ودعت الأوساط الأدبية والثقافية قبل أيام الكاتب والمقاتل الفلسطيني إسماعيل دبج الذي وافته المنية في دمشق، بعد حياة حافلة بكفاحه ضد الاحتلال الإسرائيلي، كانت أبرز محطاتها سنوات اعتقاله الطويلة في المعتقلات الاسرائيلية بعد أسره إثر عملية عسكرية واجه خلالها مع مجموعة من المقاومين دورية للجيش الإسرائيلي وخاض مع رفاقه معركة عسكرية انتهت بإصابته بجروح بليغة حيث تم أسره وقضى في المعتقل أكثر من عقد من السنوات إلى أن تم الإفراج عنه في عملية التبادل بين الأسرى الفلسطينيين وجنود إسرائيليين كانت تحتجزهم فصائل الثورة الفلسطينية. إسماعيل دبج أصدر مجموعة قصصية واحدة "على حافة الجنون" قبل أن يغيّبه الموت وينهي تدفق الحكايات من ذاكرته ومخيلته معاً. قبل شهور قليلة كتبت مقالة عن مجموعته القصصية ونشرتها في الحياة. لم أكن أعرف إسماعيل ولكنه هاتفني شاكراً وسعيداً بالمقالة. اتفقنا على اللقاء وتواعدنا أن يكون بصحبة صديق مشترك. هكذا ذهب كل منا إلى زحام الحياة ولم نلتق، حتى جاءني نبأ رحيله المفاجئ فشعرت بغصة مضاعفة لغياب من كنت أرى في إبداعه القصصي روحاً جديدة لم تتوافر لغيره من الذين كتبوا القصة القصيرة بين الكتاب الفلسطينيين وبالذات بين من كتبوا"القصة القصيرة جداً". عالم إسماعيل دبج القصصي يمزج في صورة فريدة بين المضامين الوطنية التي استهلكتها أقلام الكتاب وبين المخيلة الشفافة والمفعمة بالتوثب لبناء عوالم نعثر بين سطورها على الصور الأخرى الأكثر ذاتية والأشد إنسانية للمقاومين بصفتهم بشراً من لحم ودم. هؤلاء هم أبطال قصصه وهو ذهب بعيداً في استقصاء آلامهم واجتهد في محاولة رسم عوالمهم الروحية التي لا تطأ أرضها عادة التغطيات الإعلامية ولا يقترب منها الأدب القصصي إلا من الخارج، فنجح في تقديم صور حقيقية ساخنة ومفعمة بالحياة تعيد إلى الأدب دوره وجدارته في التعبير عن الحياة، انطلاقاً من فكرة أن المقاومة هي بداية الحياة وليست منتهاها. إسماعيل دبج... لا أقول وداعاً فمثلك لا يغيب.