سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الحراس والمحتجزون : "استفزازات" وهجمات ب "الكوكتيل" ... لكن لا علاقات "شخصية" . معركة السيطرة على معسكرات غوانتانامو بين "القاعدة" والقيادة الأميركية 4 - 4
"يسمّونني "وايت تراش"، زبالة البيض، على رغم أنني أسود". هكذا وصف "جون"، الحارس الشاب الذي لم يتجاوز العشرين ربيعاً،"معاناته"شبه اليومية مع نزلاء معسكرات احتجاز العناصر المفترضين في تنظيم"القاعدة"وحركة"طالبان"في خليج غوانتانامو. قال"جون"إسم غير حقيقي شاكياً:"إنهم يبصقون علينا. يرموننا بالأوساخ بول ممزوج بما يخرج من الجسم من أوساخ، ويضربوننا بأطباق الطعام. يقولون عني"نيغر"، عبد، و"وايت تراش" زبالة البيض، على رغم أنني أسود ... لا أعتقد أنهم يعرفون ماذا يقولون. لكنني أواصل عملي وأراقبهم على رغم الإهانات". كان هذا الحارس الآتي من سلاح البحرية ماستر أوف آرم - نايفي masn يتحدث لمجموعة من الصحافيين في غوانتانامو عن طريقة معاملة المحتجزين هنا، وهي معاملة يؤكد مسؤولو معسكرات الاحتجاز أنها"إنسانية"وتتوافق مع روح معاهدة جنيف حتى وإن لم تُطبق أميركا على المحتجزين معيار"أسرى الحرب"، إذ تعتبرهم"مقاتلين أعداء غير شرعيين". الحياة هنا تمر بطيئة، رتيبة، للمحتجزين وحراسهم. ولكن في حين يعرف الحراس أنهم في مهمة تدوم سنة أو سنتين وستنتهي، يرى"نزلاء"غوانتانامو الأيام والسنوات تتجاوزهم وهم محتجزون هنا من دون اتهامات، بين هذه الجدران الفولاذية للمعسكرين الخامس والسادس و"الزنزانات - الأقفاص"في المعسكرات 1 و2 و3. وفي ظل عدم ظهور أمل لكثيرين منهم بخروج سريع من هنا، فإنه ليس من المستغرب أن يحاول ناشطو"القاعدة"استقطاب بقية المحتجزين إلى صفهم، مستغلين حنق هؤلاء على الأميركيين بسبب إبقائهم هنا بلا اتهامات أو محاكمات منذ 2002. ويعرف الأميركيون، كما توضح دراسة استخباراتية اطلعت"الحياة"عليها من مواقع متخصصة في شبكة الانترنت ولم تعد صحتها محل شك، أن"القاعدة"تسعى إلى السيطرة على معسكرات غوانتانامو ونزلائها، وتنصيب من يمكن وصفهم ب"الأمراء"أو"القادة"لتولي إدارة العنابر والإشراف على شؤون المحتجزين والتحدث باسمهم. وقال مسؤول أميركي رفيع في غوانتانامو ل"الحياة"انهم يعرفون فعلاً بمثل هذه المساعي لكنهم يسعون إلى إحباطها، من خلال إجراءات عدة بينها نقل"القادة"الذين يحرّضون بقية المحتجزين من مراكز احتجازهم إلى مراكز أخرى. وبعض هؤلاء نُقل فعلاً إلى زنزانات انفرادية، للحد من اتصاله ببقية المحتجزين. وليس واضحاً هل ما يعتبره بعض الحراس"استفزازاً"لهم يندرج في إطار سياسة معيّنة يعتمدها المحتجزون، ربما لإثارة انتباه الإعلام إلى قضيتهم. وهذا تحديداً ما يعتقده بعض الحراس، إذ يقول"جون":"إنهم يحاولون استفزازي كي أقوم بالرد، وعندها سيقولون: أُنظروا، هذا ما يفعلون بنا هنا". وبين تموز يوليو 2005 وآب أغسطس الماضي، سجّلت القيادة الأميركية للمعسكرات 432"اعتداء"من المحتجزين على الحراس برشقهم ب"كوكتيل"من