أصدر القضاء الليبي أمس أحكاماً بالإعدام بحق خمس ممرضات بلغاريات وطبيب فلسطيني، لإدانتهم بحقن 426 ولداً في مستشفى بنغازي بجرثومة الايدز. ولا شك أن وفاة خمسين طفلاً من جراء اصابتهم بالايدز مأساة وكارثة وطنية في أي بلد. ولا شك أيضاً أن من حق عائلات بنغازي التي اصيبت بهذه الكارثة أن تثور وتطالب بمعرفة حقيقة ما جرى. فالقضاء الليبي والسلطات الليبية حصرا المسؤولية بالممرضات البلغاريات الخمس والطبيب الفلسطيني واتهامهم بحقن جرثومة الايدز للأطفال المصابين، في حين أن الطبيب الفرنسي المشهور البروفسور مونتانييه، وهو مكتشف جرثومة الايدز، زار مستشفى بنغازي وعاين الأولاد ووضع تقريراً جدياً ومهنياً، يؤكد أن اصابتهم سبقت وصول الممرضات البلغاريات للعمل في المستشفى، ولا يمكن أن تكون الممرضات والطبيب الفلسطيني هم الذين ادخلوا الجرثومة لحقنها. وحقيقة ما كشفه الخبراء الدوليون في الطب من مونتانييه إلى بروفسور ايطالي معروف، هو أن قذارة مستشفى بنغازي واهمال تعقيم الحقن المستخدمة لمعالجة الأطفال هو ما أدى إلى كارثة اصابة 426 منهم بالايدز. ومن اسهل ما يكون إلقاء المسؤولية على ممرضات أجانب وطبيب فلسطيني واعتقالهم والحكم بالإعدام عليهم وتحويلهم إلى كبش فداء، في حين أن الكل يعرف أن السلطات الليبية مسؤولة عن الاهمال السائد في مستشفياتها ومؤسساتها، كما في كل قطاعات هذا البلد، حيث ساهم حكم اللجان الشعبية في تعميم الفوضى في مختلف الوزارات والمؤسسات السياحية وكل ما له علاقة برعاية الدولة. وليبيا بلد صغير وجميل وغني، وكان بإمكانه أن يكون جنة سياحية تستفيد من ثروتها النفطية، بدلاً من أن يسود الاهمال لسوء حظ الشعب الليبي مختلف القطاعات، وسط فوضى نتجت عن تفكيك مؤسسات الدولة لصالح ما يسمى باللجان الشعبية. فحرام أن يتم إعدام ممرضات وطبيب فلسطيني في حين أن المسؤولين عن الاهمال في ليبيا كثر، فيما ليبيا التي عادت منذ فترة قصيرة إلى الأسرة الدولية، بغنى عن مثل هذه القضية، خصوصاً أن أكثر من خبير عالمي في وباء الايدز أثبت أن الأطفال تم تلويثهم قبل وصول الممرضات الى بنغازي. والممرضات والطبيب الفلسطيني ليسوا مسؤولين عن الكارثة التي اصابت مدينة بنغازي نتيجة الاهمال والفوضى في مستشفى المدينة. والمطلوب أن تعيد المحكمة الليبية النظر في قرار إعدام المتهمين الذين تحولوا إلى كبش فداء، من جراء اهمال السلطة، التي تتخوف من غضب أهالي بنغازي.