وفاة الملحن محمد رحيم عن عمر 45 عاما    مصر.. القبض على «هاكر» اخترق مؤسسات وباع بياناتها !    ترامب يرشح سكوت بيسنت لمنصب وزير الخزانة    حائل: دراسة مشاريع سياحية نوعية بمليار ريال    «موديز» ترفع تصنيف السعودية إلى «Aa3» مع نظرة مستقبلية مستقرة    الاتحاد يتصدر ممتاز الطائرة .. والأهلي وصيفاً    "بتكوين" تصل إلى مستويات قياسية وتقترب من 100 ألف دولار    بريطانيا: نتنياهو سيواجه الاعتقال إذا دخل المملكة المتحدة    الأمر بالمعروف في عسير تفعِّل المصلى المتنقل بالواجهة البحرية    النسخة ال 15 من جوائز "مينا إيفي" تحتفي بأبطال فعالية التسويق    القادسية يتغلّب على النصر بثنائية في دوري روشن للمحترفين    (هاتريك) هاري كين يقود بايرن ميونخ للفوز على أوجسبورج    نيمار: فكرت بالاعتزال بعد إصابتي في الرباط الصليبي    وزير الصناعة والثروة المعدنية في لقاء بهيئة الصحفيين السعوديين بمكة    مدرب فيرونا يطالب لاعبيه ببذل قصارى جهدهم للفوز على إنترميلان    الأهلي يتغلّب على الفيحاء بهدف في دوري روشن للمحترفين    وفد طلابي من جامعة الملك خالد يزور جمعية الأمل للإعاقة السمعية    قبضة الخليج تبحث عن زعامة القارة الآسيوية    القبض على (4) مخالفين في عسير لتهريبهم (80) كجم "قات"    أمير المنطقة الشرقية يرعى الأحد ملتقى الممارسات الوقفية 2024    بمشاركة 25 دولة و 500 حرفي.. افتتاح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض غدا    بحضور وزير الثقافة.. «روائع الأوركسترا السعودية» تتألق في طوكيو    مدرب الفيحاء يشتكي من حكم مباراة الأهلي    أوكرانيا تطلب أنظمة حديثة للدفاع الجوي    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    أمانة الشرقية تقيم ملتقى تعزيز الامتثال والشراكة بين القطاع الحكومي والخاص    رحلة ألف عام: متحف عالم التمور يعيد إحياء تاريخ النخيل في التراث العربي    «طرد مشبوه» يثير الفزع في أحد أكبر مطارات بريطانيا    فيتنامي أسلم «عن بُعد» وأصبح ضيفاً على المليك لأداء العمرة    هل يعاقب الكونغرس الأمريكي «الجنائية الدولية»؟    شقيقة صالح كامل.. زوجة الوزير يماني في ذمة الله    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    الرعاية الصحية السعودية.. بُعد إنساني يتخطى الحدود    فريق صناع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في جناح جمعية التوعية بأضرار المخدرات    "الجمارك" في منفذ الحديثة تحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة "كبتاجون    الملافظ سعد والسعادة كرم    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    «السقوط المفاجئ»    حقن التنحيف ضارة أم نافعة.. الجواب لدى الأطباء؟    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    ترمب المنتصر الكبير    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    فعل لا رد فعل    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالكبير الخطيبي يؤيد فرنسا الحرة ويرفض فرنسا الاستعمارية والعنصرية : "اللغة مستقلة عن الأرض والعرق ولا علاقة بين لغة الكاتب وانتمائه الوطني"
نشر في الحياة يوم 06 - 09 - 1998

رجل هادىء. متحدث مقتنع بما يقول ويسعى بإخلاص الى الإقناع به. وصلت، الى مكتبه، في الوقت المحدد فعلمت أنه لا يزال مستغرقاً في اجتماع مع أساتذة "المعهد الجامعي للبحث العلمي" الذي يديره منذ سنوات. لما غادر الأساتذة مكتب الدكتور عبد الكبير الخطيبي استرجعنا ذكريات لقاء سابق - بداية الثمانينيات - عندما حلّ الخطيبي ضيفاً على كلية الآداب بفاس لمحاورة الطلبة والأساتذة.
