قلب فوز"حماس"المفاجئ والحاسم في الانتخابات التشريعية الفلسطينية الأمور رأساً على عقب. وأربكت هذه المفاجأة القوى الغربية والعربية على حد سواء، حتى الحركة المنتصرة نفسها لم تتوقع هذا الفوز الساحق. وعبرت التصريحات الغربية المتسرعة عن حماقة وابتزاز لا مثيل لهما، إذ هددت بقطع المساعدات عن الشعب الفلسطيني الذي يعيش أوضاعاً اقتصادية صعبة. والواقع أن"حماس"جاءت الى السلطة عبر وسائل ديموقراطية تميزت بالنزاهة، لطالما نادت بها هذه القوى الغربية الداعية الى"دمقرطة"الشرق الأوسط. وسرعان ما بدأت حملة من التهديد والوعيد والضغوط في حق"حماس"لإجبارها على تقديم تنازلات لإسرائيل. ولكن متى أعطت اسرائيل؟ اسرائيل حتى هذه اللحظة لم تعترف بكامل حقوق الشعب الفلسطيني. اسرائيل لا تزال تعربد وتقتل وتعتقل وتحتل أراضي فلسطين ولا تستطيع أي قوة اجبارها على عمل شيء لا تريده. فكيف نطالب الضحية بالاعتراف بحقوق قاتل ينفي حقها في الحد الأدنى من العيش في كرامة؟ تعيش"حماس"الآن أوقاتاً صعبة، لكنها منذ ولدت من رحم المقاومة وهي تعيش هذه اللحظات الصعبة. انها قضية تحرير وطن من الاحتلال. إن وجود"حماس"في السلطة فرصة حقيقية لإنهاء طقوس الفساد والهدر، بينما قوافل الشهداء تطوف يومياً شوارع فلسطين! وآلاف من الشرفاء وخيرة شباب فلسطين معتقلون في السجون الاسرائيلية! فوز"حماس"يصب في مصلحة الشارع الفلسطيني الذي يئن من الفساد والبلطجة والظلم. ويعطي مساحة حقيقية للإصلاح المنشود سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، فلم يعرف عن منتسبي"حماس"أنهم سرقوا أو نهبوا مقدرات شعبهم. مطلوب استمرار المقاومة بمفهومها الشامل والواسع، لأن العرب توقفوا منذ زمن بعيد عن كسب الحروب، لكنهم يكسبون المقاومة دوماً. ولولا المقاومة لكان العرب الآن مثل الهنود الحمر، تاريخاً ماضياً، وقصصاً تحكيها الامهات لأبنائهن قبل النوم. نعم لا نملك الا المقاومة، على أن يتسع نطاق هذه المقاومة ليشمل المستويات كلها. فقد بات ضرورياً الآن الوقوف أمام الظلم الذي استشرى في العالم، والمقاومة لم تكن تعني يوماً القتل أو الإرهاب أو التخويف كما يردد دعاة صدام الحضارات وخبراء نهاية العالم.المقاومة تعني عدم التنازل أو التفريط في الحق المسلوب أياً كان وأينما كان. أقول لپ"حماس"أن تمضي في تشكيل حكومتها سواء قبلت فتح أم رفضت، لأن مصلحة شعبها فوق أي اعتبار، وأقول لهم أيضاً ان التفاوض لا يعني أبداً الاعتراف. فلتبدأ عملية التفاوض مع اسرائيل مباشرة وفي العلن، ووفق أجندة الحركة وبعيداً من مدريد وأوسلو وخريطة الطريق الوهمية، لأن ذلك كله لم يجر إلا الخراب والمعاناة لشعب فلسطين. فلتتفاوض"حماس"مع اسرائيل الواقع لا اسرائيل الدولة. وليكن سلاح المقاومة والاصلاح الداخلي الشامل مثل جناحي طائر لا يمكنه الطيران بجناح من دون الآخر. نريد من"حماس"حكومة مسؤولة تعضد السلم الاجتماعي والامن الداخلي، وتسعى للمّ شمل البيت الفلسطيني الكبير. وأقول لحركة فتح، إن من الصعب نسيان تضحيات الحركة عبر أعوام طويلة من المقاومة، لكن يلزم الآن تطهير البيت من الداخل ومعاقبة الفاسدين، ومساعدة الحكومة الجديدة التي هي حكومة فلسطين كلها وليست حكومة"حماس"وحدها. وأعجب كيف يجلس الفرقاء الصهاينة من حزب الليكود الاسرائيلي وحزب العمل وحزب شاس وحزب شينوي وميرتس معاً، ولا يستطيع شعب محتل ويتعرض لظلم تاريخي فادح أن يلم بعثرته ويقف صفاً واحداً لدفع هذا الظلم. وأعتذر بشدة عن هذه المقارنة المجحفة في حق شعب مناضل. وأقول للعرب، انكم قدمتم الكثير للقضية الفلسطينية التي هي قضيتكم، فالقدس قدسكم أنتم أيضاً والأرض أرضكم، وفلسطين هي جريمة المجتمع الدولي فيحقكم، ومن يرضى بالظلم فقد يفتك به ظالم، قدمتم مساعدات لضحايا إعصار"كاترينا"وضحايا"تسونامي"وغيرها، وهذا في حد ذاته يمثل مشاعر رائعة ونموذجاً حقيقياً للتعايش في عالم واحد. ولكن حان الوقت لمساعدة فلسطين في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعيشها الآن، دعونا نثق في الحكومة الجديدة ونساهم معها في إصلاح وطن كسير، علينا جميعاً الآن تقديم الدعم الإنساني والسياسي والمالي لقبلة المقاومة في فلسطين، ولا يحملكم شنئان قوم على التنصل من التزاماتكم ومسؤوليتكم. افتحوا صدوركم للحكومة الجديدة واعلموا أنها خيار شعب مناضل يسعى للتحرر بعيداً من ضغوط كائن من كان. أيمن حامد - مصر - بريد الكتروني