القاذورات البول وما يخرج من الجسم من أوساخ، و227"اعتداء بدنياً"، و99 حالة تحريض على / أو مشاركة في العصيان أو الشغب. ولا يعني هذا أن"الاعتداءات"تأتي من جهة واحدة فقط، بل يشكو بعض المحتجزين بدورهم من تعرّضهم لإهانات وسوء معاملة من الحراس والمحققين. لكن المسؤولين الأميركيين يؤكدون، في المقابل، أنهم يعاملون المحتجزين معاملة"إنسانية"تتوافق مع المعايير العالمية لحقوق الإنسان، وخصوصاً احترام معتقداتهم الدينية. فمثلاً توضع نُسخ القرآن الكريم المتوافرة لجميع المحتجزين في الزنزانات في مكان لا يسمح بتدنيسها خلال عمليات التفتيش الروتينية التي يقوم بها الحراس في المعسكرات وهذا الموضوع بالغ الحساسية بالطبع، كما أظهرت المزاعم التي أوردتها العام الماضي مجلة"نيوزويك"الأميركية عن"تدنيس"القرآن في زنزانة في غوانتانامو. وأدت تلك المزاعم التي تراجعت عنها المجلة لاحقاً، إلى تظاهرات غاضبة حول العالم سقط فيها العديد من الضحايا. وإضافة إلى احترام القرآن والمشاعر الدينية للمحتجزين، تطلب إدارة مراكز الاحتجاز من الحراس معاملة النزلاء باحترام في كل الأوقات، وإن كان ذلك لا يمنع، على الأرجح، حصول بعض الإساءات والتجاوزات، إذ تؤكد السلطات الأميركية حالياً أنها تُحقق فعلاً في أكثر من زعم بأن حراساً أو محققين أساؤوا إلى محتجزين. ويشدد مسؤولو مراكز الاحتجاز على أن السياسة التي تعتمدها قيادة غوانتانامو ترفض التساهل مع أي إساءة معاملة للمحتجزين، سواء كانوا في زنزاناتهم أو في غرف التحقيق. ويقول"الكابتن دانيال"، أحد المسؤولين الإعلاميين في غوانتانامو، أن المحتجز يمكنه الآن أن يرفض إخضاعه للتحقيق، وان الحراس لا يمكنهم ارغامه على ذلك. والظاهر أن هذه واحدة من السياسات الجديدة التي باتت تُطبق في غوانتانامو، إذ لا يُعتقد أن المحتجزين كان يمكنهم في السابق رفض مغادرة زنزانتهم لحضور جلسات التحقيق. ويشرح الكابتن ل"الحياة"كيفية تعامل الحراس مع المحتجزين الذين يتم استدعاؤهم للتحقيق، فيقول أن الحراس يذهبون إلى الزنزانات لإبلاغ أحد النزلاء بأنه مطلوب لجلسة تحقيق، لكن المحتجز"يستطيع أن يقول"لا، لا أريد مغادرة زنزانتي". والحراس لا يمكنهم ارغامه على الذهاب معهم". ويضيف أن المحتجز يمكن أن يُعتبر ساعتئذ"غير متعاون"، مما سيعني حرمانه ليومين من بعض"الميزات"المتاحة في الزنزانات للمحتجزين المتعاونين،"لكن لا يمكن حرمانه أبداً من القرآن". ويشدد البريغادير جنرال إدوارد ليكوك، نائب قائد معسكرات غوانتانامو، في لقاء مع صحافيين شاركت فيه"الحياة"، على نفي المزاعم عن إساءة معاملة المحتجزين، إذ يقول:"لا تعذيب هنا. المزاعم التي تُطلقها منظمات حقوقية ليست صحيحة. لا صحة في ذلك. لدينا محققين هنا يدرسون طريقة إجراء التحقيق قبل بدئه. بعد ذلك، يُجلب المحتجزون إلى هنا، ويُحضرون لهم سندويشات وشراب"بيبسي كولا"- لا"كوكاكولا"- ويسألونهم ماذا يعرفون عن هذا الأمر أو ذاك. بعضهم يبقى صامتاً. بعضهم ينظر أرضاً. بضعهم