيادات اللبنانية على الطريقة الإملائية التي كانت تحصل قبل عام 2005، بسبب الحملة التي تناولت تصريحات للرئيس الحريري مقابل تكراره التعاطي الإيجابي مع فتح صفحة جديدة مع دمشق. وإذ خضع كلام جنبلاط لتقويم من كل من قيادة الحزب، ومن ثم بين الأخير والقيادة السورية، فإن النتيجة التي توصل إليها الجانبان، بحسب المصادر السياسية البارزة، ان جنبلاط أقفل الطريق على طلب المزيد منه وأن طرح شروط اضافية عليه سيعرّض ما كسبه الحزب من جهة وسورية من جهة ثانية من تحولاته للضياع، خصوصاً ان ما قاله على «الجزيرة» اعاد من خلاله التمسك بإنجازات المرحلة السياسية السابقة في حركة 14 آذار، واستعاد فيه باعتدال وهدوء طرح السؤال حول ما اذا كان لبنان سيبقى وحده في المواجهة مع إسرائيل مع تأييده المقاومة، وذكّر بمواقف سابقة تدعو الى التزام اتفاق الهدنة ووجوب إيجاد صيغة لاحقاً لاندماج المقاومة بالجيش... وهو ما اعتبره قياديون في قوى 14 آذار موقفاً يتفق مع توجهاتها. وخلص تقويم الحزب والجانب السوري الى انه يفترض التجاوب مع ما قاله جنبلاط حتى لا يُدفع الى العودة للاقتراب من 14 آذار... فأعلن الجانبان عن فتح الصفحة الجديدة معه. وفي اعتقاد المصادر السياسية البارزة ان زيارتي الحريري وجنبلاط المنتظرتين دمشق، مع اختلاف موقع كل منهما والملفات التي سيتطرقان إليها، ستكونان فرصة لنقلة جديدة في المصالحات اللبنانية – السورية، نحو توضيح العلاقة بين البلدين، بعد الاختبارات التي مرت بها علاقة دمشق بالزعيمين اللبنانيين، عبر تبادل الرسائل الإعلامية، خلال الأشهر الماضية. وترى هذه المصادر انه اذا كانت المصالحات مع دمشق تأتي في إطار المصالحات العربية التي أقلع قطارها بالمصالحة السعودية – السورية، فإن التقدم في التفاهمات بين الجانبين في التعاطي مع الوضع العربي، والذي يشكل العراق ميداناً مهماً لها، يرخي بظلال إيجابية على علاقة سورية بلبنان، فإن هذا الشهر يفترض ان يشهد نقلة جديدة ايضاً في الجهود السعودية لتحقيق المصالحة بين سورية ومصر. إذ إن جهود وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، قبل عقد القمة العربية في سرت، وإبان زيارته دمشق في 22 آذار الماضي، أسفرت عن توافق على زيارة يقوم بها الرئيس الأسد للرئيس حسني مبارك. وتعتبر هذه المصادر أن المصالحة بين القاهرةودمشق تساعد على المزيد من إفادة لبنان من الاسترخاء في العلاقات العربية.