دأب الكاتب محمد سيد رصاص أخيراً على التهجم، بمناسبة ومن دونها، على المعارضة السورية عموماً وعلى شقها الكردي بخاصة، وما يدفعه إلى التهجم على هذه المعارضة هو"تفريطها بالثوابت القومية"إياها، الثابتة منذ عام 1963، و"تملقها وتنازلها"لأكراد سورية. والحال أن السيد رصاص مواظب على انتقاداته اللاموضوعية للحركة الوطنية الكردية في سورية، ويبدي إصرارا على الإساءة للشعب الكردي، ليس في سورية فحسب وإنما في عموم المنطقة. فهو ما أن يأتي على ذكرهم حتى يبادر فورا إلى وضع مزدوجين، وكأنه يشكك حتى في وجود شعب كردي قائم بذاته يربو تعداده على 40 مليون نسمة ويسعى إلى نفي وجود الأكراد وكينونتهم دع عنك حقوقهم المهدورة وأرضهم المجزأة. والواقع أن الكاتب يحاول في مقالاته، جاهدا وبطريقة سوريالية، نفي صفة الشعب عن الأكراد واختزال قضيتهم، بكل تشعباتها وتعقيداتها الجيوبوليتيكية وبكل محمولاتها الحقوقية والقومية، إلى مجرد قضية مواطنة وهذا الاختزال هو الخطيئة الكبرى التي وقع فيها الموقعون على"إعلان دمشق"لا سيما الأكراد منهم، نافيا بذلك أي خصوصية قومية للشعب الكردي وقضيته العادلة، والتي هي قضية قومية بامتياز وليست محض قضية إنسانية تتعلق بمنح الأكراد حقوق المواطنة أو إعادة تجنيس من جرد منهم من جنسياته. يدعو الكاتب إلى اعتبار الأكراد مواطنين نسي أن يضيف كلمة: عرب سوريين من أصل كردي، أي أنهم كانوا أكرادا في سالف العصر والأزمان وما عليهم الآن إلا الرضوخ والاستجابة لدعوة الكاتب لهم الى التجرد من قوميتهم الكردية والتبرؤ منها. أما اعتراضه على استلهام الأكراد في سورية النموذج الكردي العراقي والاستقواء به فليس في ذلك ما يبعث إطلاقا على الدهشة والإدانة. فمن البديهي جدا أن تؤثر الحال الديموقراطية التحررية في كردستان العراق في الأجزاء الأخرى من كردستان، فالمكاسب والإنجازات التاريخية التي حققها أكراد العراق لا سيما في الدستور العراقي الدائم تشكل بلا ريب حافزا ونبراسا يهتدي به الأكراد في الدول الأخرى. ومن نافل القول أن الحل الديموقراطي الحضاري للقضية الكردية في العراق على أساس الاتحاد الاختياري بين العرب والأكراد سيلقي بالمزيد من ظلاله وتبعاته على القضية الكردية في عموم المنطقة. فالأكراد، خلافا لما مضى عندما كانوا دوما ضحية الصفقات الإقليمية والدولية، يشكلون الآن رقما لا يمكن تجاهله ناهيك عن تجاوزه في المعادلة الإقليمية الجديدة بعد سقوط بعث العراق وفي المعادلة الدولية بعد 11 أيلول/ سبتمبر 2001، فهم يشاركون بفاعلية في تسيير دفة دولة محورية كالعراق وكشفوا عن حنكة سياسية فذة وممارسة ديموقراطية راقية، وعليه فان النموذج العراقي في الاعتراف بالشعب الكردي والشراكة معه على قدم المساواة مثال يحتذى، اذ أن المقاربات الأمنية والعسكرية بما فيها استخدام أسلحة الدمار الشامل للقضية الكردية لم تسفر إلا عن فشل ذريع ونتائج كارثية. وفي ضوء التجربة الديموقراطية الواعدة في كردستان العراق يمكن القول أن القضية الكردية خرجت من القمقم الإقليمي المحكم لتغدو على رأس الأجندة الدولية وقضايا الشعوب المضطهدة. ولا يتوانى الكاتب عن المضي في المغالطات فيدعي، مثلا، بأن تعداد الأكراد في سورية هو سبعة في المئة من عدد سكانها وأن قسما كبيرا منهم"مستعرب"ما يعني أن تعدادهم في المحصلة قد لا يتعدى 3 أو 4 في المئة . وواقع الحال أن تعداد الأكراد في سورية يقارب ثلاثة ملايين نسمة أي نحو 15 في المئة من السكان. أما احتجاج الكاتب على سعي الأكراد إلى استعادة كركوك فالواقع الذي يتجاهله أن كركوك تاريخيا وجغرافيا تقع في القلب من كردستان، بل أنها كانت مركز ولاية شهرزور الكردية ولاية الموصل لاحقا. وكل الإحصاءات في كركوك قبل شروع البعث منذ 1968 في حملات التعريب الشاملة في كردستان تشير إلى أن الغالبية الغالبة من سكانها كانت من الأكراد. وتشير وثائق العهد العثماني إلى أن نسبة الأكراد في كركوك تتجاوز 75 في المئة، أما المصادر البريطانية فتشير وفق إحصاء 1921 إلى أن نسبة الأكراد في كركوك تربو على 62 في المئة. ولعل الإحصاء الأهم هو الإحصاء الدولي الذي نظمته عصبة الأمم في كركوك عام 1925 والذي يشير إلى التالي : 63 في المئة من الأكراد - 19 في المئة من التركمان - 18 في المئة من العرب. وآخر الاحصاءات النزيهة في كركوك قبل أن تقع ضحية عمليات التعريب والتبعيث إحصاء 1957 الذي يشير إلى النسب التالية : 48 في المئة من الأكراد، 28 في المئة من العرب، 21 في المئة من التركمان. والحق أن ما يهدف إليه الأكراد هو إعادة كركوك وكل مناطقهم المعربة المستقطعة إلى إقليم كردستان أي إزالة آثار سياسات النظام البعثي البائد في تعريب كردستان وشرذمتها عبر تهجير الأكراد من أراضيهم ومصادرة أملاكهم وأرزاقهم وإحلال عرب مستقدمين من المحافظات العربية محلهم فضلا عن التلاعب بالحدود الإدارية للمحافظات الكردستانية وتقطيع أوصالها بغية تغيير التركيبة القومية الديموغرافية في كردستان وهذا ما ينطبق على كركوك خاصة فقد سلخت منها عدة أقضية ونواحي وألحقت بمحافظات أخرى وعليه فالأكراد لا يسعون إلا إلى إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح في كركوك ومجمل مناطق كردستان التي عربت واقتطعت من حدودها الإدارية الأصلية في إقليم كردستان، وهم في مسعاهم هذا يعتمدون أساليب حضارية سلمية وطرائق دستورية قانونية وليس بممارسة الضم والإلحاق القسريين والتوسع والتكريد، وغيرها مما يزخر به القاموس"القومجي"العروبي من نعوت وتوصيفات. كاتب كردي