شهد العام 2006 سلسلة من الزلازل والهزات السياسية والاقتصادية ما جعله ربما العام الاسوأ الذي يمر على الشعب الفلسطيني، خصوصا في قطاع غزة، في العقود الأخيرة، على رغم عدم خلوه من بعض الايجابيات. حدث انقلابان في 2006 غير أحدهما الخريطة السياسية الفلسطينية، وشكل"تسونامي"ضرب المشهد السياسي الفلسطيني، وكان له تداعيات كبيرة وكثيرة، تمثل في فوز حركة"حماس"الكاسح في الانتخابات التشريعية الثالثة التي يشهدها الشعب الفلسطيني بعد نكبة 1948. ولم تكن الانتخابات الاولى التي تمت في العام 1962 في ظل الادارة المصرية للقطاع أي تداعيات غيرعادية، فيما كرست الانتخابات الثانية العام 1996 حركة"فتح"على رأس السلطة الفلسطينية الوليدة، بعد ثلاثة عقود من احتكارها قيادة منظمة التحرير الفلسطينية. وترتب على"تسونامي"تلك الانتخابات التي اوصلت"حماس"الى السلطة نتائج اهمها فرض الولاياتالمتحدة واسرائيل والاتحاد الاوروبي حصاراً على الشعب الفلسطيني وحكومته التي قادتها حركة"حماس"منذ التاسع والعشرين من اذار مارس عندما ادت القسم الدستوري. ودخل فلسطينيو القطاع المنهكين اصلا في مرحلة من التجويع الاجباري الهادف الى تدفيعه ثمن انتخابه حركة"حماس"بغالبية 74 مقعدا من اصل 132 في وقت لم تكن الحركة نفسها تحلم بأن تحصل على أكثر من المقاعد الخمسة والاربعين التي حصلت عليها حركة"فتح"في تراجع خطير لشعبيتها. وفي اعقاب ظهور نتائج الانتخابات دخل القطاع مرحلة الصدمة، اذ وقعت حركة"فتح"تحت تأثير صدمة اقصائها عن السلطة، فيما وقعت حركة"حماس"تحت تأثير صدمة"اغراء"السلطة، فيما رزح ناخبو الطرفينتحت وطأة الحصار والفقر والبطالة التي ارتفعت معدلاتها الى مستوى غير مسبوق بلغ اكثر من 70 في المئة، وفي بعض المناطق 80 في المئة. وعجزت الحكومة الحمساوية برئاسة اسماعيل هنية عن دفع رواتب نحو 165 ألف موظف، معظمهم في قطاع غزة، بسبب الحصار المالي المفروض عليها، الى ان خرج الرئيس عباس على الشعب الفلسطيني بقراره تنظيم استفتاء شعبي في اليوم الاول من مؤتمر الحوار الوطني الذي عقد يومي 24 و25 ايار مايو الماضي في غزة ورام الله، وحدد موعداً له السادس والعشرين من تموز يوليو 2006 في حال لم يتم التوافق حول وثيقة الاسرى خلال عشرة ايام. وجرت حوارات مكثفة اسفرت عن توافق على وثيقة الوفاق الوطني المعدلة في الرابع والعشرين من حزيران يونيو أي قبل يوم واحد من اسر الجندي الاسرائيلي غلعاد شاليت في العملية الفدائية النوعية التي نفذها مقاتلون من حركة"حماس"ولجان المقاومة الشعبية و"جيش الاسلام". وما هي الا ايام قليلة حتى خرج قادة"حماس"من تحت الارض ووقعوا على الوثيقة التي لا تعترف باسرائيل وتنص على تشكيل حكومة وحدة وطنية ما زالت املاً استحال تحقيقه الى الآن. وفي اليوم التالي لاسر شاليت حشدت اسرائيل قواتها على حدود القطاع لتنفيذ عملية عسكرية ضخمة اطلقت على أولى مراحلها"امطار الصيف"، تم جاءت مراحل اخرى، منها"سيف غلعاد"وغيوم الخريف"وغيرها. وارتكبت قوات الاحتلال مجزرة بيت حانون التي مثل فيها 18 فلسطينياً 16 منهم من عائلة العثامنة وسبقها مجزرة شاطئ بيت لاهيا التي قتل فيها غالبية افراد عائلة غالية. ومع ان العام 2006 كان بالنسبة الى الفلسطينيين عاما مختلفا ومتميزاً عن الاعوام السابقة، خصوصا وانه العام الاول بعد الانسحاب الاسرائيلي من القطاع بعد احتلال دام 38 عاماً، الا ان الفلسطينيين، فشلوا في الاستفادة من"تحرير"القطاع ورحيل المحتل عنه، وكان الاسوأ من ذلك انفلات الاقتتال الداخلي من عقاله في شكل غير مسبوق في الاسابيع الاخيرة من العام المنصرم. وكان من اطول الصدامات الدامية في 2006 تلك التي وقعت في الاول من تشرين الاول اكتوبر الماضي عندما اصطدمت القوة التنفيذية التي شكلها وزير الداخلية في وقت سابق من العام مع عناصر من اجهزة الامن التابعة لفريق الرئيس عباس فسقط قتلى وجرحى في مشاهد مؤلمة. ووصفت حركة"حماس"ما يجري بانه"انقلاب عسكري ميداني على الارض"ضدها الى ان اعلنت الفصائل الفلسطينية فجأة عن تهدئة مع اسرائيل في القطاع في السادس والعشرين من تشرين الثاني نوفمبر الماضي. وجاءت تلك التهدئة قبل الانقلاب الثاني الذي شهده العام المنصرم، عندما اعلن الرئيس محمود عباس في خطاب له في السادس عشر من كانون الاول ديسمبر قراره الدعوة لتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة، بعدما فشلت كل الجهود في تشكيل حكومة وحدة وطنية ظل الفرقاء الفلسطينيون يتحاورون لتشكيلها اشهراً عدة. ورأت حركة"حماس"في الدعوة انقلابا عليها فرفضتها ودخلت في صدام مسلح مع قوات الحرس الرئاسي التي كانت في ما يبدو مستعدة لمثل هذه المواجهة. واذا كانت صناديق الاقتراع هي التي تسببت في"تسونامي"فوز"حماس"في مطلع العام المنصرم، فان حركة"فتح"تأمل في ان تنقلب صناديق الاقتراع على"حماس"وتعيدها الى سدة الحكم، وهو حلم ستقرر الاحداث والتطورات في العام 2007 ما اذا كان سيتحقق.