ولعل ولادة الرجل إبّان الحرب العالمية الثانية ودخول التاريخ العالمي الى طفولته الأولى جعلا اهتماماته يحكمها قطبان: قديم تراث عربي وحديث الثقافة الإنسانية كما أنّ هيمنة الاجتهاد والتأمل المتواصل قاداه الى مساءلة القناعات وزعزعتها قديمة كانت أم حديثة وقاداه كذلك الى الانخراط في الثقافة الإنسانية والتأمل في مجمل تحولات المغرب والمغرب العربي.
رجل يقوم ثقافياً بالربط بين حضارتين أو ثقافتين...
ولعل أصالة اجتهاد الخطيبي هي التي أدّت الى الاهتمام المتزايد بكتاباته تخييلية كانت أم بحثية أم فنية، ومن الأمثلة على ذلك تنظيم مؤتمر في بحر سنة 1999 حزيران يونيو موضوعه "مؤلفات الخطيبي وفكره"، تنظمه جماعة من الباحثين الجامعيين الأميركيين والمترجمين الأميركيين والمغاربة. وسيتم تشكيل لجنة مصغرة، الى جانب هذا المؤتمر، تتكون من مترجمي مؤلفات الخطيبي من الفرنسية الى الإنجليزية. وسيكون هذا المؤتمر، وهو الأول من نوعه، مناسبة لطرح مسألة ترجمة نصوص الخطيبي من جهة وترجمة الإبداع "المغاربي" المكتوب باللغة الفرنسية. وينتمي هؤلاء الجامعيون الى نحو عشرين جامعة أميركية منها جامعات أوستن، كولومبيا وكونكتيكوت.
ونزولاً عند رغبة الخطيبي اتفقنا على تخصيص هذا الحوار للإبداع على أن نخصّص حواراً ثانياً - وربما ثالثاً فيما بعد - مع الخطيبي كعالم للاجتماع وكناقد فني ذلك أنه يصعب حصر الكاتب المتعدِّد وتقديمه في حوار واحد، فهو يتمرَّد على أي تصنيف، ألم يقل عنه عالم السياسة عبدالله ساعف في معرض محاولته تفسير علاقة المثقفين المغاربة المعاصرين بالسلطة السياسية ان الخطيبي ليس "الفقيه" الذي يحاول أن يبقى بعيداً عن السياسة، وليس هو رجل القانون الذي يتحالف مع السلطة، لكنه وراث وضع الصوفي الذي يُصغي الى المدِّ الذي يَهُزُّ الأعماق السرية للمجتمع.
هذا الحوار أجريناه مع الخطيبي غداة فوزه بجائزة الإستحقاق الكبرى وفي مناسبة اعادة اصدار كتبه في طبعات جديدة:
كيف أتيتَ الى الكتابة؟
- الواقع أن السؤال الحقيقي والمنطقي هو: كيف أتَت الكتابةُ إليّ؟ فالكتابة هي التي تجتذب الشخص وتكتشف ميوله اليها ورغبته في الخوض فيها. وتجب الإشارة في هذا الصدد، أنني لما كنت تلميذاً داخلياً في ثانوية محمد الخامس في مراكش، مارست مطالعة الكتب الأدبية بالعربية والفرنسية. وقد تأتَّى لي آنذاك كتابة قصائد ونصوص نثرية وعمري لا يتجاوز الحادية عشرة. وكنت قد بعثت بعض هذه الكتابات الى الإذاعة المغربية والبعض الآخر الى جريدة "ماروك بريس" في الدار البيضاء.
وإذا كان كثير من الشباب يجنحون في مثل هذه السن الى الكتابة، فالجدير ذكره أن الكتابة المبكرة أصبحت بالنسبة لي مرتبطة بكيفية وثيقة بالحياة وبالوجدان. فقد ازددت في بداية الحرب العالمية الثانية في بلد مستعمَر وفي وسط فقير نسبياً" فصادفت بداية تجربتي في الحياة فترة صعبة من تاريخ المغرب، فكانت الكتابة عبارة عن نوع من التحرّر من القيود التي تعرقل مسيرة كل شاب طموح.
لماذا تكتب؟ وقد قلت ذات يوم نحن نكتب لأننا نريد أن نؤكد قيماً جديدة.
