في خضم الأحداث السياسيّة الساخنة التي يشهدها لبنان، والوساطات الجارية لإيجاد حلول مرضية لللاعبين السياسيين المتعارضين على الساحة، يحتفل الإعلامي جورج صليبي بالسنويّة الخامسة لبرنامجه "الأسبوع في ساعة" على شاشة "نيو تي في". لم تغيّر السنوات الخمس، قناعاته بأن الإعلامي مرادف للتطوّر، "وحين يتوقف عن تطوير ذاته ويكف عن انتقاد نفسه لأنه وصل إلى القمّة والكمال، فمن الأفضل له أن يبقى في بيته". لكن ماذا غيرّت السنوات الخمس على مستوى شكل برنامج سياسي يتعاطى الشأن المحلي بالدرجة الأولى ومضمونه، لا سيّما في السنتين الأخيرتين، منذ تاريخ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، حيث شكل لبنان مركز استقطاب لعيون العالم العربي والغربي على حد سواء، وما انعاكاساتها على أداء صليبي المهني؟ ويكشف صليبي لپ"الحياة"عن تغيّر أمور كثيرة،"فعلى مستوى الشكل، بدأت الفكرة مختصرة تشبه البرامج الحواريّة في التلفزيونات الأجنبيّة التي لا تتعدى مدتها الساعة، حيث كنت أختصر مع ضيف واحد أحداث الأسبوع، إلاّ أننا اكتشفنا مع الوقت أن ما ينطبق على المحطات الأجنبيّة ومشاهدها، لا ينسحب بالضرورة على المشاهد اللبناني وعلى واقع البرنامج الحواري في لبنان، لذا قررنا العودة إلى الصيغة المتعارف عليها، لتكون المدة الزمنية للحلقة ساعتين ونصف الساعة، وبتنا نستقبل أكثر من ضيف، وفعّلنا دور المشاهد الذي يرغب بالمشاركة في النقاش والسجال مع الضيوف. أما لجهة المضمون والأداء، فأنا بصدد تطوير ذاتي بصورة دائمة بين أسبوع وآخر، فكيف إذا كنا نتحدث عن حلقة قدّمتها منذ خمس سنوات، أعتبر أنني خلالها تطورت ونضجت خبرة وأداء وأسلوباً، وفي كيفيّة تعاملي مع ضيوفي، وتعاطيّ مع الحدث والمواضيع السياسيّة، لا سيّما أن الساحة السياسيّة تعيش صخباً لا مثيل له، وهذا ينعكس بطبيعة الحال على كل البرامج السياسيّة وعلى نسبة مشاهديها". لكن، هل بالفعل يتابع المشاهد اللبناني والعربي البرامج المطّاطة التي تتجاوز مدتها الساعة؟ يستدرك صليبي بالقول:"المشاهد بات يلعب دور الحكم أكثر من السابق بوجود سلطة الريموت كونترول في يده وأكثر من مئة محطة متاحة، فيتنقل بين المحطات المحليّة والعربيّة والعالميّة بكبسة زر". ويضيف:"أعرف أن المشاهد لن يظل أمام حلقة حواريّة أكانت سياسيّة، اجتماعيّة، ثقافيّة أم فنيّة، طيلة ساعتين وأكثر، بل سيغيب عن برنامجك ثم يعود إليه مجدداً". وفي وقت ينصرف"الأسبوع في ساعة"إلى القضايا المحليّة بامتياز، أين هو من القضايا العربيّة التي تهم المشاهد في الوطن العربي؟ يلفت صليبي إلى أن"المشاهد العربي لا يعيش في جزيرة منعزلة، ويهمه بالتالي ما يحصل في لبنان، خصوصاً أنه يشكّل نقطة ساخنة في الشرق. ومع ذلك، القضايا المباشرة المرتبطة بالمشاهد العربي وبيئته ومجتمعه تتناوله حاليّاً على شاشتنا كاترين حنا في برنامج"في الممنوع". علماً أن برنامجي لم يغب سابقاً عن القضايا العربيّة حين كانت إحدى الدول العربيّة تشهد أحداثاً أهم من الأحداث اللبنانيّة، ومنها احتلال العراق وسقوط نظام الرئيس صدام حسين، وكذلك بالنسبة الى الموضوع الفلسطيني". ولأن"نيو تي في"ترفع شعار أنها"شاشة مستقلة وللكل"، فإلى أي مدى يشعر صليبي في ظل المعمعة وتخبط الأطراف السياسية بعضها ببعض، أنه قادر على الوقوف على مسافة واحدة من كل الأفرقاء في ظل اتهام المنبر الذي يطل عبره بأنه طرف أو منحاز إلى طرف؟ يؤكد أن"من الصعب أن تجد وسيلة إعلاميّة من دون موقف، وكل قناة تلفزيونيّة لديها خطها السياسي، وهذه ليست تهمة، لكن حين أتابع نشرات أخبار التلفزيونات المحليّة ومقدماتها الصاروخيّة، وحين ألاحظ حجم الاتهامات المتبادلة بينها وبين السياسيين من خلال القنوات المحسوبة على أحزاب وفئات وجهات سياسيّة، أجد أن"نيو تي في"لا تزال تحمل أكبر قدر من الرأي والرأي الآخر". وحول اتهام"نيو تي في"بأنها"تبخ سمّاً"في مقدمات نشراتها؟ يجيب:"ليست"نيو تي في"هي من يسمم الأجواء، بل السياسيون بسجالاتهم وعدم اتفاقهم وتوترهم، ودور وسائل الإعلام نقل الحدث والتعلّيق عليه، إذ نسعى إلى وضع الإصبع على الجرح، فهل النقد ممنوع؟ أما بالنسبة الى مقدمات النشرات، فيعجبني أسلوب مديرة الأخبار مريم البسّام الذي يحمل ما يسمى بالأدب السياسي، فهي تكتب مقدّمة نشرة سياسيّة بنفحة أدبيّة، ولعل هذا ما يعطيها الخصوصيّة". إثارة وموضوعيّة وإذا كان يبتعد عن أسلوب الإثارة في الحوار مع ضيوفه، ولا يؤدي دور محامي الشيطان الذي اقتضى الحوار ذلك، كيف ينظر صليبي إلى البرامج التي يتصارع فيها الضيوف مع بعضهم في حوار أقرب إلى صراع الديوك وتحديداً في برنامج"الاتجاه المعاكس"؟ يقول:"لا أستسيغ هذا الأسلوب ولا أنتمي إليه، إلاّ أنني أجد أن السجال والنقاش أمران جيّدان، لكن ليس بالشكل الذي يظهر في برنامج الزميل فيصل القاسم، الذي أشعر أحياناً بأنه مبالغ به ومفتعل". في المقابل يعرب صليبي عن إعجابه"بأسلوب الإعلامي غسان بن جدو الذي برهن أنه اسم كبير وقادر على تحقيق السبق الصحافي، وبرهن عن ذلك خلال الحرب الإسرائيليّة الأخيرة على لبنان، فكان الرقم واحد بين الإعلاميين الذين واكبوا هذه المرحلة". وحول ما إذا كان مؤمناً بأن البرامج السياسيّة قادرة على لعب دور همزة الوصل بين السياسيين المتصارعين، يشدد صليبي على أن برنامجه كان دائماً منفتحاً على كل القوى السياسيّة، إلاّ أن بعض السياسيين كانوا يرفضون في فترة من الفترات الظهور على"شاشتنا"، لكن الأمور اختلفت اليوم، مستبعداً أن يتمكن برنامج تلفزيوني مهما كان حجمه من القيام بدور الوسيط، لأن"الأزمة بتعقيداتها وتداخلاتها أكبر من قدرة أي وسيلة إعلاميّة على حلّها، خصوصاً أن السلطة الرابعة يملكها في غالبيتها أطراف سياسيون، ولأن وساطات الموفدين من الجامعة العربيّة وغيرها، تقطع مراحل الحل ببطء وتتأرجح بين التفاؤل والتشاؤم". وبعد خمس سنوات، لا يزال صليبي يوزع نشاطه بين قراءة نشرات الأخبار وإعداد برنامجه السياسي وتقديمه. ولطالما اعتقد بأن الأخبار تبقيه على تواصل دائم مع الحدث المحلي، إلاّ أنه لا ينفي فكرة تفرّغه التام لبرنامج ما خلال الفترة المقبلة، من دون تحديد مدة زمنيّة لذلك. وبموازاة تطويره ذاته الإعلاميّة، يتحدث عن درسه عرض عمل مغرياً من إحدى القنوات الإخباريّة، وعن تلقيه عرضاً آخر للتمثيل في أحد الإعلانات التجارية التلفزيونيّة، لكنه لم يحسم امره بعد. أما عن تأجيله المستمر لتنفيذ الجزء الثاني من كتابه"زعامات وعائلات"، فيؤكد أن سخونة الأوضاع السياسيّة، تمنعه من إيجاد الوقت الكافي لتحضيره.