البحث الحثيث عن بدائل للطاقة الهيدروكربونية جعل كثيراً من الدول تضاعف عدد مفاعلاتها النووية المولدة للطاقة بحثاً عن بدائل أرخص. على رأس هذه الدول الصين التي تمضي في برنامج لبناء مفاعلات نووية جديدة بحيث يصل عددها إلى ثلاثين حتى العام 2020، وبهذه الوتيرة يتوقع خبراء الصناعة أن يرتفع العدد إلى مئتي مفاعل حتى منتصف القرن الحالي. ويبدو أن هذه السياسة الطاقوية أنست كثيرين هواجس السلامة المتعلقة بالطاقة النووية التي ترتب عنها عدد من الحوادث السابقة، كان أهمها تشقق مفاعل تشرنوبل الأوكراني في 1986، لكن من أين ستأتي المواد اللازمة لتشغيل المفاعلات؟ وهل هناك ما يكفي من الوقود النووي؟ وبأي ثمن؟ وما مدى استعداد الشركات والمستثمرين والحكومات لتمويل عمليات التنقيب والتعدين؟ يعتبر معدن اليورانيوم المشع الأساس في المعادلة النووية، وشهدت سوقه قفزات كبيرة في الشهور الماضية، في مؤشر واضح الى تزايد كبير في الطلب. فسعر رطل اليورانيوم ارتفع من 29 دولاراً قبل عام، ليصل إلى 37 دولاراً حالياً. وتزامن هذا الارتفاع مع تضاؤل الكميات المتاحة في السوق من القنابل النووية التي جرى تفكيكها بموجب معاهدات الحد من التسلح في ما كان يعرف بالاتحاد السوفياتي. وتفيد دراسة جديدة وضعها خبير سوق الطاقة البريطاني سري جونز من وحدة"انترأكتيف انفسترز"الاستثمارية الاستشارية، ان مناجم اليورانيوم العاملة كانت حتى العام 2003 تؤمن نصف حاجة السوق من المعدن. بينما جاء النصف الثاني من القنابل النووية المفككة. "على أن هذه المعادلة لم تعد قائمة. الرؤوس النووية المفككة أصبحت شبه فارغة. بينما هناك مشاريع لبناء 92 مفاعلاً نووياً في آسيا وحدها، بعضها بدأ العمل فيه بالفعل، والبعض الآخر ينتظر التنفيذ. وإذا كانت الصين أكثر الدول حاجة لانتاج الطاقة، فإن علماء الطاقة لديها قدروا حاجة البلاد إلى ثلاثمئة غيغاوات من الطاقة الكهربائية التي تنتجها مفاعلات نووية، علماً أن انتاج العالم من الطاقة النووية يصل حالياً إلى 360 غيغاوات من الكهرباء". الولاياتالمتحدة بدورها منحت التفاعلات النووية ال35 لديها تمديداً لمدة عشرين عاماً، بحيث يصل عمرها الإجمالي إلى ستين عاماً. والأهم من ذلك، صدور قانون سياسة الطاقة العام الماضي، الذي يدعو إلى تقليص استهلاك الطاقة التقليدية في إطار حماية البيئة، وحظي بدعم سياسي كاسح في الكونغرس من الحزبين الرئيسين، الديموقراطي والجمهوري، ما يمنح الطاقة النووية حصة من سياسة تنويع المصادر. ووعد الرئيس جورج بوش في خطاب الاتحاد الأربعاء الماضي بدعم الطاقة البديلة وتقنياتها بمخصصات جديدة في خطة بعيدة المدى حتى العام 2025. كل هذه التطورات تصب في مصلحة الدول المالكة لثروات من المعدن المشع بعدما عاشت الدول المنتجة للطاقة التقليدية ازدهاراً في أسواقها وفي أسهم الشركات النفطية العاملة. لكن، ما هو الانعكاس على سوق الاستثمار في المناجم؟ وكيف يستطيع المستثمر الاستفادة من إزدهار الصناعة النووية؟ أسهم شركات اليورانيوم كاميكو، أكبر شركات اليورانيوم والذهب المساهمة في العالم شهدت في السنوات الثلاث الأخيرة إرتفاعاً في قيمة سهمها بلغ أربعة أضعاف 400 في المئة. ورأى محللو سوق الأسهم في قيمة سهمها تقديراً لقيمة رطل اليورانيوم بنحو خمسين دولاراً من مستوى 37 دولاراً حالياً. لكنهم يضيفون أن السعر لا يزال متواضعاً نظراً لأن انتاج الطاقة من رطل اليورانيوم يعادل ما يولده 158 برميلاً من النفط الخام، و625 ألف قدم مكعب من الغاز الطبيعي. وهذا يعني أن سعر اليورانيوم أقل كلفة من وحدات الطاقة الأخرى بنحو مئتين إلى ثلاثمئة في المئة، بحسب رأي إيفي هامبرو مدير صندوق في مصرف ميريل لينش. وهو يضيف أن رطل اليورانيوم ينتج 27 ميغاوات من الطاقة، أي ما ينتجه ثلاثون طناً من الفحم الحجري لانتاجها. على أن الاستثمار في مشاريع الطاقة النووية مكلف وينطوي على مخاطر غير منظورة أحياناً. فانتاج الطاقة النووية يحتاج إلى استثمارات كبيرة في محطاته، فضلاً عن الصيانة الدقيقة المستمرة. فكلفة بناء مفاعل يطاقة ألف ميغاوات تصل إلى بليوني دولار. بينما تصل