- يجب هنا كذلك أن نطرح السؤال على الشكل التالي: ماذا نكتب؟ في البداية، كانت الكتابة بالنسبة لي عبارة عن رغبة تلقائية، قبل أن تكون وليدة إرادة أو مشروعاً معيناً أو برنامجاً محدداً. ومن هنا يتوجب وضع السؤال كما يلي: ماذا كتبت وفي أي ميدان؟
وفي هذا الباب، أورد المعطيات التالية حول مؤلفاتي وذلك قصد تقريب القارىء منها:
لقد تم حتى الآن نشر خمسة وعشرين مؤلفاً وأكثر من مئة وخمسين مقالاً تتوزع على ثلاثة ميادين أساسية: الأدب مجالات الرواية، والشعر والفن المسرحي، دراسات وأبحاث في العلوم الاجتماعية حول المجتمع المغربي والمجتمع "المغاربي" والثقافة الشعبية والحضارة الإسلامية، الفن، وخصوصاً الفن العربي - الإسلامي الخط، الزربية، الفنون التشكيلية....
ومن البديهي أن اجراء حوار مثمر بخصوص هذه الكتابات لن يتأتّى إلا بتواجد قرّاء لهم إلمام جيد بها. وفي نفس السياق تجب الإشارة الى أنه لا توجد الى حد الآن دراسات وتحاليل تتناول إنتاجي من جميع جوانبه.
لو تحدثنا عن بعض طقوس الكتابة لديك متى وأين تكتب...؟.
- الواقع أني أعتمد تقنية كلاسيكية تتمثل في كوني آخذ معي دفتراً مذكرة أكتب فيه في كل وقت وفي كل مكان.
كتابة الشعر بالنسبة إليك هل تضعها في المرتبة ذاتها ككتابة الرواية والبحث، أم تراها بمثابة استراحة المحارب؟
- إني أعتبر أن الشعر يُشكّل الجوهر في جميع اللغات، ذلك لأن للشاعر منهجاً وتقنيات خاصة به، نلخصها كالتالي:
1 - يجب أن يعبر الشاعر عن أكثر ما يمكن بأقل كلمات ممكنة وذلك باللجوء الى التشبيه والاستعارة...
2 - يجب أن يكون للغة إيقاع غير اصطناعي، إيقاع حي له علاقة متينة بالشعور والتجربة الحياتية...
3 - يجب أن يعكس الشعر انفعالاتنا وجوهر حياتنا اليومية. ألم يقل جيرار دونرفال: إن أردت أن تُصبح ناثراً يجب أن تكون شاعراً جيداً؟
وسواء تعلق الأمر بالشعر أو بالنثر أو بالمجال المتواجد بينهما وهو ما أسميه النّثر الفني، فإني أمارس الكتابة في هذه المجالات الثلاثة على أساس إدماج الإحساس بالفكر.
يبدو أن روايتك "صيف في ستوكهولم" و"ثلاثية الرباط" تقعان على طرفي نقيض: فالأولى تبدو كقطيعة مع مواضيع الأدب المغاربي المكتوب بالفرنسية، وهي أيضاً بحث عن غرابة / غرائبية ما أو هي محاولة للتحرر من مركزية عرفت بها الرواية المغاربية... أما الثانية فهي عودة الى البلد الرباط والى محور رئيسي للرواية المغاربية، بل وتطرح سؤال الهوية من خلال التعرض للرباط أيام حرب الخليج دون ذكرها بإسمها.... وتحظى ستوكهولم بنوع من التعاطف ويتحدث عنها غريب ملمّ، بينما تواجه الرباط بحياد لافت للنظر شخصيتها الرئيسية ابن البلد!
