دمعت عينا ميساء ابنة الثانية والعشرين وأشاحت بنظرها بعيداً وهي تقول بحنق "هل كتب علينا العيش في الطرقات والحدائق؟ في الحرب قلنا إنها حرب، وغادرنا منازلنا نازحين. أما اليوم فلمَ نعيد الكرة؟". ميساء طالبة جامعية غادرت صفوف الدراسة إثر الحرب الأخيرة وتعمل الآن في محل لبيع الألبسة النسائية في شارع معوض في الضاحية الجنوبية لبيروت حيث معقل"حزب الله". السوق التجارية وبعض متفرعاتها لم تغلق أمس تضامناً مع الاعتصام المفتوح الذي دعت إليه قوى المعارضة، فالضائقة الاقتصادية لم تسمح بالإغلاق أكثر من يوم واحد. قالت ميساء إنها نزلت الى ساحة الشهداء"أول من أمس لأن صاحب العمل التزم بتعليمات لجنة التجار وأقفل المحل بعد الظهر. أما اليوم فلا أحد يرى سبباً لإغلاق باب رزق". وأضافت:"أنا بصراحة تركت الدراسة لأن ظروفي دفعتني الى العمل. لذا سأبقى طالما هناك دكان مفتوح". ميساء ليست وحدها فكل محال سوق معوض شرعت واجهاتها بانتظار شار لم يأت، فالحركة شبه معدومة. بتول جارة ميساء في السوق قالت إن"الزعماء كلهم بدءاً بالسيد حسن نصر الله الأمين العام لپ"حزب الله" يحتملون أيام تعطيل أما من يعتمد على 25 ألف ليرة في اليوم فلا يقوى على ذلك". وأضافت بتول:"إخوتي كلهم تحت في الخيم. مساء بعد دوام العمل سأنزل لأتفقدهم وأتجول. قالوا إن الأجواء تحت مسلية، لكن لا أخفي أنني خائفة". وقاطعتها ميساء:"طبعاً نحن خائفون، الجميع خائفون. لم ننته بعد من الحرب، حتى جاءتنا هذه الأحداث. أول شيء قامت به أمي بعد حديث السيد أن توجهت الى أقرب تعاونية لشراء أغراض المونة". سمرا التي قدمت من البقاع كانت متحمسة للتظاهر. وقالت المعلمة في إحدى مدارس المبرات، إنها ارتدت الحذاء الرياضي لتتمكن"من المشي والاحتمال إذا لم تسقط الحكومة في غضون 24 ساعة". ثم نهرت الأخريات لأنهن متقاعسات عن واجبهن"الشرفاء كلهم تحت وأنتن ماذا تفعلن هنا؟". حال الإرباك والخوف تلك لم تقتصر على المناطق التي أرسلت سكانها الى ساحة الشهداء للتظاهر. فالوجوه في المناطق الأخرى وخصوصاً في بيروت، حيث الولاء لآل الحريري وفريق 14 آذار، لا تشي بما هو أفضل. العبوس والقنوط سمتان مشتركتان بين المارة في سوق بربور. وحدها الأعلام المتدلية من الشرفات تتحرك في المشهد. جمود ثقيل لا تبدده التخفيضات و"سحق الأسعار". أحد المحال التجارية وضع لافتة بلون العلم اللبناني وكتب في وسطها بالأخضر"دمار شامل على الأسعار"، لكن تلك المحاولات كلها فشلت في جذب الزبائن. صاحب المحل وقف خارجاً يمرر حبات السبحة بين أصابعه قال"اليوم فتحنا محالنا نكاية بالمعارضة. إذا ظنوا إنهم سيشلون حركتنا فهم مخطئون". في طريق الجديدة حيث الكثافة السنية تجمَّع شباب الأزقة على النواصي ينتظرون عراكاً. يلتفتون يميناً ويساراً ويرقبون أي تحرك لا يعجبهم. يكادون يتعاركون في ما بينهم لمجرد تنفيس الغضب. حسام الذي بدا أنه زعيم شلته راح ينفث دخان السيجارة بعصبية. ثم قال فجأة:"إذا دخل أحدهم الى منطقتنا سنأكله بأسناننا". وتابع"أمس وقعنا على جاسوس منهم قرب حي الطمليس، فأوسعناه ضرباً ووضعناه في مستوعب النفايات حتى جاءت الشرطة وفضت العراك". المشكلات من هذا النوع تحدث كل ربع ساعة وفي أكثر من حي خصوصاً في المناطق المختلطة بين سنة وشيعة. ففي البسطة حيث صور السيد حسن تنافس بضخامتها صور سعد الحريري، اختلف جاران على موقف السيارة، ودار عراك بينهما حشد له العشرات في غضون لحظات. العصي جاهزة خلف الأبواب وفي المقاعد الخلفية للسيارات، لا تنتظر سوى من يستعملها. رجال المقهى في البسطة خرجوا يتفرجون، ثم عادوا الى قهوتهم وطاولات الزهر. صار الأمر اعتيادياً بالنسبة إليهم. أحدهم وقد بدا الأكثر مللاً بينهم قال:"هم اعتادوا المكوث في الشوارع والخيم ولن يرحلوا قريباً، والحكومة في المقابل لن تتنازل. اعتمادنا على الطقس. عساها تمطر فيرحلون".