ردّد الأمين العام ل "حزب الله" السيد حسن نصرالله في مقابلته مع تلفزيون "المنار" ليل الثلثاء الماضي القول إن لبنان تحوّل الى قوة إقليمية مهمة بعد انتصار المقاومة في مواجهتها للحرب الإسرائيلية على لبنان في تموز يوليو وآب أغسطس الماضيين. وهو كان قال في خطابه في مهرجان الانتصار في 22 ايلول سبتمبر الماضي ان لبنان تحول الى قوة إقليمية عظمى، بعد نجاحه في إرباك أحد أقوى الجيوش، أي الجيش الإسرائيلي وإنزال المقاومة الخسائر في الجنود وفي العتاد، في صفوفه... والواقع الذي لا جدال فيه ان المقاومة حين تمكّنت من تحقيق هذه النتائج في وجه إسرائيل أعطت مثالاً على ان هزم إسرائيل ممكن، خلافاً لحال الارتخاء والاستسلام العربية تجاهها بفعل الهزائم المتكررة في الحروب معها والانسجام شبه الكامل مع ما تريده الولاياتالمتحدة من العرب في الصراع المديد مع كونها جسماً غريباً في المنطقة. وتنعكس هذه الحقيقة التي لا مجال لتغييبها حتى عند الذين يميلون الى الحديث عن الخسائر الكبرى التي مُني بها"حزب الله"في هذه الحرب، والأضرار التي لا تحصى التي أصابت لبنان، والتي يصفها كُثر بالكارثة. إن ما حققه"حزب الله"من نتائج في المواجهة مع إسرائيل اصبح أمراً قائماً في حد ذاته ويصنف، في حده الأدنى في خانة الإيجابية، بصرف النظر عن الكلفة العالية لدى الحزب والبلد ككل. ولربما هذا ما يقودنا الى إدراك معنى قول السيد نصرالله ان لبنان تحوّل الى قوة إقليمية عظمى. فالاعتزاز عند المناضلين، وعند المواطن العربي واللبناني العادي بتلك القدرة على هزم إسرائيل، يجعل من هذا الاستنتاج طبيعياً، خصوصاً إذا جرى عطفه على الشعبية الهائلة التي يتمتع بها السيد من المحيط الى الخليج. فتحوله الى الرمز الأول للممانعة امام السياسات المذلة للعرب والمسلمين التي تتبعها الولاياتالمتحدة وإسرائيل، يعزز بالتأكيد ذلك الشعور بعظمة الانتصار الذي تحقق. لكن من المؤكد ان السيد نصرالله استخدم تعبير"لبنان دولة إقليمية عظمى"بالمعنى المجازي. وهو كان يقصد بذلك إبراز أهمية الانتصار على إسرائيل في مواجهة من يقللون من أهمية التضحيات التي بذلها الحزب والآثار السلبية التي تركتها على العدو. فهو يدرك ان مواصفات الدولة العظمى مختلفة تماماً عن مواصفات دولة لبنان، وهذه المواصفات، تبدأ بالاقتصاد والتاريخ، وتمر بالثقافة والمقدرة العلمية والتركيبة الاجتماعية، قبل ان تنتهي بالقدرات العسكرية... ان لبنان دولة هشة على رغم دينامية شعبه الاستثنائية، وعلى رغم اقتناع محيطه العربي بضرورة مواصلة دعمه كي لا يسقط... وعلى رغم ان أحد عوامل هشاشته، أي تنوعه، كان عاملاً من عوامل الإبقاء على مشروعية المقاومة واستمرار"حزب الله"في حمل السلاح، من اجل تجنيب الفسيفساء اللبنانية التصدع. وعليه، فإن الأصح هو ان"حزب الله"قوة إقليمية عظمى وليس دولة لبنان. إن الحزب أكثر تماسكاً وانسجاماً وتجانساً على المستويات الثقافية والعلمية والعسكرية والسياسية وحتى المالية من دولته، وعلى مستوى تحالفاته مع دولة إقليمية عظمى حقيقية مثل إيران ودولة عربية محورية مثل سورية، إذا أضيفت الى إنجازاته الإقليمية المدى في مواجهة إسرائيل. في مقابلته مع"المنار"قام الأمين العام ل"حزب الله"بإسقاط صفة الحزب كقوة إقليمية عظمى على الوضع اللبناني الداخلي فخاطب اللبنانيين من هذا الموقع، فاعتمد لغة التحذير والتهديد والفرض والأمر والنهي، في الوقت نفسه الذي استخدم فيه لغة الاستعداد للتسوية والقبول ببقاء فؤاد السنيورة رئيساً للحكومة وبمشاركة الآخرين في القرار. لا يمكن لهذا النوع من الإسقاط لعظمة القوة الإقليمية للحزب، على التركيبة اللبنانية الداخلية، إلا ان ينتج سقطات مدمرة. فالدول العظمى الحقيقية، حين حاولت فرض"عظمتها"على هذه التركيبة وقعت في سقطات كانت كبيرة الأذية لها. ويصبح الأمر مدمراً اذا قاد الحزب هذا الإسقاط لقوته الإقليمية العظمى انطلاقاً من رجحان كفته في طائفته فيحول هذه الطائفة، مجازاً الى قوة عظمى، مثلما حوّل قادة الموارنة بين السبعينات وأواخر الثمانينات، طائفتهم الى طائفة عظمى في التركيبة الداخلية فحصدوا الخيبة. ولعل هذا ما يستشعر خطره الرئيس نبيه بري، في محاولته التموضع في الوسط بين التناقضات اللبنانية. سبق للأمين العام للحزب ان رد على بعض التصريحات"الصبيانية"لبعض رموز الأكثرية بأن الحزب قد ضعف بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان التي صدر مثلها من بعض المسؤولين الأميركيين. واعتبر السيد نصرالله ان بعض اللبنانيين الذين خرجوا بهذا الاستنتاج"أغبياء"في مقابلته مع"الجزيرة"بعد انتهاء الحرب. إن نتائج إسقاط عظمة قوة الحزب الإقليمية بسبب انتصاره ضد إسرائيل، على التركيبة اللبنانية الداخلية، تصبح مدمرة أكثر إذا امتزجت بهذا الشعور بأن الآخرين يستضعفونه، نتيجة بعض التصريحات غير المحسوبة منهم، فهذا المزج يولّد سلوكاً متناقضاً وغير متماسك. عندها من الذي يستطيع إقناع الطوائف الأخرى وقادتها بأن السيد حسن نصرالله حين يتوعّد ويحذر وينذر، بأنه لا يستقوي بال20 ألف صاروخ التي أعلن عن امتلاك الحزب لها، على رغم تطميناته بأنه لن يستخدم السلاح في الداخل؟