في النقاش العام الدائر قبيل الانتخابات، فصل مقلق بين الواقع الاستراتيجي وبين المواقف المختلفة المتصلة بموضوع بلورة الحدود الدائمة في المستقبل. فمن ناحية، يبدو ان"حماس"ازدادت قوة في المدة الاخيرة، وقد تحصل على مركز أساس في السلطة الفلسطينية المقبلة، في حال أجريت انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني في موعدها. ومن ناحية ثانية، تتكاثر الاشارات الى ان تنظيم"القاعدة"اتخذ قراراً بزيادة تدخله في الدول حول اسرائيل، وخصوصاً في مصر والاردن. وتعبيراً عن هذا القرار الاستراتيجي، بدأ تنظيم"القاعدة"التسلل الى قطاع غزة، فور الانتهاء من تنفيذ فك الارتباط، واطلق صواريخ كاتيوشا من الاراضي اللبنانية على اسرائيل في نهاية كانون الاول ديسمبر 2005. وتبدو هذه التطورات وكأنها تحدث في كوكب آخر. فكلام بعض السياسيين على عدم حاجة اسرائيل الى سهل الاردن، وزعمهم ان جدار الفصل في نهاية الامر هو الحدود الشرقية لدولة اسرائيل، هو من هذا القبيل. ويكثر الحديث عن الديموغرافيا، ولكنهم ينسون الأمن. ومثل هذا الكلام سمعناه من واشنطن، من موظفين في الادارة الاميركية يعتقدون بأن في امكان اسرائيل تقديم تنازلات اقليمية كبيرة، بما في ذلك الانسحاب من الحدود التي يمكن الدفاع عنها، وذلك في ضوء النجاحات العسكرية الاميركية على نظام صدام حسين عام 2003 واقامة السلام بين اسرائيل والمملكة الهاشمية. وازاء الوقائع المتبلورة تدريجاً، على اسرائيل التشبث بحقها في حدود مؤاتية للدفاع في الضفة الغربية. وهذا الحق ليس هدف اسرائيل الاول وحسب، بل يبرز بوضوح في قرار مجلس الامن 242، وهو الاساس المتفق عليه الوحيد للعملية السلمية. ويبرز حق اسرائيل في حدود آمنة، كذلك في رسالة الرئيس الاميركي، جورج بوش، الى رئيس الحكومة، ارييل شارون، في 14 نيسان ابريل 2004. وهذه الوثيقة هي الثمن السياسي الوحيد الذي حصلت عليه اسرائيل لقاء خطة فك الارتباط. وفي حال تصرفت الحكومة الاسرائيلية الآتية تصرفاً قصير نظر، وقررت ألا تتقيد بتعهدات بوش، وفك الارتباط عن وادي الاردن، فقد فتح الباب أمام المخاطر المترتبة على انعدام الاستقرار في المنطقة الشرقية. واكثرنا تفاؤلاً لا يستبعد اقدام قوات المجاهدين التي تقاتل، اليوم، في العراق، على نقل حربها الى جبهتنا. والى ذلك، لا يضمن أحد ألا تتحول العراق دولة شيعية متطرفة، في رعاية ايران. والاردن يزداد وضعه خطراً، ولم ينجح الاردنيون في منع تسلل قوات الجهاد الى العاصمة الاردنية، في تشرين الثاني نوفمبر، عندما تعرضت ثلاثة فنادق، في وقت واحد، الى هجمات ارهابية. وأعلنت الحكومة الاردنية حال الطوارئ وأغلقت سفارات بريطانيا وكندا واستراليا، في العاصمة الاردنية، ابوابها، خوفاً من هجمات. والتقرير الذي نشره معهد Pew، في صيف 2005، أشار الى ان قسماً من الجمهور الاردني بات أكثر تطرفاً، في اعقاب الحرب العراقية. وتلاحظ اتجاهات مشابهة وسط الجمهور البدوي الذي كان، في الماضي، المتكأ الاقوى للأسرة الهاشمية. ولا ريب في ان الاردن دولة قوية، ولكن لا يمكننا تجاهل القرائن الكثيرة على ضعف الاستقرار في الشرق. وينبغي ألا يغفل أمر الاسلحة التي قد تحصل عليها"حماس"من متعاطفين مع"القاعدة"واخطرها صواريخ الكتف المضادة للطائرات، من طراز سام -7، وهي سبق استعمالها ضد طائرة اركياع بكينيا، في 2002. واذا رسمت اسرائيل حدودها تبعاً لمسار الجدار الفاصل الحالي، بقيت اراض تطل على مطار بن - غوريون، على الجهة المقابلة والفلسطينية للجدار. فهل نسلم مهمة المحافظة على الامن في مطار اسرائيلي دولي للسلطة الفلسطينية؟ وماذا يحل بمصير الملاحة الجوية الى اسرائيل ومنها، اذا اطلقت منظمات ارهابية الصواريخ على مطار بن - غوريون؟ ومواجهة سلاح يبدو صغيراً، ولكنه قاتل، ومن شأنه ارباك سير الحياة في اسرائيل، هي أمر عسير، لأنه ليس سبباً يسعها استخدام قوة كبيرة رداً عليه. ومثال ذلك الصعوبة التي يواجهها الجيش الاسرائيلي في منع اطلاق صواريخ"القسام"على عسقلان وسيديروت. وفي ضوء هذه الوقائع، على اسرائيل ان تضمن لنفسها حدوداً يمكن الدفاع عنها، وتبعد التهديد عن سكانها. وآن آوان مناقشة تكون صورة أمينة عن الموضوعات المصيرية والحاجات الحقيقية. عن دوري غولد سفير اسرائيل في الاممالمتحدة ويعقوب عميدرور الرئيس السابق لوحدة الابحاث في الاستخبارات العسكرية وقائد كلية الأمن القومي، "هآرتس" الاسرائيلية 15/1/2006