- لماذا تريدون أن تنحصر الكتابة في مواضيع تكتسي صبغة محلية؟ لقد ألفت روايتي "صيف في ستوكهولم" كمؤلَّف يتعلق بحضارة تختلف أساساً عن حضارتنا. وتجب الإشارة في هذا الصدد أني كنت أعرف مدينة ستوكهولم منذ الستّينات، إذ قمت بزيارتها مرات عديدة، كما أني تزوجت بامرأة سويدية وعشت معها سنوات. وفي سنة 1988، شاركت في ندوة نظمت في باريس حول الشاعر السويدي الشهير "ايكيلوف" قمت خلالها بتقديم دراسة تحليلية عن أحد دواوينه وعنوانه. وعند انتهاء الندوة، قررت الذهاب الى ستوكهولم حيث قضيت فيها عطلة استغرقت شهراً كاملاً. كنت أقيم في مركز الكُتّاب الذي يقع قرب ثلاثة متاحف بديعة وبجوار بحيرة صغيرة. كان كل ذلك مدعاة للتفكير والكتابة. فشرعت في زيارة أصدقائي في المدينة، وفي أخذ عدد من الصور وتسجيل ملاحظاتي وارتساماتي. وهكذا بدأت المعالم الأولى لكتابي تتضح. وذات يوم، أضحكني صديق لي اسمه بيتر وهو موسيقار سويدي كان يقضي ستة أشهر بستوكهولم وستة أشهر بالبرازيل عندما قال "الناس هنا يُطَلِّقون زوجاتهم في شهر آذار مارس لأن فصل الشتاء طويل جداً". وهكذا، وبفضل المذكرات التي كنت أجريها معه، بدأت أضع اللمسات الأولى للشخصية الأولى في الرواية. فكانت هذه هي الانطلاقة في كتابة روايتي. أمّا كتابي "ثُلاثية الرباط" فهو ينتسب في آن واحد الى النوع البوليسي والنوع الاجتماعي والنوع السياسي" فعلى القارىء أن يستجلي المعنى الحقيقي لهذه الرواية. أما أنا فلن أتدخل في التأويل.
كيف تنظر الى هذ التسمية: "الأدب المغاربي المكتوب باللغة الفرنسية"؟
- عندما نراجع التاريخ نلاحظ أنه لا توجد وحدة بين الأصل واللغة أي بين جنسية الإنسان / الكاتب وبين اللغة التي يكتب بها أو يتحدث. فقد عرف تاريخ الحضارة العربية الإسلامية كتّاباً من أصل فارسي يكتبون باللغة العربية كما عرف الأدب العربي في نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين كتّاباً مسيحيين من لبنان وسورية كتبوا باللغة العربية وجدّدوا الأدب وطوروا اللغة واهتموا بصناعة المعاجم. فليس هناك إذن علاقة مباشرة أو جدلية بين أن تكون عربياً وتكتب بالعربية أو أن تكون فرنسياً وتكتب بالفرنسية ]ضحك[ فاللغة لها استقلاليتها عن الأرض والجنس.
يذكرني كلامك هذا بأسماء من مثل أوجين يونسكو، وصامويل بيكيت...
- ]مقاطعاً[ وسيوران... إذن فلا علاقة بين لغة الكتابة وبين الانتماء الاجتماعي أو جنسية الكاتب. ولعل تجربتي أنا أيضاً ككاتب مغربي تندرج في الاتجاه نفسه. فأنا أكتب أموراً كثيرة عن المغرب وعن المجتمع المغربي باللغة الفرنسية، ورغم ان كتاباتي باللغة الفرنسية موجهة الى كل القراء وليس الى قراء اللغة الفرنسية فقط. وهكذا فلا تناقض بين جنسيتي كمغربي وكعربي وبين كوني أكتب باللغة الفرنسية.
في زمن ولَّى كانت الكتابة باللغة الفرنسية ضرورة تاريخية تمليها مواجهة الاستعمار الفرنسي بلغته، وهو الأمر الذي وسم تلك الكتابات ببعض العنف كما يتجسد في جانب منه في سيرتك الذاتية الذاكرة الموشومة 1971...
- ]مقاطعاً[ العنف هو أيضاً مكون من مكونات الحياة، والفن، في الوقت نفسه، وهو تجلٍّ لهذا العنف. والفن والكتابة والفكر كلها تجلّ لهذا العنف. ان الفن مسألة وجدانية وما تشير اليه أنت الآن يندرج ضمن علاقة كُتّابٍ كعبدربه بالحضارة الفرنسية وبتاريخ فرنسا. إن لي تحالفاً مع فرنسا الحرة المتقدمة التي قدّمت مفكرين من أمثال سارتر وفولتير وبودلير... هؤلاء مثلي لأنهم جزء من التراث العالمي الحر. وبالطبع فأنا ضد فرنسا العنصرية فرنسا لوبين وفرنسا الاستعمارية... وحتى أبان الاحتلال الفرنسي للمغرب كان هناك فرنسيون تقدميون منهم هؤلاء الذين وقّعوا رسالة ال121 المعروفة من أجل استقلال المغرب، وكان من بين الموقعين أستاذي الذي كان يدرّسني الأدب الفرنسي في "الليسه ليوطي": موسيو فرانسوا. علاقتي بفرنسا علاقة مزدوجة" عندما تحضر فرنسا المتفتحة أكون معها لأنها تفهمني وتكون لي علاقة إنسانية وطبيعية مع ثقافتها وعندما تهيمن على فرنسا تيارات رجعية وعنصرية تفرض الرقابة على الكتب فإني أكون ضدها...
