يتمنى الفنان التشكيلي ضياء الخزاعي ان تختفي المظاهر المسلحة، بدءاً بالدبابات والمدرعات التي كثيراً ما تتمترس عند مفارق الطرق أو الساحات، وانتهاء بلعب الأطفال"التي تحاكي في عدوانيتها اسلحة الكبار". لكن أمنيات الخزاعي تبدو بعيدة المنال في ضوء تجذر "النزعة التسلحية"بين شرائح المجتمع، ورضوخ المثقفة منها لواقع حال يتطلب اقتناء قطعة سلاح، ربما تنقذ صاحبها من عصابة سلب أو اغتيال، وان كانت لا تشكل ضماناً في بلد يتربص الموت بأهله في كل مكان. اسواق السلاح عادة تنتشر في الأحياء القديمة وتشهد هذه الأيام حركة واسعة في العرض والطلب، يرتبط في العادة بالتطورات الأمنية، بحسب ما يؤكد تاجر السلاح في بغداد عدي الراوي الذي يضيف:"تصاعد وتيرة الاغتيالات شجعت الناس على اقتناء الاسلحة وحملها بدلاً من تركها في المنزل كما كان معتاداً". ويشير الى ان حركة طلب واسعة شهدتها سوق السلاح على الأسلحة الخفيفة، خصوصاً المسدسات التي ارتفعت أسعارها بمعدل 25 في المئة خلال شهرين أو ثلاثة. ويؤكد ان مسدس"برونك"الأميركي 9 ملم ارتفع سعره من 700 دولار الى 1000 دولار خلال أسابيع، بينما ارتفع سعر مسدس"ميكاروف"الروسي 8.5 ملم الى 400 دولار بعدما كان 300 دولار، وكذلك الحال مع مسدس"ستار"الأميركي. لكن الإقبال الأكبر لا يزال، والحديث لتاجر السلاح، على مسدسات"طارق"العراقية 7 ملم و9 ملم، وتحديداً مسدس"طارق"الخاص أو"هدية صدام حسين"، كما يسميه ضباط الجيش، الذي ارتفع سعره ليصل الى 800 دولار. الراوي، الذي اختص بتجارة الأسلحة الخفيفة، يؤكد ايضاً ان مسدسات صغيرة 5 ملم و7 ملم أصبحت أكثر رواجاً من أي مرحلة سابقة، بسبب سهولة حملها واخفائها خلال التجول او في السيارة. تاجر آخر في مدينة الصدر شرق بغداد، هو عدنان الساعدي، يؤكد ان معدلات الاسعار تضاعفت ايضاً لأسلحة اخرى مثل قاذفات"RPG7"التي وصل سعرها الى اكثر من 1000 دولار، ومدافع الهاون التي تجاوز سعرها 1500 دولار، وهي مطلوبة من الجماعات المسلحة، بينما زادت أسعار العتاد ايضاً بالنسبة ذاتها ليصل صاروخ الهاون الى 500 دولار، وصاروخ"الكاتيوشا"الى اكثر من 2000 دولار، وكذلك صاروخ الراجمة الانبوبية. مؤكداً أن الطلب يتركز هذه الايام على قذائف الهاون التي تستعمل في قصف المواقع عن بعد. فرس الرهائن في سوق السلاح، كما يرى تاجر آخر، هو المسدس الخاص بقوات الشرطة العراقية"كلوك"اميركي 9 ملم، الذي انتشر هو الآخر في سوق السلاح ليصل سعره الى 1000 دولار. ومع رفض التجار الافصاح عن طريقة حصولهم على هذا السلاح الذي اقتصر توزيعه على قوات الشرطة والجيش العراقيين، فإن آخرين يؤكدون تسرب العديد من قطعه من المخازن الخاصة بالقوات الامنية أو الاستيلاء عليه خلال المواجهات. أسواق الأسلحة في بغداد يتداول فيها عدد كبير من التجار، بأعمار متباينة، أنواعاً مختلفة يسمونها"الحديد"، والاسلوب السري في تجارتهم يقتصر على الاسلحة المتوسطة والثقيلة، بينما يجري تداول الاسلحة الخفيفة بشكل علني ولا يتوانى احدهم في سوق شارع الكفاح عن اطلاق أعيرة نارية للتأكد من كفاءة قطعة السلاح. واطلاق العيارات يأخذ لدى العراقيين، حسب استاذ علم الاجتماع محمد الناصر، أشكالاً مختلفة ومتناقضة، فمن حفلة زواج الى مأتم عزاء، ومن مشكلة عائلية الى تصفية جسدية، وصولاً الى المواجهات شبه اليومية التي تشهدها مدن عدة. ويضيف الناصر ان التوق الى حمل الاسلحة واستخدامها يتعدى في العموم الضرورات التي فرضها الواقع المعيش، بل ان النزعة التسلحية لدى العراقيين تمتد الى جذور أبعد بكثير من مرحلة حكم صدام حسين، وان كان هذا الحكم أسهم في تكريس الاسلوب العسكرتاري في المجتمع عبر الحروب والاستعراضات الامنية، بل ونشر اشكالاً محددة من لعب اطفال تحاكي العدوانية التي يمثلها السلاح. ويؤكد الكثيرون ان عامين من الاحتلال والانتشار المكثف للدبابات والمدرعات الاميركية في الأزقة، بالإضافة الى مشاهد القتل والمواجهات اليومية، غرست حس التسلح عبر ربطه بضرورات العراقيين للبقاء احياء فصار التعبير الشائع ان"الاطفال يولدون وأصابعهم على الزناد"اقرب ما يكون الى واقع الحال. ازدهار حركة اسواق السلاح، حسب رأي عميد الشرطة حسان العبيدي، يرتبط ايضاً بعمليات الدهم الواسعة التي نفذتها قوات اميركية وعراقية في مناطق عدة كشفت خلالها مخازن أسلحة كبيرة، ودفعت من يمتلكون مخازن غير مكتشفة الى محاولة التخلص منها. إلا أن ارتفاع الأسعار لا يؤيد كثيراً هذا القول وكذلك زيادة الطلب على الاسلحة ومنها القاذفات والهاونات وقنابل المدافع التي كثيراً ما تستخدم في صنع العبوات الناسفة وتفخيخ السيارات ويذهب بعض المتابعين الى ان ارتفاع وتيرة الأعمال المسلحة الموجهة ضد قوات عراقية وأجنبية، بالاضافة الى قطع الكثير من خطوط امدادات الأسلحة عبر الحدود وآخرها خط القائم، ربما يقف خلف زيادة الطلب عليها من اسواقها داخل المدن.