«أبو مازن» فاجأنا... و«حماس» أحرجتنا! رداً على الحوار المنشور الأحد «25 أيلول (سبتمبر) 2011»، «عباس ل«الحياة»: نرفض أي تأجيل أو مماطلة في مجلس الأمن وسنعرض كل الاقتراحات على القيادة الفلسطينية». اطلعت على حوار «الحياة» مع أبي مازن، وكان خطاب أبي مازن قبل ذلك فاجأنا وتجاوز كل نقد واستدراك، فقد كان قوياً وجريئاً ووطنياً بامتياز، وفاق سقف التوقعات المرتقبة، فعلى رغم أن العالم كان يحبس أنفاسه مع لحظات تقديم طلب نيل العضوية الكاملة إلا أنني لم أكن على ذلك المستوى من التحمس والاتقاد إلا عندما استمعت لكل الخطاب. ففي كل فقرة كان أبو مازن يتحدث عن مأسوية الوضع في فلسطين، وكنت أظن أن أحداً سيأخذ عنوة منه «المايك» أو يضطره للنزول كما حدث مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مؤتمر دافوس قبل نحو عامين. كنت كلما تحدث أبو مازن انظر إلى سوزان رايز لأحاول أن أسبر أغوارها وأرى ملامحها التي بدت عليها الضيق والتذمر وكسا وجهها الشحوب والخوف من مقبل الأيام، خصوصاً عند كل موجة تصفيق لأبي مازن. ومن ناحية أخرى، كنت أتمنى ألا تبدي حركة حماس أو الحكومة في غزة، خصوصاً الدكتور صلاح البردويل أو سامي أبو زهري أي موقف تجاه هذا النشاط الذي لا يعرف أحد أين سينتهي وكيف؟ ولا يمكن أيضاً التنبؤ بمدى النجاح ولكنه يعتبر على أقل تقدير عرساً وطنياً أو مظاهرة وطنية كبيرة أمام أهم منبر أممي، ولكن الإخوة في «حماس» لم يتنبهوا بأن حتى الحديث من على منبر الأممالمتحدة يختلف عن أي منبر وطني محلي، فهناك لغة في الأممالمتحدة، خصوصاً برع أبو مازن بالأمس في استعمالها لإيصال الرسائل للعالم. حقيقة لقد مثل غالبية الشعب الفلسطيني بخطابه الشامل الذي لم ينس خلاله أن ينوه إلى شهيد اليوم، ولم ينس اللاجئين وذكرهم أكثر من مرة، وأكد على أن اللاجئين تهجروا أكثر من مرة في بلادهم، وذكر المعتقلين لدى الاحتلال، وذكر أن الاحتلال جاثم على صدورنا منذ أكثر من 63 عاماً، ما دعا نتانياهو في كلمته التالية للتساؤل بقلق وحيرة، ماذا يقصد أبو مازن؟ هل يقصد حيفا وعكا وتل أبيب؟ بهذا السقف المرتفع كان خطاب أبو مازن ناجحاً بامتياز. يقال إن إحقاق الحق أصعب بكثير من إبطال الباطل، وصراحة إنني كان بإمكاني السكوت، ولكن ومع أنني لست مع اتجاه أبو مازن التفاوضي، ولا أريد أن يضيع كثير من الوقت في مفاوضات عبثية تأتي على جميع أراضينا في الضفة والقدس الشرقية، وعلى رغم أنني لا أحب أبو مازن وشخص أبو مازن ولا بعض مقربيه ورجالاته وسفراءه الذين ضيعوا أكثر مما كسبوا لفلسطين ولأبناء فلسطين، ولكن الحق أنه كان رائعاً وتميز خطابه بالوضوح والجرأة والتحدي، وقد تمسك بالثوابت ومنها: لا ليهودية الدولة الإسرائيلية، ولا شرعية للمستوطنات، ولا لإلغاء حق العودة واللاجئين، وأكد على الإفراج عن الأسرى والمعتقلين، وإقامة الدولة على حدد 1967، إنها مجموعة الثوابت نفسها التي تنادي بها حماس والجهاد وباقي الفصائل. وفي تحليلنا للأسباب التي جعلت أبو مازن يصر على التوجه للأمم المتحدة نتبين الآتي: أولاً: لفترة كان التوجه للأمم المتحدة تكتيكياً ومناورة، وتحول في النهاية إلى واقع بسبب عدم تقديم أي عرض إسرائيلي مقنع، وعدم إسقاط الشروط الإسرائيلية التعجيزية التي يضعها المفاوض الإسرائيلي دائماً على طاولة المفاوضات. ثانياً: الضغط الكبير الذي سببه «الربيع العربي» على «إسرائيل»، خصوصاً أحداث السفارة المصرية الذي كشف فشل «إسرائيل» في التطبيع مع الشعوب، واستمرار تبني نهج مضاد للمصالح الإسرائيلية في المنطقة والشعور بأن مثل هذا الحدث يمكن أن يتكرر بدءاً بالأردن وباقي المنطقة. وما بدا من الضعف الإسرائيلي والخوف الذي يتكرس يوماً بعد يوم في المجتمع الإسرائيلي. ثالثاً: النجاحات التي حققها الجانب الفلسطيني في الحصول على اعتراف دول جديدة بفلسطين رفع التمثيل الديبلوماسي والوعود التي تلقاها وحيث تحولت الأحلام والطموحات بعد رحلات الدعم والتضامن إلى أرقام واضحة ومطمئنة. رابعاً: الفشل الذريع الذي مني به الجانب الفلسطيني خلال السنوات الأخيرة في قضايا التسوية، وأن المفاوضات كانت تمثل «مهزلة» حقيقية، وخسارة القيادة الفلسطينية لثقة الشعب الفلسطيني، إذ جميع الفصائل، بما فيها فصيل أبو مازن، يئست من المفاوضات وفقد الأمل فيها. خامساً: إيصال الرسالة بأن القيادة الفلسطينية فعلت كل ما بوسعها، وأن العرب والأصدقاء والمحيط يجب أن يقوموا بدورهم بدل إلقاء التهم والتشكيك في النيات، إذ إن العدو هو الحكومة الإسرائيلية. قد تكون هذه من أهم الأسباب التي دفعت الرئيس إلى المضي قدماً في تقديم طلب العضوية الذي أراه مفيداً في كل الأحوال، ففي حال تدخلت الولاياتالمتحدة في مجلس الأمن وقامت بالاعتراض، فسيكون ذلك فضيحة أخرى لها وعملاً لا يخدم السلام والأمن الدوليين، وسوف تكون إجابة كافية لمن يتساءل من الغرب ومن الأمريكان: لماذا يكرهوننا؟». وفي حال ما نلنا ثلثي أصوات الجمعية العمومية فسنحصل على دولة غير كاملة العضوية لا يمكنها التصويت، فسيكون ذلك جيداً، ولكن هذه النتائج ليست نهاية المطاف، وأملنا ألا نعود للمربع الأول، وهو مربع المفاوضات غير الندية وألا نعود للمسلسل الهزلي ذاته، وأن نبدأ بسرعة بتطبيق بنود المصالحة الوطنية مادامت السلطة الفلسطينية في حال تحدٍ للإرادتين الإسرائيلية والأميركية، ومادامت الوعود بالدعم المادي بدأت من السعودية وتركيا، التي قالت على لسان رئيس وزرائها أردوغان، الذي وعد بسد أي فراغ ينشأ، ووعد بتغطية ما يتم إيقافه من دعم ومساعدات خارجية والبقية بالتأكيد ستأتي. فهمي شراب كاتب وأكاديمي فلسطيني [email protected]