يصلي. وبعد جلسات تحقيق عديدة بعضهم يتكلم. في البداية لم نكن نحصل على معلومات كافية. ولكن الأمور تغيرت الآن. لدينا 35 ألف معلومة منذ 2002. وهناك 2000 تقرير استخباراتي أُعدت بناء على معلومات من محتجزي غوانتانامو وأرسلت حول العالم". العلاقة الحميمة ... ممنوعة والظاهر أن تعليمات إدارة غوانتانامو للحراس تنص على قيامهم بواجباتهم فقط، في مراقبة المحتجزين، ونقل الطعام اليهم، ومرافقتهم في تنقلاتهم من مكان إلى آخر، ونقل شكاويهم، من دون الدخول في"علاقة حميمة"معهم. ويقول الشاب"جون":"أذهب الى العنابر. أقدّم لهم وجبات الطعام. آخذهم لممارسة التريض. اهتم بالرعاية بهم، وبحاجاتهم الطبية. وإذا كانت لديهم شكوى أنقلها إلى المسؤولين. لكنني أرفض أن تربطني صلة حميمة بوند بالمحتجزين. لقد مر هؤلاء بأوقات صعبة، ولم يتخذوا خيارات صائبة. في أوقات فراغي أقرأ الانجيل، وأتصيد. ألعب أحياناً. أغني". "بيت"إسم غير حقيقي أيضاً، وهو حارس آخر من حراس معسكرات غوانتانامو برتبة"بيتي أوفيسر درجة أولى"، يشتكي بدوره من تصرفات المحتجزين، لكنه يرفض إطلاق أحكام عليهم. إذ يقول هذا الشاب العشريني الآتي من كاليفورنيا:"صار لي 11 شهراً هنا. إنها تجربة فريدة. ليس لدي شعور شخصي تجاههم. أنا متأكد أن هناك أشخاصاً شريرين محتجزون هنا، لكنني لا أصدر أحكاماً على المحتجزين. نحن عادلون، صارمون وغير منحازين". ويضيف:"نتلقى تحرشات وإهانات من المحتجزين في شكل يومي. أحدهم يكون سعيداً في يوم، ثم يصير غاضباً في يوم آخر. يتغير مزاجه. يشتكون إذا مشينا في ردهات عنابر المحتجزين خلال الصلاة. يريدون أن يعرفوا ماذا يحصل في العالم الخارجي. يسألوننا ماذا تقول ال"سي. إن. إن.". أريد أن أتعلم المزيد عن ثقافتهم. فإذا ذهبت إلى العالم الإسلامي في يوم من الأيام أكون، على أقل تقدير، أعرف شيئاً عن ثقافة هذا العالم". "أكس راي": "مسرح جريمة"، طاولة المحققين، كرسي المحتجزين ... و"قفص" المشاغبين إنه أشبه ب"مسرح الجريمة". لم يُمس معسكر"أكس راي"منذ إغلاقه في 29 نيسان أبريل 2002، أي بعد أربعة شهور فقط من افتتاحه لاستقبال"الضيوف"الأوائل الآتين من بلاد الهندوكوش إلى"خليج غوانتانامو"، خط التماس بين"أميركا الرأسمالية"و"كوبا الشيوعية". لم يدم معسكر"أكس راي"طويلاً، بعكس صيته السيء. بدأ وصول المحتجزين في"الحرب الأميركية ضد الإرهاب"إلى"أكس راي"في 11 كانون الثاني يناير 2002. جيء بهم مكبّلين بالأغلال ومرتدين زياً برتقالياً مخصصاً للسجناء في طائرة عسكرية أقلتهم من أفغانستان. أثارت الصور الأولى لهم ضجة كبيرة في أنحاء العالم، حين ظهروا محمولين في عربات يدوية تنقلهم من مكان إلى آخر داخل المعسكر، أو مكبّلين بأغلال شديدة في اليدين والساقين والحراس يساعدونهم في الحركة. وسرعان ما بدأ المعسكر"يزدحم"بضيوفه، إذ ما كاد ينتهي الشهر الأول من السنة 2002 حتى كان عدد المحتجزين فيه قد بلغ 158. وقد رفضت واشنطن منذ البداية - وما زالت ترفض - تصنيفهم"أسرى حرب"وأطلقت