من الظواهر الصحية اللافتة التي تشهدها صناعة الدراما في العالم العربي، وخصوصاً في السنوات الأخيرة، استعانة كل دولة بممثلين من دول أخرى، ولعل المثال الأبرز الذي يرد إلى الذهن، مشاركة الممثل السوري جمال سليمان في مسلسل"حدائق الشيطان"لإسماعيل عبد الحافظ ونجاحه في أداء دور صعيدي لاقى نجاحاً واسعاً لدى عرض العمل في رمضان الفائت. ويبدو أن هذه التجربة الناجحة، على رغم أنها لم تكن الأولى، قد أغرت شركات الإنتاج المصرية في تكرارها، إذ تقول الأنباء أن سليمان سيجسد دوراً آخر، مع عبد الحافظ، في مسلسل"حق مشروع"، في ما سيسند دور البطولة إلى الممثل السوري باسم ياخور في المسلسل المصري"الشيماء"، وسيظهر أيمن زيدان في مسلسل مصري كوميدي بعنوان"طلقات في الهواء"، وكانت السورية جمانة مراد سبقت هؤلاء في اقتحام قلعة الدراما المصرية. الدراما السورية، بدورها، تستعين بممثلين من المغرب ومن العراق، وربما يعود هذا التقليد إلى بداية السبعينات حين استعانت مؤسسة السينما السورية بالمخرج المصري توفيق صالح ليتولى إخراج فيلم"المخدوعون"الذائع الصيت، أما المثال الدرامي الأقرب والأبرز فهو مسلسل"الحور العين"لنجدت أنزور الذي استقطب حشداً من الممثلين من مختلف الدول، فإلى جانب السوريين، ظهر في هذا المسلسل ممثلون من لبنان والسعودية، والأردن وتونس ومصر كما أن حضور الممثل اللبناني احمد الزين بات مألوفاً في المسلسلات السورية، ناهيك عن التبادل الدرامي القائم بين دول الخليج من جهة، وبين سورية ومصر ولبنان من جهة أخرى. لا شك في أن مثل هذه التجارب مفيدة من زوايا عدة، فهي تقدم المزيد من الخبرات للممثل الذي يتحتم عليه، الآن، أن يعمل ضمن ظروف وتقاليد فنية تختلف عما اعتاد عليه، فهو يتعامل مع لهجة مختلفة، ومع مخرجين وفنيين آخرين، كما أن الجهة التي تستعين بهذا الممثل أو ذاك توظف مواهبه على نحو يثري العمل، والأمر الآخر هو أن هذا الإجراء يحد من احتكار شركات الإنتاج التلفزيونية للممثل الذي يتعرض للابتزاز مع غياب الخيارات أمامه. ولئن كان التنافس، في السابق، ينحصر على المستوى المحلي فقد اصبح، الآن، على المستوى العربي، وهو ما يجبر شركات الإنتاج على احترام حقوق الممثل، وتقدير جهوده، مع التذكير هنا بضرورة الاهتمام بالمواهب الصاعدة، والوجوه الجديدة، وعدم الاكتفاء باختيار النجوم، والمكرسين. الممثل بدوره حين يجد زملاءه وجدوا فرصتهم خارج النطاق المحلي، سيبذل جهوداً مضاعفة، كي يتسنى له فرصة مماثلة، وكل ذلك يخدم، في النهاية، صناعة الدراما العربية ويرتقي بها، ويبعدها عن الابتذال والسطحية، وطالما أن الفن لا هوية له - كما يشاع - فإن المطلوب تشجيع مثل هذا التبادل الدرامي فيمتد، ويتوسع ليشمل فضلاً عن الممثل المخرج، وكاتب السيناريو والمصور ومصمم الأزياء والديكور... وصولاً إلى مرحلة نقرأ فيها"تيترات"مسلسل ما وقد ضمت أسماء من مختلف البلاد العربية، وهذا يقودنا، وبقليل من المجازفة، إلى القول أن ما أفسدته سياسات الأنظمة العربية قد تصلحه الدراما!