تشهد تجارة الملابس العسكرية والأسلحة في بغداد ازدهاراً ملحوظاً بعدما انحسرت وأقفلت أبواب المتاجر التي كانت تتعاطى بها حتى العام الماضي 2005. وعزا ابو مرتضى، الذي فتح محلاً قبيل ستة شهور بحسب قوله، ذلك الى خطة الحكومة العراقية بزيادة عدد وحدات الجيش العراقي التي انعكست على عدد المتطوعين فيها حيث بلغ أكثر من 300 ألف جندي وشرطي واستخدام الميليشيات لهذه الملابس والأسلحة التي يتم توزيعها من قبل القوات الاميركية على الجنود وتراجع الوضع الأمني وارتفاع وتيرة العنف الطائفي واستهداف الأشخاص على الهوية. وقال ابو علاء صاحب محل لبيع الملابس العسكرية في منطقة العلاوي، وهي اقدم الاسواق للتجهيزات العسكرية منذ عشرات السنين، ان البدلة الجديدة للشرطة والجيش العراقي تُباع ب45 الف دينار عراقي أي ما يعادل 30 دولاراً اميركياً. واشار الى انه يشتري هذه الملابس من جنود"يأتون الينا ويعرضونها فبعضها مُستخدم واخرى جديدة". واوضح ابو نايف، صاحب كشك لبيع الملابس العسكرية، انه كان سابقاً يشتري هذه الملابس من ضباط في الميرة العسكرية او حوانيت الجيش وكانت على شكل صفقات باعداد كبيرة من التجهيزات يقومون بتهريبها من دوائرهم وتسريبها الى الاسواق المحلية ولا يزال بعضهم يعمل معنا من الذين استمروا في مواقعهم في بعض وحدات الجيش كضباط اداريين". وأفاد بان جميع زبائنه هم من وحدات حراسة المنشآت وحراس قوات الأحزاب والحمايات الشخصية للمسؤولين وغالباً ما يدفع هؤلاء بالدولار وبعضهم يفضل حمالة المسدس مثل تلك التي كانت تستخدم من قبل عناصر حماية الرئيس المخلوع صدام حسين. شرطة ام تجار اسلحة ولا يقتصر الامر على التجهيزات والملابس العسكرية بل تعدى ذلك الى بيع الأسلحة الحكومية. وقال تاجر الاسلحة باسم عبد، ان رجال الشرطة والجنود تحولوا الى تجارة الاسلحة وهم الآن يبيعون اسلحتهم الخاصة وبعضهم اصبح تاجراً في وحدته حيث يشتري الاسلحة، وتحديداً الغربية منها خصوصاً المسدس، من زملائه الذين لا يستطيعون التحرك خارج المعسكر ويحاول الانتفاع من فارق السعر. ولفت الى ان تفشي هذه الظاهرة بيع الاسلحة بين الشرطة والجنود اثر على سعر قطعة السلاح فبعدما كان المسدس الاميركي او الاسترالي، يباع بثلاثة الاف دولار وصل سعره الى 900 دولار ويتم شراء القطعة الواحدة دون ال800 دولار. ويبدو ان الأسلحة التي يتم تسريبها الى الأسواق لم تقتصر على الأسلحة الشخصية فقد عرض تلفزيون"الحرة"فيلماً يصور ضباطاً في الجيش الاميركي وهم يحققون في وزارة الداخلية في قضية اختفاء عشرة آلاف قطعة سلاح من مخازنه الأمر الذي قلل من أهميته العميد عبدالكريم خلف الناطق باسم الوزارة بقوله"ان إجراءات قانونية ستُلاحق المسؤولين عن القضية وان الأمر بسيط". لا عقوبات وتقسيط مريح وعزا المقدم عبد الامير جبار منادي، من مغاوير الداخلية، انتشار ظاهرة بيع الاسلحة الى عدم وجود عقوبة صارمة تمنع العسكري من هذا التصرف. وقلل من اهمية الاجراءات القانونية المتخذة بحق هؤلاء في الوقت الحاضر، مشيراً الى تعرض الجندي والشرطي سابقاً الى غرامة مالية مقدارها تسعة اضعاف سعر قطعة السلاح في الاسواق السوداء والسجن بما لا يقل عن سنتين ولا تحتسب له خدمة في حين ان الاجراءات المتخذة الآن ضعيفة جداً لا تتعدى المجلس التحقيقي ويتم خصم سعر السلاح من راتبه بالتقسيط المريح على مدى ثلاث سنوات. وهذه الاجراءات اعتبرها اسماعيل المشكوري، اللواء السابق في الجيش المنحل،"غير عملية"مشيراً الى ان الجيش السابق بكل اجهزته الرقابية المتمثلة بدائرة الانضباط العسكري ومديرية استخباراته لم يتمكن من السيطرة على منافذ تسريب التجهيزات العسكرية الى الاسواق المحلية. ورأى ضرورة تفعيل دور الانضباط العسكري حتى وان اقتصر هذا الدور على مراقبة المراكز المعروفة ببيع مثل هذه التجهيزات تلافياً لانعكاسها على الوضع الامني، وقال:"يمكن اعتماد صيغة كان معمولاً بها سابقاً في الانضباط العسكري وهي آلية تشكيل فصيل التحريات الذي ينفذ واجباته بملابس مدنية". ولم يستبعد ان يكون اختفاء ملابس واسلحة اخيراً من الداخلية والدفاع وراءه اسباب سياسية نظراً لطبيعة التركيبة الطائفية لهذه الدوائر لتجهيز ميليشيا معينة او قد يكون الهدف منها تجهيز فرق الموت التابعة لهذا الحزب او ذاك لا سيما ان الجميع يتكلم عن ملابس هذه الفرق وتجهيزاتها الحكومية. ولفت الى انه في حال كان الهدف تجارياً او سرقة للحصول على المال ما كانت لتكتشف خصوصاً ان والعاملين في قطاعات الميرة والتموين يتمتعون بخبرات ادارية تمكنهم من اخفاء اثر الجريمة. وانحى باللائمة على الدوائر القانونية في الداخلية والدفاع لعدم تفعيلها قانون العقوبات العسكرية الذي قد يساهم في الحد من انتشار هذه الظاهرة. وانتقد القاضي راضي الراضي، رئيس هيئة النزاهة وزارة الداخلية لعدم اتخاذها اجراءات حازمة بحق المخالفين والمتورطين بقضايا فساد اداري. وقال ل"الحياة"ان الداخلية"لم تجر حتى الآن التحقيقات الادارية المفترض ان تكون من اولويات فتح قضايا الفساد ما ادى الى تأخير البت بعشرات القضايا من هذا النوع". واشار الى تحركات ايجابية تقوم بها وزارة الدفاع للحد من ظاهرة الفساد، الا انه ذكر ان الفساد استشرى في مفاصل الدولة العراقية وانعكس على اداء الحكومة وفي مقدمتها الامن.