استنبطت مدارس التعليم الفرنسية فروعاً دراسية نزولاً على حاجات المجتمع المستجدة. وعلى خلاف ما هو شائع، تنشئ المدرسة موادها الدراسية، ولا تقتصر على تبسيط المعارف، ونقلها الى جمهور التلاميذ العريض، أو على تعميم الاكتشافات الجامعية. فعلى سبيل المثال، وضعت المدارس الفرنسية مادة قواعد الصرف والنحو تمهيداً لتدريس أصول كتابة الكلمات وتهجئتها. ففي القرن الثامن عشر، بعد انتشار الكتابة وتواري الأمية، برزت حاجة الفرنسيين الى الإلمام بأصول كتابة الكلمات. ولم يطالب المجتمع المدرسة بوضع مادة قواعد الصرف والنحو، بل دعاها الى الحرص على اتقان التلاميذ أصول الكتابة. وبادرت المدرسة الى استنباط فرع معرفة جديد يخولها تذليل مشكلة واجهها المجتمع الفرنسي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. ففي 1833، نص قانون غيزو على امتحان أساتذة التعليم المدرسي قبل توظيفهم. وفي بادئ الأمر، امتحن المعلمون في المواد التالية: الحساب والإنشاء أو التعبير الكتابي، وأصول كتابة الكلمات. وما لبث أن اقتصر هذا الامتحان على مادة أصول الكتابة، بحسب سجلات الأرشيف الوطني. وبين 1833 وپ1880، فشل نحو تسعين في المئة من الأساتذة الممتحنين في النجاح في مادة أصول الكتابة. ولم يلتحقوا، تالياً، بالمدارس. وفي 1831، كان 63 في المئة من المعلمين و90 في المئة من المدرسات، غير ملمين بأصول تهجئة الكلمات. وفي القرن التاسع عشر، عزيت هزيمة 1871 الى تدني مستوى التحصيل العلمي في صفوف الجيش الفرنسي قياساً على مستوى هذا التحصيل في صفوف الجيش الألماني. والى يومنا، ينفرد الفرنسيون عن غيرهم من مواطني الدول الأوروبية بإيلاء قواعد اللغة الفرنسية حصة راجحة في مناهجهم التعليمية. فقواعد اللغة الفرنسية أصعب من قواعد اللغة الانكليزية. وليس تصريف الكلمات الفرنسية وإعرابها أمراً يسيراً. وفي القرن التاسع عشر، واجه المعلمون الفرنسيون مشكلة اخرى. فهم لاحظوا أن تلاميذهم عاجزون عن فهم نصوص الأدب الفرنسي الكلاسيكية. وكان الناس، يومها، يحسبون أن المجتمع الفرنسي يتداول لغة كبار أدباء القرن السابع عشر. وعلى خلاف هذا الحسبان، لاحظ رئيس امتحانات القواعد الصرفية والنحوية ان المعلمين الممتحنين يتقنون أصول كتابة كلمات اللغة اللاتينية واللغة اليونانية، ويرتكبون الاخطاء حين كتابة كلمات فرنسية. وعليه، أساء المرشحون ترجمة نصوص فرنسية الى اليونانية، وحرفوا المعنى المقصود بالفرنسية بسبب عجزهم عن ادراك هذا المعنى ومقصده. ويعود فضل اكتشاف هذه المشكلة ومعالجتها الى الأساتذة، وليس الى وزارة التربية. ولم يكن في وسع اساتذة اللغة الفرنسية وأعضاء لجنة التحكيم، وهي تمتحن المرشحين الى منصب استاذ في المرحلة الثانوية، شرح الادب الفرنسي الكلاسيكي. فبرزت حاجتهم الى طرق وتقنيات تساعد الاساتذة على تحليل النص وشرحه، ونقل هذه التقنيات والشروح، من بعد الى التلاميذ. وبعد خمسة عقود من التجربة والبحث، نجح الاساتذة - الباحثون في إرساء نظام دراسة يخولهم امتحان طلبة المرحلة الثانوية في نصوص الادب الكلاسيكي الفرنسي، في 1890. ولا شك في ان اهمال تطوير مناهج التعليم أصول كتابة الكلمات وتهجئتها يفضي الى"ثغرة تعليمية"، على نحو ما يقال ثغرة أمنية. عن أندري شيرفيل مؤرخ فرنسي، "لوموند دو ليدوكاسيون" الفرنسية، 12 / 2006