إن السؤال الذي يجب أن يطرح ويُفكَّر فيه هو ماذا يكتب الكتّاب الذين يعبّرون باللغة الفرنسية لا لماذا يكتبون بالفرنسية؟ لا ينبغي أن تعيدنا الأسئلة الى الوراء بل يجب أن تسهم في تطوير أفكارنا. بالنسبة إليّ إني أتقن الفرنسية أكثر من العربية وتربطني بهما معاً علاقة حب لا نهائية.
إن السؤال الذي يجب أن يطرح هو: هل هناك جديد في ما تكتب أم لا؟ هل تعتبر كتاباتنا تكراراً لما سبق طرحه أم تراها تجدّد أسئلتها لتجدّد المعرفة؟
هناك اهتمام كبير بكتبي في بعض الجامعات الأميركية لأنني طرحت فيها قضايا المثاقفة والتداخل الثقافي وهي قضايا تستجيب لأفق انتظار المجتمع الأميركي لأنه مجتمع غير متجانس وتستجيب لأفق انتظار المجتمع الأوروبي الذي يعيش على إيقاع توسيع سوقه المشتركة مع ما يفرضه ذلك من تداخل لغوي وثقافي وحضاري. ومعلوم أني أكتب في هذا الموضوع وأفكر فيه منذ ربع قرن. وأشير هنا الى مشروع كتاب يصدر لي في أميركا وعنوانه "ofcultural" وهو مترجم الى الانكليزية.
يبدو لي الآن ان مشروعي لم يكن في البداية مشروعاً بَيِّن الملامح بل كان اجتهاداً، بل تحليلاً خاصاً، اتخذ الآن مستوى تاريخياً لأن العلاقات بين الناس والشعوب تتحرك في الاتجاه ذاته.
هل يمكن القول إن اللغة الفرنسية مكنت كتاباتك من الانتشار؟
- لو كتبت باللغة الإنكليزية لعرفت انتشاراً أكبر. ثم أنني لم أفكر في اللغة قبل الكتابة. لقد بدأت أكتب بعد أن قرأت شعر جبران خليل جبران وقرأت بعض أعماله التخييلية أيضاً ك"الأجنحة المتكسرة". كان ذلك وأنا عمري أحد عشر عاماً. ثم قرأت بودلير كثيراً وتطورت علاقتي به وتوطدت لأن حصص الأدب الفرنسي، خلال سنوات التعليم الثانوي كانت تفوق، حصص الأدب العربي.
ما هو شعورك وأنت ترى نصوصك تترجم الى العربية؟ أو كما يقال تعود الى الأصل؟
- أرى أنك تلح على طرح هذا السؤال. في الحقيقة لا أرى أن هناك عودة نص الى الأصل لأن الدارجة المغربية هي اللغة الأم بالنسبة لنا جميعاً لأنها لغة التواصل اليومي بيننا. ولذلك فنصوصي لم تعد الى الأصل الذي هو العامية ]ضحك[ بل نقلت الى العربية.
والعربية لغة الجمهور الذي تربطك به علاقة حميمية وهو الجمهور المغربي والعربي؟
- لقد شُرِعَ في ترجمة نصوصي الى اللغة العربية منذ سنوات وكان أول كتاب ترجم الى العربية هو أوّل كتاب كتبته ونشرته دار ماسبيروا في باريس.
س: تقصد كتاب الرواية "المغربية" الذي نقله الى العربية محمد برادة؟
ج: نعم، ثم ترجم بعض نصوصي الأخرى محمد بنيس وأدونيس... لقد كان هناك دائماً حوار بيني وبين الثقافة العربية والحضارة العربية الإسلامية. لم تكن بيننا قطيعة أبداً. ويهمني أن يعلم القارىء هذا الأمر. ثم انني كأستاذ جامعي وكباحث كنت أدرس مواضيع من صميم الثقافة والحضارة العربية الإسلامية. وهكذا فإني وان كنت لا استعمل اللغة العربية ككاتب فإني استعملها كقارىء ولا تخلو كتبي من المراجع العربية. إذا فليس هناك قطيعة بيني وبين الثقافة العربية الإسلامية.
