نجح البابا بنيديكت السادس عشر في مستهل زيارته لتركيا امس، وهي الاولى له الى بلد مسلم، في تبديد غيوم خيمت على العلاقات بين الجانبين. وتصاعد"دخان ابيض"من"لقاء اللحظة الأخيرة"بينه وبين رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الذي بدا مرتاحاً لنتائج المحادثات، سواء لجهة تأييد الفاتيكان انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي، او لجهة دعم حوار الحضارات وتفادي الصدامات بينها. وفاجأ اردوغان المراقبين عندما تقدم مستقبلي البابا في مطار أنقرة، في خروج عن البروتوكول المعتمد في تركيا. واستهل رأس الكنيسة الكاثوليكية محادثاته مع رئيس الوزراء التركي، بالتأكيد على مشاعر الود والاحترام والأمل في أن تعزز الزيارة الحوار بين الحضارات والأديان بما يخدم السلام العالمي. وأكد اردوغان الذي التقى البابا لعشرين دقيقة قبل سفره لحضور قمة"حلف شمال الاطلسي"في لاتفيا"اهمية الزيارة في وقت تزداد الحروب وتتصاعد النظريات عن صدام الحضارات"، مشيراً الى ان زيارة البابا جاءت بعد وقت قصير من اعلان"بيان اتفاق الحضارات"الذي تسلمه الأمين العام للامم المتحدة كوفي أنان في اسطنبول من رئيسي الوزراء التركي ونظيره الاسباني خوسيه لويس رودريغيث ثاباتيرو. واعتبر اردوغان ان الزيارة البابوية، كما البيان، يكرسان تركيا"مركزاً للحوار بين الشرق والغرب"كما يعززان اهميتها بالنسبة الى الاتحاد الاوروبي. وفي هذا الاطار، نقل عن البابا قوله انه"ليس رجل سياسة ولكنه يتمنى ان يرى تركيا عضواً في الاتحاد الاوروبي". وتجاوز الجانبان بتلك الرسائل الديبلوماسية، قضيتي الخلاف الاساسيتين وهما موقف سابق للبابا رافض لدخول تركيا النادي الاوروبي، وتصريحاته المقتبسة عن الاسلام والتي اثارت استياء في تركيا، علماً ان اردوغان حرص على الاشارة الى هذه القضية بالقول ان"على رجال الدين ان يكونوا اكثر حرصاً في تصريحاتهم لأنها تؤثر في ملايين البشر"، مضيفاً ان تركيا"لا تحقد او تبحث عن الانتقام بل تتطلع الى المستقبل". وعقب لقائه اردوغان، توجه البابا الى ضريح اتاتورك ومنه الى قصر الرئاسة حيث التقى الرئيس أحمد نجدت سيزر الذي اهداه نسخة عن البيان التاريخي للسلطان محمد الفاتح عقب فتحه اسطنبول عام 1453 والذي تعهد فيه بالحرية والمساواة لجميع الاديان والاعراق في المدينة، وذلك في سعي الى توضيح صورة الاسلام للبابا بعد تصريحاته الاخيرة في المانيا. ودعا البابا بعد اللقاء المسيحيين والمسلمين الى"حوار صادق يستند الى الحقيقة"و"يحترم الفروقات ويعترف بالنقاط المشتركة"، وقال"الطريقة الفضلى للمضي قدما هي عبر اقامة حوار صادق بين المسيحيين والمسلمين يستند الى الحقيقة وينبع من رغبة صادقة بمعرفة الاخر واحترام الفروقات والاعتراف بما هو مشترك". كما دعا خلال لقاء مع دبلوماسيين معتمدين في انقرة الى قيام"حوار فعلي"في الشرق الاوسط لمواجهة خطر"ان تتوسع النزاعات وتنتشر الاعمال الارهابية". واختتم البابا اليوم الأول من زيارته، التي تستمر الى الجمعة، بلقاء رئيس الشؤون الدينية التركي علي بارضاق اوغلو الذي كان صاحب اقوى انتقاد وجه الى رأس الكنيسة، طالباً اعتذاره للمسلمين قبل وصوله الى تركيا. وخرج الجانبان ببيان مشترك يحض على دعم الحوار بين الأديان من دون افكار مسبقة. في المقابل انحسرت التظاهرات التي كانت متوقعة احتجاجاً على زيارة البابا، إذ خرج 20 شخصاً في تظاهرة سلمية امام مقر رئاسة الشؤون الدينية في أنقرة، وهتفوا لدقائق مطالبين البابا باعتذار رسمي عن مواقفه السابقة من تركيا. الكنيسة الارثوذكسية في غضون ذلك، تأمل الكنيسة الارثوذكسية في ان تؤدي زيارة البابا الى حمل انقرة على مزيد من الاحترام لحقوق الاقليات المسيحية. وقال الاسقف ديميتريوس في مؤتمر صحافي في اسطنبول ان بطريركية القسطنطينية والبطريرك بارثلميوس الاول"يواجهان صعوبات في تركيا وهذا اقل ما يمكن ان يقال". وأعرب عن أمله في ان تساعد اللقاءات بين بنيديكت السادس عشر وبارثلميوس الاول، المقررة في اسطنبول الاربعاء والخميس، في"تحسين الظروف لحل هذه المشاكل". وأوضح ان المشكلة الرئيسية هي رفض تركيا الاعتراف لبطريرك القسطنطينية بصفته المسكونية، أي بكونه"الأول بين متساوين"في الكنيسة الارثوذكسية. كما اشار ديميتريوس الى رفض انقرة اعادة فتح الدير الارثوذكسي الوحيد في تركيا والموجود في جزيرة في اسطنبول، ومصادرة عقارات تابعة لمؤسسات مسيحية. ولمّح الاسقف بريان فاريل، السفير البابوي لدى تركيا، الى ان البابا سيمارس ضغوطاً على انقرة في شأن حقوق المسيحيين وبينهم الطائفة الكاثوليكية الصغيرة هناك.