يتزامن تفعيل الدور الروسي بالشرق الأوسط مع تراجع دور الديبلوماسية الاميركية. فنفوذ هذه الديبلوماسية تقوض في المنطقة في الأشهر الأخيرة. وكانت جولة وزيرة الخارجية، كونداليزا رايس، في تشرين الأول اكتوبر، آخر محاولات واشنطن الديبلوماسية الإقليمية. وحاولت رايس، في زيارتها تلك، إنشاء محور من الدول المعتدلة نظير نفوذ المتطرفين بلبنان وفلسطين، والتصدي للمحور الإيراني - السوري. ولم يكلل مسعى رايس بالنجاح، ولم يستسغ القادة العرب أفكارها. فاضطرت الى إلغاء زيارتها إلى لبنان. ولا يحبذ السياسيون العرب زيارة واشنطن في هذه الأيام، ويفضلون زيارة موسكو عوضاً عنها. ففؤاد السنيورة، رئيس الحكومة اللبنانية المقرب من الغرب والولايات المتحدة، قصد موسكو طالباً المساعدة. ويلي زيارة السنيورة زيارة ممثل خط سياسي مناهض لخط السنيورة السياسي، هو الرئيس السوري بشار الأسد. ويدور كلام على أهمية تنسيق جهود الدول الكبرى على طريق تسوية سلمية بالشرق الأوسط. ولا شك في ان ضعف الموقف الأميركي يعزز دور موسكو. وجليّ أن السياسة الشرق أوسطية تتقلب وتجري حوادثها في غياب الأميركيين وحضور الروس. وليس هذا الواقع مستجداً بالشرق الأوسط. فموسكووواشنطن رعتا مؤتمر مدريد للسلام. ولكن رعاية موسكو المؤتمر وعملية السلام كانت شكلية. فمنذ بداية التسعينات المنصرمة، غلبت السياسات الاميركية على غيرها من السياسات بالشرق الأوسط. وسعت واشنطن، منفردة، الى إحلال السلام بين العرب وإسرائيل. ولكن الدور الأميركي بالشرق الأوسط تغير. فحلم الرئيسين بيل كلينتون وجورج بوش في إحكام السيطرة الاميركية على الشرق الأوسط لم يبصر النور. وبات تحقيق هذا الحلم محالاً. والقرينة على هذه الاستحالة هي حوادث لبنان وفلسطين. وفي روسيا مداولة على عقد المؤتمر الدولي للسلام بالشرق الأوسط في موسكو، عوض مدريد. وبعد أكثر من عقد على مؤتمر مدريد، يعيد التاريخ نفسه بالمنطقة. والفرق الوحيد بين الماضي والحاضر هو سعي موسكو الى تأدية دور مركزي ديبلوماسي بالشرق أوسطية، والحلول، تالياً، محل واشنطن. وإذا نجحت موسكو حيث فشلت واشنطن، ولجمت نتائج سياسات واشنطن السلبية السابقة، جنت رصيداً سياسياً هائلاً قد تستثمره في علاقاتها بالولايات المتحدة وأوروبا. ولكن على موسكو توخي الحذر. فالشرق الأوسط اعتاد منذ زمن بعيد العيش من دون وصاية شقيق كبير، سواء كان أميركياً أو روسياً. عن سيرغي ستروكان ، "كوميرسانت" الروسية، 14 / 12 / 2006