مع انتهاء عام 2006، تدخل العلاقة بين المواطن المصري والشرطة منعطفاً جديداً بعد تدخل العديد من الأطراف المحليين والدوليين الذين يعرّون ويحللون وأحياناً يفضحون خبايا هذه العلاقة التي يمكن وصفها بعلاقة"حب - كراهية". الأوساط الإعلامية المستقلة و"العنكبوتية"على شبكة الإنترنت منشغلة منذ أيام بحادث يرى فيه البعض"فضيحة"والبعض الآخر"بلاغاً كاذباً"، هو الاعتداء على سائق سيارة ميكروباص شاب قيل إنه تعرض للضرب والاغتصاب داخل قسم للشرطة، وأنه تم تصوير الواقعة وتوزيعها من خلال شرائط فيديو ورسائل على الهواتف المحمولة بهدف ترهيب المواطنين. هذه الواقعة التي أصدرت في شأنها منظمة"هيومان رايتس ووتش"بياناً قبل ايام مطالبة بمحاكمة ضباط الشرطة الضالعين في الواقعة، كما طالبت الحكومة المصرية ب"تغيير الثقافة التي تجعل من التعذيب ممارسة روتينية في السجون"، ليست الأولى، لكن يتمنى كثيرون أن تكون ضمن وقائع التعذيب الأخيرة، أو على الأقل ضمن وقائع التعذيب الأخيرة التي تمر مرور الكرام. كما يعول عليها حقوقيون على أمل أن تجبر الجهات المعنية على فتح صفحة العلاقة بين المواطن والشرطي، والتي وصلت إلى أسوأ حالاتها في السنوات القليلة الماضية بعدما استشرت الظاهرة المصحوبة بعدم استعداد الكثيرين من ضحاياها إلى المضي قدماً في التقدم بشكاوى أو مقاضاة من عذبوهم. ولعل قصة عماد أبو كبير مثالاً على طبيعة تلك العلاقة، فقد نشر مدونون مصريون مقاطع من الفيلم الذي التقط أثناء تعذيب"الكبير"في قسم شرطة في الجيزة، وتم تحميله على موقع"يو تيوب"على شبكة الإنترنت، والتقطت جريدة"الفجر"المستقلة التي يرأس تحريرها الكاتب الصحافي عادل حمودة خيط الحادث وتمكنت من لقاء السائق الذي سرد ما تعرض له من فظاعات في داخل قسم الشرطة، لكن جريدة"الأهرام"القومية سرعان ما بادرت إلى نشر"تكذيب"نسب إلى السائق الذي قال - حسب الأهرام - إن"الفجر"أساءت إليه ونشرت أقوالاً منسوبة إليه على خلاف الحقيقة. وعاد السائق في ما بعد ليقول من خلال صحيفة وفضائية مستقلتين إنه أجبر من قبل ضابط المباحث على تكذيب جريدة"الفجر"، كما سرد بشجاعة يحسد عليها تفاصيل تعرضه للسب والانتهاك الجنسي على الهواء مباشرة. ورغم ميل وزارة الداخلية إلى التقليل من اهمية القضية والتأكيد على أن تحقيقات موسعة تجري حالياً للتوصل إلى الحقيقة، إلا أن ملف التعذيب انفتح على الملأ وبدأ كثيرون يتحدثون عن الحاجز النفسي العتيد المقام بين المواطن العادي وبين الجهاز الأمني الذي أخذ في النمو والامتداد لاغياً الغاية الحقيقية لمهمة الأمن ألا وهي حماية المواطن والحفاظ على سلامته وكرامته. ولعل استبدال شعار"الشرطة في خدمة الشعب"ب"الشرطة والشعب في خدمة القانون"كان بداية تغيير معالم العلاقة بين المواطن والشرطي والتي يتوقع البعض أن يعاد فتح ملفها بعد واقعة"الكبير". لكن مخاوف أخرى تحوم في الأوساط الحقوقية الإلكترونية خوفاً من أن يركز الأمن في الفترة المقبلة على سن أسنانه الرقابية بشكل أكثر حدة على فضاء الإنترنت الذي استخدمه المدونون المصريون بشكل مكثف جداً هذا العام لنشر كل ما لم يكن ينشر من قبل حتى في الصحف المعارضة والمستقلة، وليس ادل على ذلك من مناوشات القط والفأر التي شهدها انعقاد ورشة عمل تنظمها الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان تحت عنوان"خصم عنيد: الإنترنت والحكومات العربية"، إذ أكدت الشبكة أن فندقين تراجعاً عن قبول انعقاد الورشة فيهما"بعد تلقيهما تهديدات بالإغلاق"بحسب ما أكدته الشبكة.