تطل سنة 2007 على العالم بسلسلة أزمات خطيرة ورثت بعضها عن إخفاقات الإدارة الأميركية في افغانستانوالعراقوايران، في حين جددت الأزمات القديمة نزاعاتها المتواصلة في فلسطين وكشمير ومعظم دول الشرق الأوسط. وبما أن الفشل الذي مني به الرئيس بوش في الانتخابات النصفية كان يمثل هزيمة لحزبه أيضاً، فقد توقع المحللون استمرار المواجهة السياسية بينه وبين الديموقراطيين. كما توقعوا أيضاً أن تبرز وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس كشخصية مركزية في إدارته بدلاً من نائبه ديك تشيني. والسبب أن رايس تتعايش بسهولة مع التغيير الطارئ، بينما يتشبث تشيني بالمحافظة على تصورات القيادة السابقة. وهذا ما يجعل عمل وزير الدفاع الجديد روبرت غيتس صعباً، لأن سلفه دونالد رامسفيلد كان الثمن الذي دفعه الرئيس من أجل التعايش السياسي مع خصومه. ونتجت عن هذه المحاولة فكرة الاعتماد على لجنة بيكر - هاملتون كصيغة كفيلة بإخراج الادارة الأميركية من مأزق العراق. وتمثل هذه الصيغة في رأي لجنة الدراسات، مخرجاً عملياً يبرر انسحاب القوات الأميركية على أن تتولى بعد ذلك ايران وسورية مسؤولية ضبط الأمن في البلد الممزق. وقد رحبت طهرانودمشق بالفكرة لأنها تمنع إحياء القوة العسكرية العراقية، وتبعد القوات الأميركية عن حدودهما. وذُكر في هذا السياق، ان وزير الخارجية السابق جيمس بيكر هو الذي اقترح ضرورة استخدام النفوذ السوري في العراق مقابل منح دمشق فرصة العودة الى لبنان ولو سياسياً. أي أنه استعاد سياسة المقايضة التي مارسها سنة 1991 عندما شجع الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد على الاشتراك في طرد قوات صدام حسين من الكويت، مقابل تغاضي الولايات المتحدة عن التحكم بمصير لبنان. ويبدو ان هذا الاقتراح لم يلق القبول لدى زعماء العراق الذين اعترضوا على نقل سيادة بلادهم الى ايران وسورية. الرئيس جورج بوش تظاهر أمام الرأي العام الاميركي بأنه يؤيد تقرير بيكر - هاملتون، في حين أرجأ اتخاذ الموقف النهائي الى مطلع سنة 2007. والسبب أنه عازم على زيادة عدد القوات من 140 ألفا الى 175 ألفا شرط إعادة الانتشار الى مواقع آمنة وتكليف القوات المحلية بالمهمات الصعبة. واعترض قادة البنتاغون على هذا القرار لاعتقادهم بأن المعارضة العراقية ستجدد ضرباتها الانتقامية بطريقة أشد عنفاً. ويقول هؤلاء ان عملية الانكفاء الى ما وراء المدن، لن تحمي الجنود الأميركيين من الصواريخ التي يطلقها المتمردون على الثكنات العسكرية. وتشير صحيفة"واشنطن بوست"الى رهان بوش على عامل الزمن، بعد استقباله رئيس الوزراء نوري المالكي وعبدالعزيز الحكيم اللذين توقعا ظهور انفراجات في أزمة العراق. يجمع المراقبون على القول ان العالم لم يشهد منذ الحرب العالمية الثانية، تراكماً للأزمات على هذا القدر من الخطر الداهم. ففي آسيا فجر رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ - ايل قنبلة نووية مطلع تموز يوليو، أحدثت خللا في الموازين الاستراتيجية لدول المحيط الهادي. ثم أعقب هذا التفجير باختبار ناجح للصاروخ الجديد"تايبو دونغ - 2"القادر على اصابة أهداف في كوريا الجنوبية واليابان والاسكا. وكان من الطبيعي ان تعلن اليابان عن استعدادها لدخول النادي النووي اذا استمرت كوريا الشمالية في تزويد الدول المتاخمة بالتكنولوجيا النووية. والى جانب الأزمة الكورية، عادت الى واجهة الأحداث أزمة كشمير لتثير قلق الدول الكبرى، خصوصاً بعد التجربة التي أجرتها الهند على صاروخ"باليستي"جديد. وتتخوف الأمم المتحدة من ازدياد هجمات الأصوليين في البلدين، ومن تجدد المجابهة بين قوتين نوويتين تحركهما مشاعر دينية ملتهبة. يؤكد الديبلوماسيون الروس ان تدخل الرئيس بوتين مع ايهود اولمرت وجورج بوش حال دون تسديد ضربات موجعة الى ايران سنة 2006. ووعد بوتين الرئيس الاميركي بأنه سيلجم ايران عن طريق تشكيل مثلث كبير للطاقة يضم روسيا والصين والهندوايران. ولكن هذا الوعد لم يتحقق بسبب دعم واشنطن للثورات الملونة، وتطويق حدود روسيا بقواعد حلف"الناتو". وبما أن بوتين مصمم على احياء الامبراطورية الروسية، لذلك حرص على تجميع أكبر عدد من أوراق الضغط بين