أعتقد أنك أوّل من وظف النقد المزدوج في اللغة العربية، وقد أفاد منك كتّاب عرب.
- نعم، وقد كتبت بعض أبحاثي انطلاقاً من القرآن كبحث "الجنس في القرآن" إذ قمت بدراسة شخصية، بتأويل شخصي ولم أعتمد التأويلات الفقهية أو تأويلات المتصوفة أو الفلاسفة بل انطلقت في دراستي تلك من علاقتي المباشرة بالنص القرآني. وقد نشر هذا البحث في مجلة "مواقف" وقال لي أدونيس ان نساء الشرق لبنان، سورية... فهمن مضمونه.
العنوان والموضوع يتميزان بالجرأة؟
- أعتبر هذا البحث اجتهاداً ثقافياً وفكرياً لأن الاجتهاد، في هذا الباب، أساسي يقوم على تأويل النصوص مقدسة كانت أم غير مقدسة بطريقة مباشرة وشخصية. وهذه مهمة الباحث والمفكر لأنه يتوفر على اواليات تمكنه من سبر أغوار اللغة وتحركها وفهم علاقة اللغة بالمعنى ومسألة الإيقاع. ورغم أن لغة الكتابة هي الفرنسية فإن علاقتي باللغة العربية، وبالتراث واضحة.
وتبدو أيضاً في نصك المسرحي "Le prophڈte voilژ" 1979.
- قرأت أول مرة هذه الفكرة في نص لبورخيص في كتابه "كتاب العائلة"، ثم رجعت الى النصوص الفارسية والعربية التي تعالج الموضوع ذاته وعدت الى تاريخ بخارى والى المؤرخين الإيرانيين ثم استفسرت بعض المؤرخين المغاربة كمحمد بنشريفة... قارنت بين النصوص، وفي الأخير استبعدت كل تلك النصوص وعالجت الموضوع بشكل خاص وشخصي.
]مقاطعاً[ لتطرح هدفك / أهدافك من وراء استرجاعك لهذه الظاهرة. أعلم أنك لا ترغب في الحديث عن مضامين أعمالك أو تأويلها، فهل يمكن أن تقدم استثناءً لهذه القاعدة وتحدثنا عن المسرحية هذه؟
- هناك ما أسميه حرية القارىء وتتجسد في اللذة التي تنبثق منها امكانية التأويل. والتأويل ثانوي بالنسبة للقارىء كقارىء، أما اللذة فهي الأولى - لذة القراءة - وتأتي بعدها لذة التأويل ولهذا أترك للقارىء حرية فَهْمِ النص وفَكِّ رموزه.
لماذا بقيت مسرحيتك هذه يتيمة؟
- لا، لم تبق يتيمة بل آخيت بينها وبين أخرى إذ كتبتُ مسرحية ثانية رفضت نشرها وعنوانها "موت الفنانين"، كتبتها لما كنت طالباً في باريس خلال السنة الأخيرة من اقامتي هناك لإعداد الدكتوراه. اخرج تلك المسرحية جورجي لافيلي المخرج الأرجنتيني الفرنسي في مناسبة خاصة: كان هناك مسرح يطلق عليه مسرح 310 - على ما أعتقد - وكان يقدم عليه، كل سنة، ابداع المواهب الجديدة بعد انتقائه من قبل منتجي التلفزة والسينما والمسرح. وكان هؤلاء يخصِّصون يوماً لتقديم مسرحيات قصيرة. كنت قد شاهدت، في المانيا، مسرحية أخرجها لافيلي وكان كتبها كومبروفيكز، ولم تعجبني فكتبت مسرحيتي. ولما تعرفت على لافيلي، وكان في رفقة غولدمان، عرضت عليه المسرحية فقرأها وأعجب بها ثم أخرجها. لم أنشر تلك المسرحية مثلما لم أنشر نصوصاً أخرى كتبتها في أوقات مختلفة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.