عليهم وصف"مقاتلين أعداء غير شرعيين". وقالت إنها ستعاملهم معاملة إنسانية، وتقدم لهم طعاماً كافياً، وتتيح لهم فرصة الاستحمام، وأداء الصلوات خمس مرات في اليوم، والحصول على نسخة من القرآن الكريم إذا شاؤوا. وكان يشرف عليهم رجلا دين من أصل 12 رجل دين مسلم في الجيش الأميركي. وفي شباط فبراير، كانت عملية فرز السجناء ما زالت بدائية، إذ اقتصرت على اسئلة اولية مثل الإسم ومكان الولادة واسم الأهل والأخوة والأخوات. لكن عمليات الاستجواب الأشد سرعان ما بدأت إثر ذلك، وهي حالياً محور دعاوى قضائية تنظر فيها المحاكم الأميركية والسبب في أن"أكس راي"لم يُمح بعد من خريطة غوانتانامو. لم يعمّر المعسكر طويلاً، بعكس صيته السيء. ففي نهاية نيسان أبريل وبداية أيار مايو كان الأميركيون قد انتهوا من بناء منشأة مختلفة لإيواء المحتجزين أطلقوا عليها اسم"دلتا"، على الجانب الآخر من الخليج الكوبي، ونقلوا إليها كافة المحتجزين ال 300 من 33 دولة الذين كانوا في"أكس راي". لم يعد"أكس راي"اليوم سوى أطلال على مرتفعات غوانتانامو. تعلوه الحشائش من كل صوب. إنه في الحقيقة معسكر مهجور وسط"الأدغال". أبراج المراقبة ما زالت منتصبة، لكن لم يعد لها لزوم اليوم، فلا حراس ولا محتجزون هنا. فقط زنزانات صغيرة 8 أقدام ب 6 أقدام أشبه بأقفاص حديد مشبّكة إلى جانب بعضها البعض. الأرض إسمنتية، يحتل جزءاً منها فراش نحيل 5 انشات وبطانيات ووسادات. السقف مزيج من الخشب والحديد، أما المراحيض فعربية الطابع قرفصاء - إذ رفض المحتجزون استخدام مراحيض على الطراز الغربي، كما قال أحد المشرفين على تنظيم جولة لإعلاميين في المعسكر المهجور. الأسلاك العالية التي تعلوها الحشائش من كل مكان ما زالت تمثّل حاجزاً يفصل مراكز الاحتجاز داخل"أكس راي"عن بعضها البعض. الأسلاك الشائكة وأبراج المراقبة ما زالت أيضاً منتصبة حول المعسكر، لكن"الغابة"تزحف عليها وبسرعة. قاعة خشبية متهالكة لا تبعد كثيراً عن"الزنزانات الأقفاص". التحقيق مع المحتجزين كان يتم هنا في غرفتين متجاورتين. طاولة المحققين يعلوها الغبار. لا يبدو أنها استُخدمت منذ زمن بعيد. الكرسي المخصص للمحتجز ما زال صامداً، لكنه ليس بأفضل حال من طاولة مستجوبيه، ومعظمهم عملاء لوكالة الاستخبارات المركزية سي. آي. أيه. ومكتب التحقيقات الفيديرالي أف. بي. آي. واستخبارات وزارة الدفاع، إضافة أحياناً إلى ممثلي وكالات أمن أخرى. المحققون الأميركيون تركوا بصماتهم هنا، على الجدران والأبواب والنوافذ. أرقام الوحدات التي جاؤوا منها. تاريخ يتلو تاريخ يتلو تاريخ، وكأنهم يؤرّخون مواعيد جلسات استجواب المحتجزين. وعلى بُعد أمتار من غرفة التحقيق، في باحة لا يحيط بها شيء سوى أبراج المراقبة والأسلاك الشائكة، هناك ما يشبه القفص الحديدي الموضوع في الخلاء. إنه قفص"العقاب"المخصص للمحتجزين"غير المنضبطين وغير المتعاونين". كثيرون مرّوا من هنا، بلا شك، ولن ينسوا تجربتهم بسهولة، على رغم أن قفصهم صار من الماضي، كما"أكس راي"نفسه.