الكلفة الى بليون دولار للمولدات العاملة بالفحم، ونصف بليون دولار لمعامل الغاز. من ناحية أخرى فإن المستثمرين الباحثين عن فرص تجارية في شركات تعدين اليورانيوم لن يجدوا كثيراً منها. فهي معدودة ونشاطها لا يقتصر على المعدن المشع وحده، بل يشمل تشكيلة واسعة من المعادن. وعليه يكون شراء سهم شركة منتجة لليورانيوم بمثابة شراء تشكيلة متنوعة من المعادن في آن معاً. وأكبر هذه الشركات العالمية المساهمة المنتجة لليورانيوم هي:"بي أتش بي"وپ"بيليتون"وپ"ريو تنتو". المناجم أضف إلى ذلك أن مناجم اليورانيوم معدودة. فشركة كاميكو العملاقة تعتمد بصورة رئيسة منذ أكثر من ثلاثين عاماً على منجم يورانيوم واحد في كندا هو بحيرة الأرنب رابيت لايك. وهناك أيضاً منجم تحت قعر نهر ماكارثر في مقاطعة ساسكاتشوان الشمالية الذي بدأ انتاجه أواخر العقد الماضي، وتتوزع ملكيته على كاميكو المدرجة في بورصتي نيويورك وتورنتو بنسبة سبعين في المئة. بينما تمتلك شركة كوجيما التابعة لشركة أريفا الفرنسية نسبة ثلاثين في المئة. وقفز سعر سهم الشركة بنسة مئة في المئة خلال عامين. يتميز المنجم الجديد بأن نسبة اليورانيوم فيه عالية وتصل إلى 500 رطل لكل طن في مقابل أقل من عشرة أرطال لكل طن في المعدل المعتاد. لذا تدفقت على حوض أثاباسكا في مقاطعة ساسكاتشيوان الشمالية الكندية ثلاثون شركة تعدين صغيرة باحثة عن فرص في المنطقة في عمليات مسح اختبارية. لكن فرصها في العثور على مناجم مجزية يحتاج إلى تضحيات مالية باهظة تعجز معظمها عن تحملها. وهنا يأتي دور المستثمر الجسور القادر على تحمل تضحيات مقابل الحصول على فرص ربح بعيدة. برهنت التجارب الأخيرة أن بعض الشركات الجديدة معرضة للانهيار مثلها مثل أي شركة من شركات الانترنت التي عجزت عن تغطية نفقاتها. مثال على ذلك شركة"ريفتون"من غرب استراليا التي استطاعت العام الماضي إدراج اسهمها في سوق لندن البديلة أيم. هذه الشركة لم تتمكن من تأمين حقها في البحث عن اليورانيوم ضمن امتياز الاستكشاف الذي منحته لها وزارة الطاقة والمعادن في ناميبيا. وقد أدى هذا التطور إلى إبعادها من البورصة البديلة الخريف الماضي. إذاً، ينصح خبراء السوق بشراء أسهم شركات التعدين التي عثرت بالفعل على بوادر ولو صغيرة من معدن اليورانيوم ممزوجة بمواد أخرى. من بينها مثلاً شركة"ستراثمور مينرالز كورب"التي ارتفعت قيمة سهمها منذ الخريف الماضي بنسبة الربع بعد اعلانها أخيراً أن تقريراً مستقلاً يتعلق بمنجم اليورانيوم تشرتش روك في نيو مكسيكو، ضاعف تقديرات الكميات المحتمل استخراجها إلى نحو إثني عشر مليون رطل من اليورانيوم فئة"يو 308". بدورها أعلنت شركة"أنرجي ميتالز كورب"المدرجة أسهمها في بورصة تورنتو عن تملكها ستة عشر ترخيصاً بالتعدين بطريقة الظرف المختوم، مع ترجيحها العثور على اليورانيوم في كل أنحاء الامتياز الذي تبلغ مساحته نحو 8800 هكتار ضمن منطقة مشروع نوز روك الذي كان تابعاً لشركة فيليبس يورانيوم. فرص استثمارية المستثمر الباحث عن فرص في هذا القطاع يمكنه بحسب رأي واضعي الدراسة شراء أسهم في شركة"يورانيوم بارتيسيبيشن كورب"المدرجة في بورصة تورنتو. وهي تمتلك اكتشافات من أكسيد اليورانيوم في بعض الأحواض. وهذا يعني تفادي خيبة الأمل التي ترافق عمليات التنقيب. الاستثمار في الطاقة النووية يمتد إلى تقنيات المفاعلات نفسها. وهناك تجربة مغرية تحصل في الصين وتجذب كثيراً من الاستثمارات الأجنبية، حيث يجرى بناء مفاعلات من طراز"اتش تي آر-10"ذي الفراش الكروي. إنها تقنية قليلة الكلفة نظراً لإمكان تركيب المفاعل بسهولة بعد بناء مكعبات جاهزة تجمع كمكعبات لعبة الليغو. ويعتمد المفاعل الجديد على آلاف كريات من الوقود الشبيهة بكريات البليارد بدلاً من قضبان الوقود التقليدية البيضاء. وتستطيع الكريات الجديدة الصمود لملايين السنين ويمكن تبريدها بغاز الهيليوم بدلاً من التبريد البخاري المعتاد. وجرت أبحاث هذه التقنيات في معهد ماساشوستس الأميركي للتكنولوجيا، باستثناء شركة"هوانينغ باور انترناشنال"المدرجة في بورصة نيويورك. وهي إحدى خمس شركات طاقة صينية مخصخصة.