يديه. وعليه باشر باستعادة أكثر من سبعين في المئة من قوة بلاده الاقتصادية السابقة، اضافة الى تجديد ما نسبته ثمانون في المئة من القوة العسكرية. في المقابل، تقوم الصين بدعم الموقف الروسي المعارض للتمدد الأميركي في الشرق الأوسط. وهي مطمئنة الى قدرتها على بلوغ مستوى المنافسة الدولية للولايات المتحدة سنة 2020، يوم تطرح نفسها بديلة من الاتحاد السوفياتي السابق. والى أن تصل الى هذا المستوى، قررت استمالة الدول الافريقية كخطوة أولى في سلسلة تفكيك الامبراطورية الاميركية المتهاوية. وهذا ما يفسر دعمها للحكومة السودانية في دارفور. وبين المشاكل المرشحة لأن تتصدر مشاكل سنة 2007 مشكلة حافة الحرب بين واشنطنوطهران. ويرى المعلقون ان تدخل ايران في العراق وما انتجه من تعقيدات خطيرة، كان سبباً وجيهاً في إرباك القوات الأميركية والبريطانية. ويقول الرئيس محمود أحمدي نجاد ان بلاده تنشط من خلال مشروع سياسي يهدف الى تصحيح الخطأ التاريخي الذي ارتكبته الدول الكبرى في فلسطين سنة 1947. وهو يحاول تجييش أكبر عدد من الدول الاسلامية وراء هذا المشروع الذي تقوده"حماس"و"الجهاد الاسلامي"و"حزب الله". بعد مرور ست سنوات على حكم جورج دبليو بوش، يواجه الرئيس الاميركي حالياً معضلة التعايش مع خصومه السياسيين في الحزب الديموقراطي. كما يواجه بالتالي سلسلة أزمات ضد ما سماه ب"الارهاب"في افغانستانوالعراقولبنانوغزة. ويقول جيمس بيكر ان سلفه هنري كيسنجر فاوض السوريين، مثله مثل وارن كريستوفر وجورج شولتز ومادلين أولبرايت. وهو يؤكد أهمية استعداد بلاده لمفاجآت غير متوقعة قد تحدث في أماكن مختلفة من العالم مثل: تركيا وباكستان ومصر وسورية والأردن والصومال. لذلك طالب برسم استراتيجية شاملة قائمة على الحاجة القومية والأمنية الطارئة. والسبب ان سياسة"الفوضى البناءة"خلقت ديناميكية جديدة من عدم الاستقرار العالمي لم يشهد العالم تهديداً مماثلاً له منذ أزمة الصواريخ الكوبية مطلع الستينات. وعلى رغم حدة تلك الأزمة وخطورتها، إلا ان نيكيتا خروتشيف وجون كينيدي نجحا في احتوائها لأن حلها انحصر في زعيمين فقط، بينما الأزمات الحالية لا تعرف أين تختبئ مرجعياتها، أهي عند اسامة بن لادن أم عند أيمن الظواهري... عند محمود عباس أم عند خالد مشعل... عند حسن نصرالله أم عند فؤاد السنيورة... عند زعماء"المحاكم الاسلامية"في الصومال أم عند قادة السلطات الانتقالية... عند الرئيس نوري المالكي أم عند زعيمي المعارضة مقتدى الصدر وعزة الدوري؟ مع الانفجار داخل غزة، تعرضت القضية القومية المركزية لأزمة دستورية يخشى ان تتحول الى حرب أهلية. ومع ان الرئيس محمود عباس يعرف جيداً ان"حماس"لن تقبل بالانتخابات المبكرة، إلا انه يحاول دفع العملية السلمية لعله ينجح في تخطي الهدنة. والثابت ان ايهود اولمرت مرتاح جداً الى وجود"حماس"كونها تمنحه العذر المطلوب للادعاء بأن الشريك الفلسطيني غير موجود على الطرف الآخر. ويؤكد المراسلون الاجانب في القدس، ان الحكومة الاسرائيلية ستدعم انتصار"حماس"في الانتخابات المبكرة، لأن ذلك يعفيها من مفاوضات السلام. ومثل هذا الوضع المتقيح يشير الى استمرار الهدنة الى حين حدوث انفراج في العلاقات الايرانية - الاميركية - السورية. عقب تسلم روبرت غيتس وزارة الدفاع خلفاً لرامسفيلد، زار بغداد مرة ثانية بهدف نشر الأمن والاستقرار. وطلب من العراقيين عرض صيغة تفاهم في ما بينهم كثمن للانسحاب الاميركي. وبين الاقتراحات التي قدمها عرض مغر للمساومة على إرجاع قوات البعث للمشاركة في الحكم، مقابل العفو عن عزة الدوري وإطالة أمد محاكمة صدام حسين الى ما لا نهاية. والغرض من كل هذا اعادة التوازن الى القوى الثلاث الكبرى في العراق لعل هذا التعديل يعيد بعض الاستقرار الى لبنان والبحرين، الدولتين اللتين تعرضتا للاهتزاز الأمني عقب سقوط المعادلة السياسية السابقة في العراق. ويرى علماء رصد المستقبل ان ايران نجحت بواسطة العقيدة والمال"النظيف"، ان تربط كل أزمات المنطقة بمرساة الجمهورية الاسلامية، الأمر الذي يجعلها قوة اقليمية مرشحة للضرب أو التفاوض. ومن المؤكد ان سنة 2007 ستشهد على تنفيذ واحد من الخيارين! * كاتب وصحافي لبناني