تختصر ساحة ساسين في الاشرفية المزاج العام في المناطق والضواحي المسيحية للعاصمة اللبنانية أمس. صورة الوزير الراحل بيار الجميل تواجه الصورة"المستعادة"للجنرال ميشال عون وبينهما مجسم لبشير الجميل. الصور كلها موقعة باسم"شباب الاشرفية"الذين لم نتبين وجوههم بالتحديد، فيما رصد لحماية كل منها دبابة وعشرات من افراد الجيش اللبناني. أما المقاهي المحيطة بالساحة والشوارع التجارية المتفرعة منها فالتزمت بدوام يوم عمل اعتيادي. بعض الشباب والصبايا جلسوا في شمس مقهى"ستاربكس"وواجههم آخرون في مقهى"التشيز". الحركة تكاد تكون طبيعية لولا موكب"برتقالي"يمر من حين الى آخر متوجهاً إلى نقطة التجمع. والواقع ان ازدحام السير الذي كانت تشهده تلك المناطق في التظاهرات السابقة ومن بينها تلك التي شارك فيها"التيار الوطني الحر"لم يبد له الوقع نفسه أمس. فالانتقال من الاشرفية الى الدكوانة وانطلياس والجديدة والزلقا وفرن الشباك والعودة منها الى الوسط التجاري لم يستغرقا أكثر من ساعتين ونصف الساعة. فالحركة على طول الطرقات العامة هادئة، والمحال التجارية مفتوحة وقد آثر بعضها عرض زينة الميلاد ورأس السنة. شيء من"الحياد السلبي"طغى على المشهد العام في الضواحي الشرقية لمدينة بيروت في يوم التظاهر الكبير. فلا هي رفعت الأعلام اللبنانية على شرفاتها كما دعا رئيس الحكومة فؤاد السنيورة وزعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ، ولا حملت الرايات البرتقالية ونزلت بها الى الشوارع. حتى أن منصات بيع الأعلام بقيت محتفظة بأعلام حزب الكتائب التي كانت طرحتها في السوق الاسبوع الماضي إثر اغتيال الجميل. ويبدو أن تلك المناطق والأحياء لم تفق من صدمة الاغتيال بعد، ولا أثرت فيها كثيراً الخطب الحماسية الداعية الى المشاركة الكثيفة، ذاك ان غالبية الدكاكين والمحال أبقت على صور الجميل معلقة على واجهاتها وعلى اللافتات المنددة بالجريمة، فيما"بيوت الكتائب"المطلة مباشرة على الطرق العامة أذاعت خطب شهيدها على مكبرات الصوت. في سوق الدكوانة مر موكب سيارات لپ"التيار الوطني الحر"وقد أطلق العنان للأبواق والأناشيد فدخلت سمية صاحبة محل لبيع الألبسة النسائية الى محلها وأقفلت الباب. سمية كانت شاركت سابقاً في تظاهرات التيار"ليس لأنها منظمة فيه وإنما لأن خطابه السياسي يرضي تطلعاتها"كما تقول. اليوم فضلت سمية وعائلتها عدم المشاركة"لأن المسيحيين ما عادوا يحتملون انقسامات أكثر، وكلام البطريرك كان واضحاً". كثير من العونيين لم يشاركوا في تظاهرة أمس بذرائع شتى. فريدي قال إن مؤسسته لن تغلق ولا يمكنه أن"يعطل على حسابه". رامي في المقابل كان"على وشك النزول"كما قال حين سمع"كلام فرنجية الوزير السابق سليمان فرنجية المهين بحق البطريرك". وقال الشاب إنه لو نزل لكان شعر بأنه يؤيد تلك الإهانة. لكن الحشد العوني الفعلي لم يعتمد على أمثال سمية ورامي وفريدي من مسيحيي المدن والمتن الشمالي بل على أبناء المناطق البعيدة والارياف الذين جاءوا بحافلات مؤمنة اقلتهم من قراهم في ساعات الفجر الاولى. طبيبة من عكار قالت إن مواعيدها كلها ألغيت اليوم وحظيت بيوم عطلة لم تحسب له حساباً لأنه اتضح"أن مرضاها غالبيتهم عونيون ونزلوا الى بيروت للمشاركة". وأضافت"المنطقة عكار كلها زحفت". ذاك"الزحف"كان ممكناً ملاحظة بعضه عند مرفأ بيروت ومحطة شارل حلو للمواصلات حيث أنزلت السيارات والباصات المتظاهرين وقد رفعوا أعلام"التيار الوطني الحر"و"تيار المردة"التابع لفرنجية والحزب السوري القومي. وهتف المشاركون"بدنا نسقط الحكومة/ أصفر أخضر ليموني"في إشارة الى ألوان الأحزاب المشاركة في التحرك، كما هتفوا"يا سنيورة نزال نزال/ هالحكومة بدا رجال". أنصار المردة القادمون من قضاء زغرتا في الشمال صبوا تركيزهم على زعيمهم فهتفوا"أنت البطرك البطريرك يا سليمان"، وزايد آخرون عليهم فقالوا"أنت البابا يا سليمان". ولم يتوان البعض عن إطلاق الشتائم والسخرية من فريق 14 آذار . لكن شباب انضباط"حزب الله"منعوا تكرار تلك العبارات وطلبوا ممن يرددها أن يستبدلها أو يصمت. وأمام غياب وحدة اللافتات المرفوعة أو الشعارات او الانفعالات، لم يبق أمام المنظمين إلا الانكباب على منع وقوع أي اشتباك أو تعارك عند مناطق الاحتكاك والمنافذ المؤدية الى ساحة التجمع.